توطئة :
هذا الكتاب الذي نحن بصدد عرضه وتقديمه للقراء الكـــرام، هو من أحدث مؤلفات الدكتور محمد حسين معلم (أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية) في مجال التاريخ والحضارة، فقد صـدر الكتاب عن دار الفكر العربي بالقاهرة (2021) ويقـع في (212) صفحـة توزعت على سبعة فصول رئيسية. تنبع أهمبة هذا الكتاب بأنه يتحدّث عن منطقة القرن الإفريقي بمفهومها الواسع، هذه المنطقة التي لم تنل اهتماما كافيا من قبل الباحثين من أبناء المنطقة. يكتب المؤلف عن العلاقة بين القرن الإفريقي والعالم الخارجي في العصور القديمة والوسطى، محاولا كشف الوجه الحضاري للمنطقة من خلال تسليط الضوء على الجوانب التاريخية والثقافية والحركة الدبلوماسية التي نشطت في الحقب التاريخية المختلفة كالعلاقة التي حدثت بين مملكة أوكسوم في الحبشة والإمبراطورية الرومانية التي أوفدت السفير جوليا إلى بلاد أكسوم بهدف عقد اتفاق بينهما على مرور البضائع التي كان أباطرة الرومان يجلبونها من الهند، تفاديا لمحاولات الأحباش في تعرضهم للسفن العابرة عبر البحر الأحمر. يتحدث الكتاب عن مواضيع مختلفة وشيّقة، كما يتسم أسلوبه بالسلاسة، حيث لا يشعر القارئ أي مطبات أو ركاكة أثناء قرأته للكتاب.
محتوى الكتاب:
في الفصل الأول من الكتاب تناول المؤلف التاريخ السوسيولوجي لمنطقة القرن الإفريقي وعلاقتها بالحضارات الكبرى في العالم القديم، متبعا أسلوب القراءة المنهجية لما أفرزته الحفريات الأثرية ودراسة المخلفات الحضارية التي عثر عليها في بلاد الحبشة، موضّحا في الوقت ذاته أن أدلة الاكتشافات الأثرية تلك قد أثبتت مدى الاحتكاك الثقافي والديني واللغوي بين الجزيرة العربية وبلاد الحبشة في العصور القديمة، حيث تعود بدايات الصلات بين الجانبين إلى منتصف الألف الأول قبل الميلاد، وذلك إبان عهد الدولة المعينية في اليمن. ثم يتطرق المؤلف إلى علاقة مصر القديمة بمنطقة القرن الإفريقي، مبينـًا أن علاقة الفراعنة مع شعوب المنطقة في هذا العصر قد تميزت بالعمق والمتانة، خاصة مع تطور النشاط التجاري بينهما.
وفي الفصل الثاني من الكتاب : يتناول المؤلف العلاقة بين منطقة القرن الإفريقي والجزيرة العربية في العصور الوسطى، حيث استمرت العلاقة بين الجانبين في مختلف المجالات الدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية.
أما الفصل الثالث فقد خصصه المؤلف للحديث عن القوى الخارجية وعلاقتها الدبلوماسية في القرن الإفريقي في العصور القديمة، كما تناول وبإسهاب مسألة إرسال البعثات والرسل التي كانت معروفة لدى الأمم السابقة، كالرومان واليونانيين والصينيين والهنود وغيرهم. كما يتناول المؤلف الحركة الدبلوماسية في العصر الإسلامي ودور العلماء فيها، موضحا أن المنطقة كانت لها علاقة بحاضرة الدولة الإسلامية منذ العهد النبوي، والخلفاء الراشدين والعصر الأموي والعباسي، رغم أنها لم تكن على مستوى عال على غرار علاقة الخلافة بالأمصار الإسلامية الأخرى.
وفي الفصل الرابع من الكتاب يتحدث المؤلف عن هجرة العرب إلى القرن الإفريقي عبر باب المندب، كما يتناول فيه دور سادة الأشراف في نشر الإسلام بالقرن الإفريقي.
ويفرد المؤلف الفصل الخامس من الكتاب للحديث عن ألقاب الزيالعة والجبرتية، كما يتناول المؤلف في هذا الفصل ألقاب الحبشة ومشتقاتها، باعتبارها من المصطلحات الحضارية التي كان يستخدمها المؤرخون المسلمون في العصور الوسطى .
أما الفصل السادس من الكتاب فقد خصصه المؤلف للحديث عن علاقة الزيالعة والجبرتية بالجزيرة العربية، وقد أسهب المؤلف في هذه المسألة إسهابا علميا موثقا بمصادر معتمدة ومتعددة.
ويختتم المؤلف الفصل السابع من الكتاب بالحديث عن أبرز علماء الزيالعة والجبرتية وفي مقدمتهم الإمام فخر الدين بن عثمان الزيلعي، والإمام جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي، والشيخ جمال الدين بن علي الجبرتي، ومحمد بن البركات الجبرتي وغيرهم .
هذا الكتاب هو حصيلة قراءة متأنية وعميقة كرس فيها المؤلف خبراته الواسعة لاستحضار التاريخ ومراجعة المصادر والوثائق، ليكون شاملًا لتاريخ علاقة منطقة القرن الإفريقي بالعالم الخارجي في العصور القديمة والوسطى.
الجدير بالذكر هنا في الختام أن المؤلف الدكتور محمد حسين معلم علي قد أصدر في الآونة الأخيرة عدة مؤلفات هامة في مجال التاريخ والحضارة مثل: ابن عبد ربه الأندلسي مؤرخا، طبع في القاهرة 2120م. كما أصدر في العام نفسه كل من كتابه المعنون بــــــ” مصادر التاريخ الصومالي ومراجعه – عرض ونقد ” طبع هو الآخر في القاهرة، وكذا كتابه الموسوم بـ ” المذهب الشافعي في بلاد الصومال … جذوره وتطوره”، ومن هنا يعتبر هذا العام عام حصاد وإنجاز للدكتور محمد. ومؤلفاته كثيرة في مجال التاريخ حيث ظل مرابطا في ذلك المحراب منذ عشرات السنين دارسا و باحثا وكاتبا، ولا شك أنه قد أنجز الكثير في مسار التأليف عن التاريخ لاسيما التاريخ الصومالي ، أسأل الله أن ينفع جهوده بالأمة الصومالية ويجزيه أجرا في ما بذله من جهد ، كما أدعو كذلك للقراء والمهتمين بالتاريخ الصومالي أن يقتنوا هذا الكتاب المهم ” العلاقة بين القرن الإفريقي والعالم الخارجي في العصور القديمة والوسطى ” الذي سيضيف إلى مكتباتهم قيمة علمية من شأنها أن تساعدهم في البحث والتوثيق .