هذا الخطاب كان له تأثير قوي على المشاهدين . وسننشره مرئياً ومترجماً بالعربي لاحقاً

ذات صباح، فيما كنت واقفاً في تقاطع حي مانابوليو عام 1992، حاولت أن ألتفت حوالي كي أتامل ظروف المدينة وأحوالها ومعيشتها ، فلم أرى طالباً واحداً يحمل دفتراً أو يرتدي زياً مدرسياً. ذلك المظهر ترك في نفسي حزناً وقلقاً جعلني أفكر أن مستقبل الشباب والبلاد باتتا في خطر ، إن لم نجد سبيلاً للحل.
ولكي أؤدي واجبي الأخلاقي والوطني على نحو مستقل، قررت أن أترك عملي في الأمم المتحدة، والوقوف من أجل تأمين الجيل المستقبل في بلدنا .
طلبنا أنا وصديقي من مسلحين كانوا يعيشون في مبنى “مانابوليو ” إخلاء المبنى لنا ، وبهكذا تم إنشاء المدرسة التي أطلقنا عليها إسم ـ”مدرسة مقديشو الإبتدائية والثانوية”. تعرضنا للتهديد عدة مرات وتم الجهوم علينا في المدرسة كذلك ، وفي آخر مرة التي تعرضنا فيها مع الطلاب هجوماً من قبل مسلحين، قال لي صديق أسّس معي المدرسة : “لا تخاطر نفسك بهذه المدرسة ؟ ” ويومها شعرت بالخطر الذي كان صديقي يحذرني منه، لكن حجم اليأس الذي سيحل بالأطفال في المدرسة كان أكبر وقعاً من هواجسي ، إذا قررت إغلاق المدرسة. وبدلاً من التخلي عن تأمين مستقبل الطلاب، قررت أن أواجه المشكلة حتى أجد حلا لها .
وبعد كفاح طويل، وصل الطلاب الذين كانوا يتعلّمون تحت ظروف صعبة إلى نهايات المرحلة الثانوية. وكان من الضروري بالنسبة لهم الحصول على التعليم العالي، وهو ما قادنا لاحقاً إلى إفتتاح معهد سيمد.
وفي أيلول/سبتمبر 2001، تخرج من المعهد أول دفعة من الخريجين ، وكان يوماً هاماً جداً بالنسبة لي. ونجاح هؤلاء الطلاب هو نجاح الرحلة التعليمية التي بدأت في تقاطع حي مانابوليو. وكان الأهل، والطلاب، والمعلمون في حفلة التخرج سعداء ، ولكنني كنت قلقاً بشأن معدّل البطالة بين الطلاب المتخرّجين ، لأن العثور على الوظيفة في تلك اللحظة كانت مبنية بالمعارف أو مدي علاقتك بصاحب العمل أو هويتك القبلية، وأتذكر سبعة طلاب حصلوا على وظيفة في شركة “نيشن لينك”، كان شرطاً أساسياً بأن أكون ضامناً لهم في الحصول على الوظيفة ، ولم أتردد في تحمل تلك المسؤولية، لأننا كنا واثقين من كفا ءة معرفتهم والوقت الذي إستثمرناه في تعليمهم .
وإلى جانب تربية الطلاب، كنت أقوم بإجراء بحوث علمية لدراسة الصراعات التي حدثت بين مكونات المجتمع الصومالي وكيفية معالجتها. سافرت إلى معظم أنحاء البلاد وأقاليمها ودرست الصراعات وجذورها والأسباب الكامنة وراءها ، وأثناء تأدية مهامنا تلك خاطرنا بحياتنا بعدة مرات ، قتل صديقي عبد القادر يحيى علي، رحمه الله ، على أيدي من يقوم بإجتثاث كل من يظن بأنه قد يكون جزءاً من معادلة الحل في الصومال .
لقد خلق مقتل صديقنا إحباطاً دفع العديد من زملائنا إلى الفرار من البلاد. لاشك اني أفخر إذا قلت أني “لم أكن خائفاً”، ولكنني كنت مخيراً بين الهجرة أو النضال والمواصلة، فاخترت النضال على الاستسلام .
وبدا لي هنا أن الصوماليين والعالم يضيعون الكثير من الوقت في إيجاد حل لمشاكل المجتمع دفعة واحدة، لا توجد منطقة بها حاجة تشبه حاجة منطقة أخري ، كما لاتوجد مشكلة قرية مماثلة لمشكلة قرية أخرى ، في المجتمع ، ولهذا بدا لي أن الحلول التي تم التوصل إليها تختلف عن بعضها البعض بناء على إختلاف طبيعة المشكلة والحاجة.
