في 15 من شهر أكتوبر/تشرين الأول المنصرم فاز المنتخب الوطني الصومالي لكرة القدم تحت سن 17 بكأس أمم شرق ووسط إفريقيا المعروف اختصارا باسم “سيكافا”.
وتعتبر “سيكافا” التابعة لاتحاد كرة القدم الإفريقي (كاف) أقدم منظمة شبه إقليمية في القارة السمراء؛ حيث تأسست بشكل غير رسمي في عام 1927 باسم “كأس غوساج” – نسبة إلى شركة غوساج الكبرى لصناعة الصابون، المملوكة لشركة ليفر براذرز البريطانية – حتى منتصف الستينيات، عندما أعيدت تسميتها بـ “كأس تحدي شرق إفريقيا”، وتجدر الإشارة إلى أن هذه البطولة أقيمت تحت اسمها الحالي “سيكافا” لأول مرة عام 2007 في العاصمة البوروندية بوجمبورا.
وتقام هذه البطولة عادة في إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد مرة في كل عامين.
ويأتي تتويج الصومال بهذا الانتصار الرياضي التاريخي وسط تحولات سياسية واجتماعية شهدتها البلاد منذ إعادة انتخاب الدكتور حسن شيخ محمود رئيسا لجمهورية الصومال الفيدرالية، والذي يعطي الأولوية دعم الجبل الناشئ في مختلف الميادين، بما في ذلك الرياضة.
وقد ألهم هذا التوجه السياسي الجديد حماسة المنتخب ومثابرته خلال هذه البطولة، وكان ذلك واضحا من خلال التنسيق الجيد بين لاعبيه، وهذا بدوره أثار حماسة الجماهير الرياضية، خاصة مشجعي المنتخب الوطني للناشئين.
وفي مشهدٍ غير مسبوق وبمظاهر غير تقليدية، أصبح فوز المنتخب الوطني انتصاراً وطنياً لدى الشعب الصومالي في الداخل والخارج؛ حيث سيبقى هذا الفوز عالقا في وجدان المجتمع الصومالي إلى الأبد، ويُعزى هذا – بعد توفيق الله تعالى – إلى توجيهات رئيس الصومال وحرصه الدائم على تفعيل قدرات الشباب، وخاصة المنتخب الوطني للناشئين، والذي فاز بهذه البطولة، وأعاد للبلاد المجد والعزة في المحافل الإقليمية.
وفي هذا العام أقيمت مباريات كأس “سيكافا” لكرة القدم تحت سن 17 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وكان مجموع المنتخبات المشاركة في البطولة 6 منتخبات اعتمدها اتحاد سيكافا ، وقسمها إلى مجموعتين؛ حيث ضمت المجموعة الأولى كلا من إثيوبيا، والصومال، وتنزانيا، بينما ضمت المجموعة الثانية كلاً من أوغندا “حامل اللقب”، ، وبورندي وجنوب السودان.
والجدير بالذكر أن اللجنة المنظمة لبطولات الشباب بالاتحاد الإفريقي لكرة القدم “كاف”، قد قررت إبعاد منتخبي السودان وجيبوتي من المشاركة في المنافسة لعدم نجاح بعض اللاعبين من منتخبيهما في اجتياز الاختبار الإلزامي للرنين المغناطيسي (الخاص بتحديد العمر الحقيقي للاعبين).
وقد بدأ الفريق الصومالي مباريات الجولة الأولى بمباراة خاضها ضد إثيوبيا، وفاز فيها بهدف واحد، بينما خسر بهدفين مقابل هدف واحد ضد نظيره التنزاني.
ويُذكر في هذا الصدد فإن مدرب المنتخب الوطني السيد نور محمد أمين، استفاد من الأخطاء التي وقع فيها في المباراة السابقة، وقرر عدم التهاون وتكرار الأخطاء، إلى جانب اتخاذ مجموعة من الخطوات الضرورية، والتي كان من بينها إجراء تغييرات على خطة وأسلوب اللعب للمنتخب الوطني لتسهيل المهمة التي تؤهله للوصول إلى المباراة النهائية، مما مهد الطريق لفوزه على نظيره الجنوب السوداني بثلاثة أهداف مقابل هدف في المباراة النهائية في 15 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم. وهو فوز أهَّل المنتخب الوطني لجمهورية الصومالية الفيدرالية للمشاركة في دوري الأمم الإفريقية في العام المقبل 2023، والذي سيقام في الجزائر.
لم يكن فوزالمنتخب الوطني للناشئين بكأس “سيكافا”، محض صدفة، حيث كانت البصمة الفنية الرائعة للمدرب ومساعديه ظاهرة للجميع في المواجهات التي خاضها الفريق الصومالي في بطولة “سيكافا” للناشئين المؤهلة لنهائيات كأس إفريقيا بالجزائر.
وكانت ردود الأفعال في الصومال كبيرة؛ إذ عمت الفرحة ونشوة الفوز في جميع أنحاء البلاد كما كان متوقعا، وكان رئيس الجمهورية، الدكتور حسن شيخ محمود من بين الأوائل الذين أشادوا بالفريق، واصفا فوز الفريق بالتاريخي وأنه “علامة فارقة”.
