على الدوام هنالك ما يميزه المجتمعات من سكان الكوكب فيما بينها في العادات والتقاليد كنمط للحياة. ولا تجده المجتمع الصومالي قاصرا أو مختلفا في ذلك، وتحديدا في كيفية وأسلوب التخاطب البشري المتبع بين أفراده، بطبيعته وتركيبته تتحلى طرق الاتصال والتواصل بالمنحني البؤري الملتم إلى مركزه الضيق ما يصف لك حجم تفرد ‘ التقليد الشفهي الحواري’ في منظومة التخاطب دون غيرها من وسائل الاتصال المختلفة الأخرى.
و تتشكل منظومة ‘ التقليد الشفهي الحواري ‘ في أوساط عدة بأسلوبه الخطابي و الحواري حتى التراث الأدبي الذي يحوز بمخزون و مكانة مهمة في المجتمع الصومالي، لكن من الجدير بالذكر كيفية تشكل الرأي العام المحلي مع انحسار المساحات الثقافية و المنابر الفكرية داخل مجتمع يولي الأولوية الكبرى لبدائية ‘ التقليد الشفهي الحواري ‘ و الذي تغلب عليه حياة البداوة من التنقل و الترحال، فأوجد المجتمع الصومالي لنفسه تقليدا وعادة يستطيع أن يصوغ من خلالها و بكيفية تكاد تكون عشوائية و بفلسفة حوارية بالهيئة السفسطائية من طر ق للنقاش و الحوار.
الأحاديث التي تدور بين عدة أفراد في جلسة عفوية ولها مسمى متعارف عليها في الساحة الصومالية و تدعى (FADHIKUDIRIR) أي تعني “عراك الجلساء” ما يمكن مرتادي تلك الجلسات من طرح و إبداء وأخذ وتعاطي ما يجول في خلجاتهم و خواطرهم لاسيما أحوال الحياة السياسية و إرهاصاتها، و قد تكون لهذه الجلسات تأثيرا ت ما بؤدي إلى صناعة التوجهات و آراء المجتمع تلك المنبثقة من ساحة عراك الجلساء المتواجدة كظاهرة سوسيولوجية نمطية تكاد أن تكون فريدة ومحيرة في آن واحد.
والسبب في ذلك أن عراك الجلساء يبتدأ كجلسة طبيعية جماعية ولكن سرعان ما يتجه النقاش الناشئ نحو الحدة ويأخذ في التصاعد إلى عراك لفظي وخشونة في احتدام الحديث، وهذه الصفة الغالبة له والعكس من ذلك تماما في حينه الآخر الذي يعكس وجها حضاريا من حيث الحوارات والسلوك المتبع فيه!
عراك الجلساء يخبو أو يظهر بوتيرة عالية من دون أن يعطي أهمية من الوقع الحدث ولا تتسيده طبقة مجتمعية بعينها، برأيي الشخصي هو نسك مجتمعي سيسيولوجي عاطفي مكن من ظهوره تلك الحاجة الملحة أو الضرورية، بالطبع للمجتمع الصومالي أنماط سيسيولوجية أكثر جدية وذات مناسبات رفيعة الشأن منها التقليدي وغيرها.
لحقل المناظرة وأطرها التنظيرية امتداد ثقافي واسع. فالمناظرة تقوم بسردية حوار نقاشي ينشأ في وسط عام مثل قيامه في المحافل الأكاديمية وداخل المؤسسات الحكومية وغير ذلك بالإضافة إلى النوادي الثقافية وكذلك ما يعرف بالصالونات الفكرية وغيرها من الصالونات العامة، ما يرتجى من المناظرة بحسب المعدين لها الوصول إلى قيمة حوارية مضافة إلى الحوار الناشئ بين الأطراف القائمة عليه، بذلك فمسعي عراك الجلساء يبدي مفهوما مشابها بتلك من ثقافة المناظرة الحضارية اللبقة.
في محاولة إلى تصنيف أو تأصيل- إنجاز التعبير- عراك الجلساء، يمكن أن يلتحق بما قام به عالم الاجتماع راي أولدنبيرج من تصنيفات، فقد ذهب وقام بتسميته بــ “THE THIRD PLACE” النطاق الثالث، ويعرفه بأنه هناك نطاقات/أماكن حيث يقضي معظم البشر أو قاتهم بين نطاق المنزل المصنف بالنطاق الأول ونطاق العمل المصنف بالنطاق الثاني، من بين تلك النطاقات تتم عملية تبادل وطرح الأفكار بجانب بناء العلاقات وقضاء أوقاتهم، وبذلك يتسق عراك الجلساء من بين تلك التصنيفات إذا أمكن تصور ذلك!