لم تستطع جهودنا التعليمية المحدودة تسديد كل الحاجات على إختلاف أنواعها. ولم يكن العثور على وظيفة لعشرة أو عشرين طالباً كافياً لحاجة مئات الطلاب المتخرجين سنوياً من الجامعات. ولم تكن جهودنا البحثية ومحادثات السلام كفيلة لوقف وحل الصراعات في البلاد. لذا كان من الضروري أن تكون هناك حكومة حقيقية تعمل لصالح الأمة برمتها جميعا. ولإصلاح المنظومة السياسية كان لزاماً علينا الإنخراط في السياسية و ان نكون جرأ من الحل ، لطالما السياسيون في تلك اللحظة كانوا لا يسلكون الطرق المناسبة والمؤدية إلي الحل الشامل .
ومن أجل إحداث تغيير حقيقي ودائم، لصالح الشعب والبلد، قررت العمل في السياسة والترشح لرئاسة الصومال لتصحيح المسار . في 10 سبتمبر/أيلول 2012، إنتخبني البرلمان الصومالي رئيساً لجمهورية الصومال الإتحادية. لقد سلّموني دولة فقيرة ، حكومة فيدرالية لاتتجاوز ولاية بنادير، حكومة لديها أكثر من 60 نقطة تفتيش غير قانونية في العاصمة، دولة يسيطر عليها الإرهابيون، حكومة بدون ميزانية وبنك مركزي عامل، دولة ليس لها علاقات دبلوماسية في معظم أنحاء العالم، دولة بدون مؤسسات فاعلة ، حكومة بدون موظفي الخدمة المدنية ، حكومة تنقصها كل أدوات المساعدة لأداء وظائفها .
التحديات التي واجهناها كانت كثيرة ، ولكنني ركزت على بناء الحكومة من القاعدة. وقد حددنا أولويات العمل، من خلال التزامنا بتنفيذ العقد الاجتماعي الذي كان يأمرنا بتطبيق النظام اللفيدراليي في الصومال. وقد نجحنا في تحرير مناطق عديدة كان الإرهابيون يسيطرون عليها. وأزلنا نقاط التفتيش غير القانونية في العاصمة.
وقد سجلنا موظفي الخدمة المدنية ورتبنا سجلاتهم. كما وقد نجحنا في تنشيط المؤسسات المالية مثل البنك المركزي. ووضعنا الميزانية العامة ، وقد قمنا كذلك بتسريع الحوار مع أرض الصومال ، فضلاً عن تسيير إجراءات الحصول على خدماتها من جانب الحكومة الاتحادية. وقد إستطعنا إستعادة العلاقات الدولية ، باتباعنا سياسة خارجية خالية من العداوات، سعياً إلى تحقيق المصالح الصومالية من خلال التعاون والقنوات الدبلوماسية .
وقد أتاح مبدأ تفويض السلطات وتطبيق النظام الفيدرالي في البلاد، بعد تسعة وأربعين عاماً، إجراء إنتخابات غير مباشرة في الصومال، حيث تم إنجازها في العديد من الأماكن المختلفة . وفي عملية إرساء سياسة مستقرة، قمت بتنفيذ إنتخابات شفافة وشاملة ومنصفة، خسرت فيها وهنأت لمنافسي.
لقد تراجع عملنا بشأن بناء الأمة وإنشاء هياكل الدولة، و مسار بناءالدولة يمر اليوم في وضع أقل مما تركته فبل 5 أعوام، سوء على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي والدبلوماسي .
لدي حب عميق للجمهورية الصومالية ولشعبها، لم أفكر يوماً أن أترك الصومال وشأنه ، وقد بذلت جهداً في إصلاحه في أوقات حرجة وخبرتي محدودة فكيف لي أن أخلي سبيله وأنا أملك اليوم خبرات متراكمة من خدمة هذا الوطن . وللتغلب على النكسات واستعادة الوحدة الوطنية والاستقرار في البلد، نحتاج إلى سياسة أكثر تسامحاً وديمقراطية ورحمة تؤدي إلى إتمام عملية بناء دولتنا .
يا أيها الصوماليون !
أنا مرشح لرئاسة جمهورية الصومال الاتحادية في عام 2022. وعليه، أطلب من الشعب الصومالي أن يمنحني الثقة لكي أتمكن من قيادة البلد مرة أخرى .
شكراً لكم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته