يصادف أول يوليو من كل عام يوم استقلال جنوب البلاد والوحدة مع الشمال الذي نال استقلاله من الاستعمار البريطاني في ٢٦ يونيو عام ١٩٦٠، وإقامة كيان صومالي مستقل ذات سيادة تحت راية أو علم واحد. أثبت الصوماليون هذا اليوم إرادتهم وعزيمتهم لتوحيد الصومال أرضا وشعبا وأن الوحدة بين الشمال والجنوب كانت تمثّل نقطة تحول في تاريخ البلاد، وبداية لتحقيق حلم “الصومال الكبير”، وتحرير باقي الأراضي الصومالية التي مازالت تحت الاستعمار الفرنسي والحبشى والكيني.
يعتبر ١ يوليو ١٩٦٠ يوما تاريخيا ومناسبة عظيمة يحتفل فيها الشعب الصومالي بمناسبة ذكرى يوم الاستقلال، تعبيرا عن حبه وإنتمائه لهذا الوطن العظيم، ويتبادلون التهاني والتبريكات وينظمون احتفالات شعبية تقام في الميادين العامة ويكثرون استماع الأغاني الوطنية والخطابات الحماسية ولكنها للأسف لا تستحضر هذه الخطابات بشكل حافل تاريخ وكفاح أبطال الاستقلال وتضحياتهم، وأمجادهم التليدة ولا ينالون المكانة التي يستحقونها في تاريخ البلاد باعتبارهم السبب الحقيقي وراء الحرية والاستقلال، وبدمائهم أصبح الصوماليون أسيادا على وطنهم يقررون مصيرهم بأنفسهم، وكذلك لا يوجد صدى لهذا العيد في الأماكن الريفية والقرى البعيدة عن المدن الكبرى وتغيب عنها تماما مظاهر الاحتفالات والمسيرات الشعبية، ويُلاحظ أن معظم الناس في الأرياف والقرى لا يعرفون شيئا عن يوم الاستقلال، وهذا ليس إلا إنعكاسا لجهلهم وعدم إكتراثهم بتاريخ بلادهم أو أهمية هذا اليوم للوطن، وكذلك افتقار كثيرين من غيرهم إلى الحس الوطني والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن، نتيجة طغيان العصبية القبلية المتجذرة فيهم على القومية والمشاكل الاقتصادية وهموم الحياة اليومية، التي عانى منها البلاد منذ الاستقلال ومازال يعاني من ويلاتها.
يمر هذا اليوم عندهم كباقي الأيام دون أن يترك أثرا أو أن يغير شيئا عن واقع حياتهم المعتادة . وتقتصر عادةً مظاهر الاحتفالات بعيد الاستقلال على بعض المراسم والزيارات الرسمية إلى النصب التذكارية لأبطال الحرية التي يحضرها قيادة الدولة في بعض المدن الكبرى. واللافت أيضا غياب البرامج والندوات العلمية والتاريخية حول كفاح الشعب ضد الاستعمار يتذكّر فيها المواطنون تضحيات آبائهم وأجدادهم الذين قدموا النفيس والغالي لنيل الحرية، وأيضا سيرة وحياة أبطال الحرية والاستقلال، الأبطال الحقيقيين لا المزيفين، وتضحياتهم الجسام، من الكفاح والجهاد، وتذكير الشباب بجرائم الاستعمار وضحاياه والدماء التي سالت وارتوت الأرض ، فداء للوطن والدين والعرض.
وعند الحديث عن استقلال الصومال يتبادر إلي الأذهان حزب نادي الشباب الصومالي ومؤسسيه الثلاثة عشر وآدم عبدالله عثمان أول رئيس بعد الاستقلال، وحاوا تاكو( مشكوك في وجود امرأة بهذا الاسم) والراجح بأنه اسم مستعار لامرأة توفيت أثناء تظاهرة صوماليين مؤيدين لإيطاليا وآخرين ضدها في ١١ يناير ١٩٤٨)، وطغحتور ، اسم رمزي أيضا لمسيرات الحرية … إلخ .
ومنذ هزيمة الدراويش ووفاة السيد محمد عبدالله حسن توقفت مسيرة الجهاد والكفاح المسلح ضد المحتل الإيطالي والبريطاني في الصومال وحل محلها كفاح نادي الشباب الصومالي الذي كان سلميا وفي سياقات مختلفة. ولا نجادل في صدق نواياهم الحسنة بمشروعهم الوطني، ولكن ومنذ تأسيس هذا النادي -والتوقيت و كذا السياق الذي أسس فيه – أثير بوجود إشكاليات حول أهداف الحزب ودور القبيلة فيه ، علي الرغم من أن بعض بنود لائحته الأساسية قد نصت نبذ القبلية ومنع استخدامها داخل الحزب، كما أثير شكوك حول دور بريطانيا في تأسيس الحزب .
لا شك أيضا أن للحزب “نادي الشباب الصومالي” دورا كبيرا في بناء نظام تعليمي حديث وتثقيف الشعب ورفع المستوى الثقافي والسياسي للمجتمع لمواكبة تطورات العصر وتغيرات الزمن دون التنازل عن الثوابت الوطنية والدينية، وخاض الحزب نضالا سلميا منذ تأسيسه في ١٥ مايو ١٩٤٣، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى قيام الدولة الصومالية وتحرير البلاد من قبضة الاستعمار، وفي فترة زمنية وجيزة تمكّن الصوماليون من تسريع وتيرة رحيل المستعمر وتسلّم زمام قيادة البلاد. وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى أن ثمة جزء مهم من تاريخ النضال الشعبي ضد المستعمر البريطاني والإيطالي يتمثل في تاريخ رجال القبائل والعلماء الذين كان لهم دور كبير ومحوري في مقاومة المحتلين. للأسف مازالت هذه الحلقة مفقودة من ذاكرتنا الجمعية أو باتت مهملة ولم تأخذ حقها من التوضيح.
علينا أن نتذكر هؤلاء العظماء الذين ضحوا بأموالهم وأنفسهم فداء للدين والأرض والعرض، وقفوا مرفوعي الرؤوس بوجه الاستعمار الإيطالي والبريطاني الذين غزوا الصومال نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وجاهدوا باللسان والسنان وبصدور عارية، وأقدام حافية ثقيلة في الرمال وفي الوحل، خاضوا معارك غير متكافئة لم ترعبهم ولم ترهبهم آلة الحرب الضخمة والمتطورة والفتاكة للمستعمر، كما عاشوا مشردين مطرودين، أو علّقوا على حبل المشنقة أو ماتوا في الصحاري والبراري عطشانا جوعانا أو قتلتهم أيادي خائنة غادرة ، بجاتب أن التاريخ لم ينصفهم ، نسيهم القريب قبل البعيد وأسدل عليهم ستار النسيان، لم يخلدوا أسمائهم لا بشارع ولا بمدرسة كما نسيت أنامل الخطّاطين والكتّاب أن تسطر أسمائهم في الكتب أو في الجرائد والمجلات، أو يذكروا في السير والمغازي، ولم يدرسوا تاريخهم في المدارس والجامعات، يجهل أكثر الناس عن أخبارهم أو سيرتهم، لأن السلطات السياسية والعسكرية المتعاقبة على الحكم بعد الاستقلال أهملتهم إما لدوافع سياسية أو قبلية، أو الإثنين معا، لأن الطبقة التي حكمت البلاد منذ الاستقلال أكثرها لم تكن من المناضلين الذين حملوا السلاح لتحرير البلاد بل كانوا من الذين تعاونوا معه وكانوا شُرطاً أو موظفين لديهم وهم معروفون بذلك. ومن جهة أخرى أن هؤلاء الرجال العظماء ينتمون إلي ما يسمي بقبائل الأقلية التي لا ثقل ولا تأثير لها في صنع القرار السياسي والعسكري في البلاد.
ولا بأس أن نذكر بعضا منهم فقط للتذكير لا الحصر .سنذكر بعضا من هؤلاء العظماء الذين أنارت دماءهم الطاهرة وتضحياتهم الجسام طريق الحرية والاستقلال، وتحملوا كل المصاعب، والشدائد غير آبهين ما سيلقونه من المصاعب، رغم قلة الناصر وقوة العدو، واثقين بعدالة قضيتهم وموقنين بنصر الله، جاعلين نصب أعينهم، إحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة .
