مقدمة :
على مدى السنوات الماضية، تعرضت الأسواق الشعبية الصومالية للعديد من الحرائق أشهرها حريق سوق بكارا المركزي في مقديشو، الذي تكرر عدة مرّات آخرها في شباط/فبراير 2019، وحريق السوق الكبير في محافظة ودجر بمقديشو في كانون الأول/ديسمبر 2020، وحريق سوق واهين المركزي في هرجيسا في أوائل نيسان/أبريل 2022، وحريق سوق بنادير في محافظة هدن بمقديشو في 20 آيار/مايو من الشهر الجاري.
إن حريق الأسواق الشعبية في الصومال بوجه عام، وفي مقديشو بوجه خاص، ظاهرة متكررة لم يعرف لها سبب واضح، ولكن انتشار الأبنية المصنوعة من أعمدة خشبية، وصفائح معدنية، وانعدام وسائل الوقاية من الحرائق، فضلاً عن عدم اتخاد تدابير أولية عند تحويل الوحدات السكنية إلى مخازن للبضائع في المحلات التجارية، وغياب اللوائح المنظمة للبناء في مثل هذه الأسواق، وضعف فاعلية هيئات الرقابة من الأسباب المساهمة في تكرار حدوث هذه الحرائق ، بجانب استخدام أسلاك كهربائية قليلة الجودة ، مما يجعل الأسواق عرضة للحرائق باستمرار، خاصة أن معظم البضائع الموجودة فيها سريعة الاشتعال، وكذلك السلع التي تزيد من قابلية الاشتعال، كالملابس والأقمشة والوقود وغيرها. ويمكن أن نضيف الي الأسباب وجود محلات لبيع الشاه من قبل السيدات، الأمر الذي يجعل الفحم أو النار المستخدم للطبخ قابلاً للاشتعال، خاصة في الأوقات المتأخرة التي يصعب فيها التحكم بالحرائق حال حدوثها. وفي هذا التقرير، نسلط الضوء على الأسواق التي تعرضت للحرائق خلال السنوات الماضية، إلى جانب المحاولة في رصد وتحليل أسباب الحرائق المتكررة في الأسواق الصومالية الشعبية.
أولاً: الأسواق التي تعرضت للحريق
ا. حريق سوق بكارا بمقديشو:
يعتبر سوق بكارا الأكبر في البلاد، حيث تأسس في أواخر عام 1972 خلال عهد الحكومة العسكرية بقيادة اللواء محمد سياد بري آنذاك. وقد تعرض السوق للعديد من الحرائق التي دمرت أحياناً معظم الممتلكات والثروات فيها إما كلياً أو جزئياً. حدثت فيه حرائق متتابعة منذ تأسيسه حتى اليوم، على سبيل المثال – وليس حصراً- في 5 كانون الثاني/يناير 2001، وفي 10 نيسان/أبريل 2004، وفي 2 تشرين الأول/أكتوبر 2007، ويعزى هذا الحريق الأخير إلى قذائف أطلقت على السوق خلال معركة قصيرة دارت بين قوات إعادة التحرير والقوات الإثيوبية المساندة لقوت الحكومة الانتقالية. وعلى إثر اندلاع هذا الحريق، القى زعماء العشائر القاطنة في مقديشو آنذاك اللوم على عاتق القوات الإثيوبية، كما زعم الناطق باسم هؤلاء الزعماء، محمد حسن حاد: “لدينا تقارير تفيد بإن القوات الإثيوبية مسؤولة عن احتراق سوق بكارا بإطلاق أربعة صواريخ باتجاهه” بعد أن تكبدت خسائر فادحة في الأرواح بالقرب من معسكر جول ودياشا (Guulwadayaasha) ومبنى وزارة الدفاع.
وعلى نفس المنوال تعرض سوق بكارا لحريق شديد في شباط/فبراير 2017، إذ اجتاحت النيران في قطاعات واسعة، منها قطاع الأواني، وقطاع اللحوم، وقطاع الخضروات. وتكرر الحريق مجدداً في كانون الثاني/يناير 2019، إذ ألحقت النيران أضراراً بالغة بقطاع الملابس المستعملة وقطاع الأواني، جرّاء فشل تيار كهربائي، بحسب مصادر محلية.
ب. حريق السوق الرئيسي بمحافظة ودجر:
تعرض هذا السوق أكثر من مرة لحرائق هائلة دمرت هي الأخرى قطاعات كبيرة منه، آخرها في 21 كانون الأول/ديسمبر 2020، حيث اجتاحت النيران المخازن والمحال التجارية الصغيرة في السوق، وامتدت إلى أجزاء أخرى من السوق. ولم يكن هذا الحريق الأول من نوعه بل تعرض هذا السوق لحرائق متعددة منها حريق سنة 2016 و2019، ما أدى إلى تدمير ثروات طائلة لأصحاب المحلات التجارية في السوق.