وبحسب كبار المحللين الرياضيين يرجع انتصار المنتخب الوطني للناشئين في هذه البطولة لعدة عوامل نذكر أهم أربعة منها:
أولا: شخصية مدرب الفريق
ساهم مدرب الفريق، السيد نور محمد أمين، بشكل كبير في تحقيق الفوز الرياضي التاريخي الذي حققه المنتخب الوطني للناشئين؛ حيث شرع في حلّ المشكلة الأساسية التي كان يعاني منها المنتخب الوطني للناشئين، والتي جعلته يحتل في ذيل القائمة، مستغلا تجربته كلاعب سابق عرف عن قرب معاناة اللاعبين، وجوانب النقص، وقلة الاهتمام بالمواهب الصاعدة، كما اتخذ أيضا خطوات عملية وجادة لتعزيز حظوظ المنتخب في بلوغ نهائيات البطولة؛ وقد حرص المدرب منذ البداية حرص على تشجيع اللاعبين، واختار أفضلهم من جميع الولايات، مركزا على الكفاءات الفردية وبناء روح الفريق كأحد عوامل النجاح التي كان يعتقد أنها ستساهم في دفع المنتخب إلى الأمام.
وأكد المحللون أن المدرب السيد نور قد اتسم بمواصفات قيادية كالإنصاف والمثابرة إلى جانب المهارات الفنية المطلوبة التي جعلته قادرا على تحويل مجموعة من المواهب الفردية إلى فريق متماسك ومتميز ذي قدرات فائقة، ويتفق الجميع على أن المدرب يتمتع بخبرة كبيرة وشخصية قوية، وهذا مما سهل له النجاح في إنجاز مهمة فشل فيها الكثيرون، وبالتالي حصل على ثقة الملايين الصوماليين في الداخل والخارج.
ثانيا: انتشار الأندية والأكاديميات الرياضية
تشهد العاصمة الصومالية مقديشو نهضة عمرانية غير مسبوقة منذ سنوات الخمس الأخيرة، ومن مظاهر ذلك إنشاء عدد من المرافق الرياضية الحديثة مثل صالات مغطاة لكرة القدم ، ومراكز التدريب وأكاديميات كرة القدم للمحترفين والناشئين إلى جانب انتشار المدربين المتخصصين في المجال الرياضي، ورياضة كمال الأجسام، وغيرها.
ولا شك أن التحسن النسبي للحالة الأمنية والاستقرار السياسي التي تتمتع بها بعض الولايات الصومالية تلعب دورا محوريا في دفع النمو الاقتصادي للبلاد، ما أدى بدوره إلى انتشار الأندية والأكاديميات الرياضية وإقبال الشباب عليها، وقد نجحت هذه الأندية في الاهتمام بالتكوين الرياضي الأمثل ذهنياً وبدنياً ونفسياً، والتركيز على اكتشاف المواهب الرياضية ورعايتها، وصناعة الأبطال في المجالات الرياضية المختلفة كركيزة أساسية في تطوير المواهب والكوادر المهمَّشة في مختلف المجالات.
ثالثا: التشكيلة المثالية
نجح المدرب الوطني السيد نور محمد أمين في عمل تشكيلة مثالية للفريق الصومالي واستعادة ثقة الجماهير من جديد عبر عدة نقاط قوة تحسب له، وهذا ما جعله يتجاوز الحاجز الأول وإحراز الفوز في المباراة الأولى للفريق، والاستحواذ على الكرة وإفساد المحاولات الهجومية أمام نظيره الجنوب السوداني، بالإضافة إلى ذلك كان المدرب يُخضع اللاعبين لتدريبات بدنية متواصلة.
رابعا: حضور جماهيري كبير في المدرجات
وكانت جماهير المنتخب الوطني للناشئين قد سجلت حضوراً لافتا في جميع المواجهات التي خاضها المنتخب؛ حيث حرصت الجماهير على المجيء مبكرا لتشجيع المنتخب، ومما كان يُحمِّس الجماهير أداء الفريق الجيد وهدوئه وتركيزه وبعده عن التوتر والضغوط والهواجس؛ وبالتالي كان الحافز المعنوي الذي تلقاه المنتخب من الجماهير من عوامل فوزه التاريخي، ويُعتقد أن الصورة الجميلة التي قدمها الجمهور قد ساهمت أيضا في حصول النجم الصاعد عبد الحفيظ عبدي على جائزة أفضل لاعب بالبطولة، كما حاز اللاعب سعيد عبدي على لقب أفضل حارس مرمى بطولة ”سيكافا” تحت سنة 17 لعام 2022م.
وأخيرا، تجدر الإشارة إلى أن فوز الصومال بهذه البطولة قد أكد أن هناك مواهب كروية شابة تفتقر إلى الاستيعاب والحماية وحسن الاستغلال من خلال توفير بيئة آمنة وداعمة للرياضيين بعض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والقبلية، وقال المعلق الرياضي حسن عبد الوهاب في تصريح له بهذا الخصوص إن “غياب المواهب الكروية في الصومال يُعزى إلى قلة المدربين القادرين على اكتشاف تلك المواهب، مشيراً إلى أن الصومال تزخر باللاعبين الموهوبين إلا أن هناك حاجة ماسة إلى قدرة اكتشاف المواهب الكروية وتوفير الرعاية اللازمة مثل التي يحظى بها اللاعبون في البلدان المجاورة على أقل تقدير.
اللاعب عبد الحفيظ عبد هو لاعب خرافي موهبة راقية سيسيطر على العالم