1)الشيخ أحمد حاج
هو من قبيلة “بنطبو” من سكان مقديشو، فقيه من فقهاء المدينة ومن أقرباء شيخ قبيلة بنطبو في مقديشو ورفيق الدراسة لشيخ صوفي، كانت له زاوية في قرية نيمو من قرى قبيلة وعذان، الواقعة على الساحل بين مقديشو والجزيرة، محرض ضد الاستعمار. بعد كمين ومذبحة لفولي في ٢٦ نوفمبر ١٨٩٦ التي تعرضت لها قافلة استكشافيه للمستعمر الإيطالي بقيادة الضابط انتونيو جيكي، وراح ضحيتها ١٤ إيطاليا ومن بينهم قائد القافلة انتونيو جيكي وسبعين من المرتزقة اليمنيين، تعرضت قرية نيمو للقصف المدفعي من قبل السفينة الحربية الإيطالية ودمرتها بالكامل وسُممت آبارها، وعلى إثرها ترك الشيخ أحمد حاج مقديشو مهاجرا إلى طاي سوف، قرية من قرى قبيلة وعدان علي ضفاف نهر شبيلي قرب مدينة أفغوى. للعلم أن الذين نصبو الكمين ( وارتكبوا المجزرة)، هم من قبيلة وعذان بقيادة كل من إبراهيم محمد إسحاق وفيدو عبدي معو. القبيلة التي ظُلمت في التاريخ إذ لم تأخذ حقها من التعريف في دورها الرائد في قتال المحتل، وظلمت أيضا في الحاضر حيث لم تأخذ حقها من المحاصصة القبلية في التمثيل البرلماني وفي مؤسسات الحكومة.
ولشيخ أحمد حاج ثلاثة أبناء، عثمان، أبيكر ومحمد. عثمان وأبيكر بقيا في مقديشو، أما محمد فهو كان أشد خطرا من أبيه على المستعمر وكان يعيش في مدينة أفغوي، وأتهمه المستعمر بأنه المسؤول والمحرّض على قتل هندي، ويوناني إسمه كريستوس مريغو، وجرح الإيطالي مرينو، وخادمة للمستعمر في مقديشو. وكان محمد يتنقل بين القبائل يحرضهم ضد المستعمر الإيطالي، وكانت له علاقة وصداقة وطيدة مع عشيرة أبيكر ملديري المنتمية الي قبيلة وعذان، وكان وراء كل الاغتيالات التي حدثت في مقديشو ضد المستعمر وأعوانه.
2)الشيخ عشر وأبناؤه :
الشيخ عشر وابنيه محي الدين وأبيكر ساع مواي، المقيمين في قرية مريري من قرى هنتري وكانو من المحرّضين ضد الاحتلال، الشيخ عشر على الرغم من كبر سنه و إعاقته الجسدية لم تمنعاه أن يقول الحق ويحرض الناس على القتال ضد المحتل الإيطالي، وكذلك ابنه أبيكر “ساع مواي” شارك بنفسه القتال، وخاض معارك عديدة ضد المحتل. والجدير بالذكر مشاركة خمسمائة مقاتل من قبيلة هنتري تحت قيادته، مع قبيلة بيمال في واقعة طناني المشهورة ١٠ فبراير ١٩٠٧، وجرح في إحدى المعارك مع المحتل، وقاد قافلة مقاتلي بيمال وهنتري الذين توجهو إلي منطقة إليغ ( أيل) عند السيد محمد عبدالله حسن للتزود بالسلاح الناري. بعد وصول المستعمر إلي النهر وحرقه جميع القرى المناوئة له، انتقل الشيخ أبيكر “ساع مواي” ومقاتليه إلى ضواحي بلعد. من هناك بدء تجميع المقاتلين الذين تفرقوا في القرى والنواحي بعد تمكن المستعمر من الوصول إلى النهر.
3)الشيخ عبدي أبيكر غافلي
الشيخ عبدي أبيكر غافلي فقيه من قرية بكد من ضواحي مركة من قبيلة بيمال محرّض وقائد للجهاد ضد المحتل الإيطالي في الشريط الساحلي ما بين مقديشو و مركة، ويعتبر الشيخ عبد أبيكر غافلي من أهم قادة مسيرة الجهاد في جنوب البلاد، خاض معارك شرسة ضد المحتل، واستطاع أن يمنع المحتل من أن يخرج من المدن الساحلية ( ما بين مقديشو و مركة ) ويصل إلى نهر شبيلي ما يقارب 8 سنوات، كما استطاع أن يحاصره داخل المدن، جرح الشيخ في معركة طناني، وكان له تواصل مع الدراويش إذ تلقى بعض الأسلحة النارية منهم، ويقال إنه شخصيا زار مدينة “أيل ” والتقى مع السيد محمد عبدالله حسن. رجع الشيخ أبيكر غافلي إلى موطنه الأصلي ومعه الأسلحة النارية راجيا أن يعيد الكرة علي العدو، لكن الوضع تغير ، حيث تمكن العدو من شراء الذمم، وأن أكثر زعماء العشائر قد استسلموا للعدو مخصصا لهم رواتب مالية شهرية مقابل تخليهم عن النضال المسلح، والعنف. لم يجد الشيخ استجابة من الناس، ولذا ذهب إلى نواحي بلعد وانضم إلى مجموعة من القادة والمقاتلين الذين انتقلوا هناك بقيادة “ساعمواي” فوجدوا استجابة من بعض القبائل من بينهم” حوادلي، بهغري، موبيلين، أجوران، شيدلي” مكث الشيخ هنآك يقارع العدو حتى انتهاء المقاومة ثم رجع الى قريته حيث توفي فيها لاحقا .