ج. حريق سوق بنادير بمحافظة هدن:
في 20 أيار/مايو 2022، اندلع حريق هائل في وقت متأخر من المساء بمنطقة تجارية عند تقاطع بنادر في العاصمة الصومالية مقديشو. وحسب روايات شهود عيان قد التهم الحريق عدة مخازن ومحلات تجارية صغيرة، وانتشر الحريق بسرعة فائقة، ولم يتم السيطرة عليه إلا في وقت متأخر من الليل لأن هيئات مكافحة الحريق لا تتوفر لديها الأدوات الضرورية لمكافحة مثل تلك الحرائق، ولم يذكر بعد السبب الرئيسي للحريق، وذلك بسبب ضعف أساليب التحقيق في الصومال، الأمر الذي من شأنه أن يعقد تحديد أسباب الحرائق المتكررة في أسواق مقديشو.
د. حريق سوق واهين في مدينة هرجيسا:
اندلع في مطلع نيسان/أبريل 2022 حريق كبير في السوق المركزي بمدينة هرجيسا شمال الصومال، ما أدى إلى إصابة أكثر من عشرين شخصاً وتضرر مئات المحال التجارية، حيث أظهرت التقديرات الأولية بأن الخسائر الإجمالية الناجمة عن حريق سوق واهين في أرض الصومال تتراوح ما بين 1.5 مليار دولار إلى ملياري دولار.
ومن غير المعروف حتى الآن ما الذي تسبب في اندلاع هذا الحريق الذي انتشر في السوق كسرعة الصاروخ ما جعل السلطات المحلية عاجزة عن احتوائه، إلى أن التهم الحريق السوق برمته. وقال رئيس بلدية هرجيسا عبد الكريم احمد موجي “إن المدينة لم تشهد مثل هذه الكارثة”، وقال جمال عيديد، رئيس غرفة التجارة في هرجيسا في نفس السياق “كانت خسارة السوق هائلة، حيث كان يمثل 40% إلى 50% من اقتصاد المدينة” .
ثانياً: أسباب الحرائق المتكررة:
ويمكن أن تعزى الحرائق المتكررة في الأسواق الصومالية إلى ما يلي:
أ. أنواع مباني السوق: المباني التجارية عادة ما تكون خياماً مصنوعة من مواد البناء المعرضة للاحتراق بسرعة مثل الأعمدة الخشبية أو الصفائح المعدنية، مما يسهم في تصاعد نسبة أو تكرار حرائق الأسواق الشعبية الصومالية.
ب. قلة جودة الأسلاك الكهربائية: ويمكن القول إن الأسلاك الكهربائية التي تمر في الأسواق تعد واحدة من أسباب الحرائق المتكررة، حتى وإن لم تكن الأسلاك أو التيارات الكهربائية السبب الرئيسي في اندلاع الحرائق في بعض الأحيان، فالمؤكد أنها تساهم في توسع رقعة انتشاره في أماكن كبيرة.
جـ. المطاعم في السوق: هناك مطاعم في الأسواق غير ملتزمة بمعاير السلامة الضرورية، ومعظم هذه المطاعم هي أكشاك مصنوعة من مواد البناء القابلة للاشتعال بسهولة مثل الصفائح المعدنية أو اللوائح الخشبية أو ما إلى ذلك.
د. محطات الوقود: وفي بعض الأسواق هناك محطات للوقود، التي من طبيعتها أن تزيد من انتشار الحرائق بسرعة مذهلة، وتصعب أيضاً من وضعية إخماد الحرائق بشكل سلس وسهل.
هـ. غياب اللوائح المنظمة لسلامة الأسواق: غياب اللوائح أو ضعف هيئات المراقبة في المستويين المحلي والقومي المسئولة عن منح الرخص والتصريحات، ومحاسبة مرتكبي المخالفات، وعدم وجود خطط للوقاية من الحرائق جزء مهم وكبير في حدوث وتكرار هذه الحرائق التي باتت خطراً على اقتصادات المدن الصومالية، وتمثل تهديداً وتدميراً لسبل العيش لكثير من الأسر الصومالية.
و. الازدحام المروري: قد تواجه سيارات الإطفاء، إن وجدت، صعوبة في الوصول إلى مكان الحريق، بسبب ازدحام الطرق والتصاق هياكل السوق بعضها البعض بحيث اختفت الطرقات والممرات الآمنة، ما يجعل مهمة فرق الإنقاذ شبه مستحيلة.
ختاماً، لا شك في أن حدوث وتكرار الحرائق في الصومال عامة وفي مقديشو بصفة خاصة صارت ظاهرة تتكرر حدوثها بشكل متقارب جداً، حيث باتت هذه الحرائق خطرا ماثلا على اقتصادات المدن، وعلى سبل العيش لآلاف الأسر الصومالية ألتي تكابد مشقة العيش في بلد يعاني من عدم الاستقرار السياسي في العقود الثلاثة الماضية. ماعدا عن الأسباب التي تتبادر إلى الذهن ، والمذكورة في الأسطر السالفة عند حدوث حريق ما، والناتجة عن الفوضى الموجودة في الأسواق الشعبية، حتى الآن لم يتم تحديد أسباب المشاكل بشكل لا لبس فيها، ولم تقدم السلطات المعنية حتي اللحظة تحقيقات مفصلة حول ما إذا كان حدوث هذه الحرائق بشكل تلقائي أم أن هناك أيادي بشرية تتورط في افتعالها، مما يلزم على السلطات بمختلف مستوياتها القيام بتحقيقات شاملة على كيفية حدوثها، كما يجب عليها أن تدرس الأمور وتصدر لوائح وقوانين صارمة ضد مرتكبي المخالفات على أنظمة السلامة في الأسواق .