الحبشة والمصادر العربية
وقبل الحديث عن المصادر العربية التي تناولت أخبار الحبشة، نشير إلى أنّ عموم المصادر والمراجع – كما هو معروف – ليست متساوية وأنّ منها مصادر أولية وأخرى ثانوية، كما أنّها – أي الصادر – تتفاوت وليس لها لون معين، تبعاً لما تحتويه من مادة تاريخية أو علمية أخرى. ومهما كان، فإنّ المصادر لها أهمية كبيرة، وهناك مقولة مشهورة بين الباحثين في التاريخ وهي ” لا تاريخ بلا مصادر” مما يعني أهمية المصادر التي يعتمد عليها الباحثون في أي فنّ من فنون العلم والمعرفة.
وهناك فرق كبير بين المصدر والمرجع بحيث أنّ ” المصدر هو الذي يحتوي على المادة الأساسية في البحث. أمّا المرجع فهو عكس المصدر، فهو الذي يُرجع معلوماته إلى المصدر ويستند إليه لعدم معاصرته الحدث. ومع ذلك فلا شك أنّ في المرجع فوائد كبيرة إذ تحتوي على وجهة نظر أصحابها الخاصة من شرح وتعليق ونقد، ويستأنس الباحث في ذلك ويزيد له توضيح الأمر وإضاءته”. ويخلط البعض ممن ليس لديه إلمام في منهج البحث العلمي التاريخي بين المصدر والمرجع، ولعل السبب في ذلك بما يظنه من ترادف معنى الكلمتين، وليس الامر كذلك، فالمراجع تأخذ معلوماتها عن المصادر سواء كانت أصلية أو ثانوية، وليس العكس.[1]
إذاً أشرنا فيما مضى بأن المصادر والمراجع أنواع وأشكال متعددة ويصعب حصرها في شكل أو نوع معين، وكل له قيمته ورونقه، ومن الأهمية بمكان أنّ المعلومات التاريخية التي يرويها المؤرخون ينبغي أن تكون معتمدة على أصول يبرهن صحة المذكور، ومن هنا فالمصادر المتعلقة بهجرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تشمل أغلب المصادر المعروفة في البحث العلمي التاريخي وأولها القرآن الكريم وكتب التفاسير، وكتب الحديث النبوي وشروحها، ثم تأتي مصادر تاريخية أخرى من كتب السيرة والمغازي ، وكتب التراجم والتاريخ العام، علماً أنّ كتب السير والمغازي أفاضت أخبار الحبشة ليست في زمن النبي عليه السلام فحسب ، وإنّما أيضاً في فترة ما قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مثل: كتاب ابن إسحاق ( ت 151هـ )، وابن هشام ( ت 213هـ ). وكذا كتب التاريخ العام: تاريخ الطبري، والكامل لابن الأثير، والبداية والنهاية لابن كثير ، وتاريخ الإسلام للذهبي وغير ذلك. وكما أنّ هناك كتب الرجال والتراجم مثل: كتب الوفيات الأعيان، وأسد الغابة، وغير ذلك.
وإذا كانت المصادر التي أشرنا آنفاً مصادر عامة جاء فيها بعض أخبار من هجرة الصحابة إلى أرض الحبشة، فإنّ هناك مصادر انفردت بكاملها الحديث عن هذه الهجرة وغيرها مما له علاقة ببلاد الحبشة، ومن ذلك:
• تنوير الغبش في فضل السودان والحبش لابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي محمد ( ت 592هـ).
• رفع شأن الحبشان للسيوطي، أبو بكر جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ( ت 911هـ).
• أزهار العروش في أخبار الحبوش للسيوطي، وهو كتاب ملخص من كتابه السابق رفع شأن الحبشان.
• نزعة العمر في التفضيل بين البيض والسود والسمر للسيوطي أيضاً.
• مناقب الحبش للإمام أبي محمد جعفر بن أحمد بن الحسن السراج البغدادي المتوفى عام 500هـ.
• نور الغبش في لسان الحبش لأبي حيان أثير الدين محمد بن يوسف النحوي الأندلسي ( ت745هـ).
• الطراز المنقوش في محاسن الحبوش لمحمد عبد الباقي البخاري ( ت 991هـ)
وقد كتب الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر البصري (ت 255) قبل ذلك كله، ولكن من باب اللود السود وفضله على البياض في رسالته المعروفة ” فخر السودان على البيضان “، وقد أبرز الجاحظ في رسالته فضائل السود ومحاسنهم وصفاتهم الإيجابية، وجمع فيها بين دور السود الروحي الإسلامي، وإعزاز النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لهم، وبين فضائلهم الحضارية الأخرى.
وقد تبع الجاحظ نهجه ابن المرزبان أبو بكر محمد خلف المحولي ( ت 309هـ) في الحقبة نفسها برسالة ” فضل السودان على البيضان”.
ومن المصادر التي تناولت شأن الحبشة:
• الإلمام بمن بالحبشة من ملوك الإسلام للمقريزي أبو العباس تقي الدين أحمد بن علي ( ت 845هـ).
• (سيرة الحبشة) للحسن بن أحمد الحيمي اليمني، بتحقيق مراد كامل، والكتاب عبارة عن رحلة إلى بلاد الحبشة في الحادي عشر الهجري.
• رونق الحسان في فضائل الحبشان لخليفة بن أبي الفرج بن محمد الزمزمي المتوفي سنة 1062هـ.
وهناك عدد كبير من المراجع التي لا يستغني في الموضوع مثل:
• المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي.
• الإسلام في الحبشة للخطاط الباحث يوسف أحمد-1935م، وهذ الكتاب عبارة عن وثائق صحيحة قيمة عن أحوال المسلمين في مملكة إثيوبيا من شروق الإسلام.
• المسلمون في الحبشة للدكتور إبراهيم محمد حسن.
• معالم الهجرة الأولى إلى الحبشة، للأستاذ محمود شاكر.
• معالم الهجرتين إلى أرض الحبشة، للدكتور علي الشيخ أحمد أبو بكر الصومالي.
• بين الحبشة والعرب للأستاذ عبد المجيد عابدين.
• الملك النجاشي بين المسيحية والإسلام للأستاذ جمال صلاح الدين.
• الحبشة والأحباش في التاريخ العربي الإسلامي للدكتور جلال الدين محمد صالح.
• الإسلام والحبشة عبر التاريخ، لفتحي غيث.
• إزالة الغواشي عن أخبار النجاشي لسماحة مفتي أرتريا إبراهيم المختار أحمد عمر.
• أعلام الطراز المنقوش في محاسن الحبوش، لنور الدين أبو الفرج علي بن إبراهيم ابن أحمد الحلبي (ت 1044هـ).
• الحبشة بين القديم والحديث، لمراد كامل، دار الجمعية الجغرافية المصرية، عام1959م.
وهذا فقط نموذج وليست كل المصادر العربية التي تناولت أخبار الصحابة وهجرتهم إلى بلاد الحبشة، أو أخبار الحبشة عموماً في العصور الإسلامية الزاهية، وقد أردنا هنا فقط الإشارة إلى أهم تلك المصادر ليس إلا.
[1] – محمد حسين معلم علي: مصادر تاريخ الصومال ومراجعه – عرض ونقد، دار الفكر العربي، القاهر، 1442هـ/2021م، ص 26