توطئة:
يشكل فنّ الصرف أساسا ً من الأسس المهمة في اللغة العربية قديماً وحديثاً، بل إنّ كل من اشتغل باللغة العربية – من نحوي أو لغوي آخر- يحتاج إليه، ولا يستغني عنه، لذلك فإنّ علم الصرف له أهميته ليست في اللغة العربية وأدابها فحسب، وإنّما في فهم النصوص الصحيحة المقدسة من الكتاب والسنة، لاسيما في فهم عموم الشريعة الإسلامية وأحكامها ومعاني ألفاظها، وغير ذلك.
وعموم الحديث عن هذه المادة اللغوية يأخذنا إلى أربعة أبعاد أو مستويات مختلفة، كحديث عن المستوى الصوتي، والمستوى الصرفي – أي بنية الكلمة، والمستوى التركيبي النحوي، والمستوى الدلالي وهو المعنى بالمعنى، وإذا كان النحو يبحث في أواخر الكلمة فإن علم الصرف يبحث في بناء الكلمة، وأحوال هذه الأبنية التي لا تخصّ الإعراب ولا البناء، من حيث كون الحروف صحيحة أو معتلة، وأصلية أو زائدة، أو حصل فيها إبدال في الحروف، وما شابه ذلك، ولذلك فإنّ علم الصرف يدرس التغيير الذي يظهر على صيغة الكلمة وبنيتها، كالزيادة، أو النقصان، أو الإبدال والقلب، وغير ذلك.
لا يخفى على أحد العلاقة بين علم الصرف والمعاجم اللغوية التي تبحث عن استعمال الكلمة العربية الفصيحة ومفردها ومثناها وجمعها، وفعلها ومصدرها والمشتقات منها، كما لا يخفى على أحد تلك العلاقة بين علمي الصرف والنحو، بحيث أنّهما جزآن مهمان في اللغة العربية ولا ينفصلان، وأنّ كليهما يكمل بعضه بعضا.
ويرى بعض الباحثين أنّ دراسة الصرف تُعد مقدمة ضرورية لدراسة النحو ، وأنّ كليهما يكمل بعضه بعضا أو مهم للآخر، علماً أنّ الصرف في اللغة العربية صرف جبري، بدقة القياس، والاعتماد على الجذور، ومرونة الاشتقاق، ولذا كان إخضاعه للضبط الحاسوبي أمراً ممكناً.([1])
ومن هنا أردنا أن نستعرض وعبر شبكة القرن حصرياً “إسهامات أهل الصومال في علم الصرف “من خلال الحديث عن المجهودات اللغوية الصرفية التي قدمتها المدرسة التقليدية المعروفة، وكذا المدرسة النظامية الأكاديمية دون أن نقيد فترة من الفترات، أو منطقة معينة من بلاد الصومال الكبير المترامية الأطراف التي يقطنها أهل الصومال في القرن الإفريقي، وذلك بهدف التعرف على مدى إسهامات هؤلاء. علماً أنّ دراستنا تقتصر فقط على المجهودات التأليفية، مع علمنا أهمية الجوانب العلمية الأخرى من التعليم والتدريس عبر الحلقات العلمية التي كانت تقعد في المساجد والزوايا وغير ذلك.
ومن خلال هذا البحث نحاول إبراز تلك الجهود الجبارة التي قدمها العلماء والباحثون في بلاد الصومال في حقل اللغة العربية ولا سيما في علم الصرف، وكذا بعض نماذج من البحوث والدراسات الأكاديمية التي تناولت علم الصرف بأي وجه من الوجود العلمية المكتوبة.
ولا شك أنّ العودة إلى الأصالة وتراث الأولين والإطلاع عليه أولاً ثم البحث فيه إنّما يعني في الحقيقة ترسيخا للتواصل بين الماضي والحاضر، واستفادة من تجارب أهل الفنّ والإبداع، وكيف لا، ومن يستطيع القفز على ذلكم الكنز الثمين الذي خلفه الأوئل بدون أن يستنير بتجاربهم الثرية، كما أنّه يصعب أيضاً بناء جسور المعرفة المتينة وانتاج العلم الرصين وتحقيق التقدم الحضاري من دون الاهتمام بالمصادر والاستلهام من منابع المبدعين.
وإذا كان هناك باحثون وأكاديميون تخصصوا في فنون اللغة العربية في المؤسسات التعليمية النظامية على مر العصور القديمة والمتأخرة في الداخل والخارج فإنّ ذلك لم تأت من فراغ، بل من خلال ما بناءه الأوائل وما بذلوه من جهود مضنية في المجالات العلمية المختلفة، ها نحن نرى اليوم في الساحة التعليمية تطورا هائلا، ليس في مجال اللغة العربية ودروبها فحسب، وإنّما في أكثر من حقل من حقول العلم والمعرفة نتيجة تلك الجهود المذكورة من المدرسة التقليدية ليكتمل الجسر المعرفي في المدراس والمعاهد والمؤسسات التعليمية النظامية الأخرى على طول البلاد وعرضها، وفي الأرياف والمدن رغم الظروف الصعبة وحالة عدم الاستقرار التي مرت بها الصومال في العقود الثلاثة الأخيرة.
………………………….
الهامش
[1] – انظر د. مسفر بن محماس الكبيري الدوسري: حوسبة الصرف: التصغير أ نموذجاً، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، ص 194.