4)عمر حسن يوسف
من قبيلة سعد ببيمال، شاب مقدام، شجاع، حضر مدينة مركة يوم ٩ فبرير ١٨٩٧ حيث كان من المقرر إقامة مراسيم رفع علم إيطاليا في المدينة وبحضور الحاكم الإيطالي الجديد، لم يستطع أن يتمالك نفسه عند رؤيته الضابط الإيطالي واسمه “جاكومو تريفيسي” الذي جاء من وراء البحار ليستعبد الناس ويفسد دينهم ويهتك أعراضهم، واقترب منه وسدد عدة طعنات على جسده فأرداه قتيلا. لسوء حظ هذا الإيطالي صادف مقتله يومه الأول لتولي مهامه الجديدة ، إذ كان يريد رفع علم إيطاليا فوق مبني “البلدية“.
ومن أبرز قادة النضال الآخرين، الذين لم نجد لهم سيرة ذاتية :
أ..الحاج حسن علي إبراهيم، الساعد الأيمن لأوغاس بيمال والمتحدث باسمه.
ب..يحي عبد الرحمن من قبيلة بيمال
ج.. التاجر ذو التأثير الكبير ، الحاج علي يوسف، فقد ابنين له في معركة طنانى، من قبيلة بيمال.
د..معلم مرسل من قبيلة شيخال غدرشي قائد ومحرض في المنطقة الواقعة بين غدرشي وجلب مركة.
ه..الشيخ أبيكر يرو من قبيلة شيخال غدرشي.
و..يوسف عادل سلطان أو زعيم عشيرة من أجوران وعبدي كيرو من قبيلة أجوران أيضا هاجرا مع أتابعهم من الغرب من الحدود الحبشة إلي جنوب الصومال وكانت مركز عملياتهم القتالية داخل المثلث “بارطيري- دوي – جلب غوشا” ، واتخذوا قرية “دجومة” قاعدته لهم.
ز..الشيخ محمد يرو
ح..الشيخ عبد نور
ط..معلم محمد
هؤلاء الثلاث لم أقف على قبائلهم، إلا إنهم ذكرهم caroselli في كتابه ferro e fouco وكانوا من قادة المقاتلين على طول جانبي نهر شبيلي من أفغوي إلى حدود إثيوبيا كانت قاعدتهم الرئيسية في بلدوين حيث توجد قاعدة كبيرة للدراويش يقودها خليفة عبدالله، أخو سيد محمد عبدالله حسن ومعه قائد آخر اسمه حاج محمود عغ ديغ.
1)أنطا عيل دامي راجي وورد في كتاب Ferro e Fouco di caroselli, أن هذا الرجل كان من وجهاء قبيلة حوادلي، سلحته إيطاليا لمحاربة الدراويش في بلدوين، ثم تمرد عليها، وهاجم هو ومجموعة التي كانت معه الحامية الإيطالية في بولبورتي وقتلوا ثلاثة عسكريين إيطاليين وبضعا من مرتزقتهم، وأخذو الأسلحة والذخيرة التي بحوزة الحامية، والتحقوا بالدراويش.
هذا في ما يتعلق بالجنوب. أما في الشمال فجدير بالذكر السلطان نور أحمد أمان.
2)السلطان أحمد نور أمان سلطان قبيلة هبر يونس ويعتبر السلطان نور أول من قاوم المستعمر البريطاني في الشمال قبل ظهور السيد محمد عبدالله حسن بسنوات، ورفض اتفاقية الحماية التي وقعتها أكثرية قبائل إسحاق، ويعتبر كذلك من مؤسسي الدراويش، وناصر السيد وحركته ولازمهم إلى وفاته. وقد أُخذت زوجته أسرى من قبل بريطانيا، وكانت حبيسة فترة طويلة لدى بريطانيا في بربرة، بسبب مواقفه المضادة للمستعمر البريطاني.