يرأس الدكتور محمد نور غَعَلْ منذ عامين ونيف المجلس التشريعي لولاية غالمودوغ التي تعد من الولايات الفيدرالية الهامة في الصومال نظرا لمركزيتها وموقها الجغرافي الفريد؛ حيث تقع في وسط الصومال ، وتربط ما بين الجنوب والولايات الشمالية الشرقية “بونت لاند” إضافة إلى مساحاتها الشاسعة التي تلتقي بها مع المحيط الهندي .
في الخامس من شهر أكتوبر الماضي سنحت لنا الفرصة للالتقاء بهذا المسؤول الكبير في مقر إقامته المؤقتة بفندق الجزيرة في مقديشو؛ وذلك لنجري معه حوارا صحفيا شاملا حول قضايا متعددة، بدءا من أزمة الجفاف في المنطقة، والأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، ومرورا بطبيعة الصراعات المتجددة في الولاية، ووصولا بما أنجز مجلسه من تشريعات جديدة خلال هذه الدورة.
القرن الإخبارية : نرحب بحضراتكم أولا في شبكة القرن الإخبارية، ونشكركم على تكرمكم بقبول إجراء حوار خاص معكم، وفي البداية.. هل لك أن تعطينا نبذة يسيرة عن سيرتك الذاتية ؟
د. محمد نور غَعَلْ : اسمي محمد نور غَعَلْ، ولدت في منطقة “عيل طير” بإقليم غلغدود الصومالي، في عام 1966م . وأما التعليم فقد درست في كل من الصومال والسودان، حصلت على الثانوية العامة في مقديشو عام 1987م. ثم التحقت بعدها دبلوما وسيطا فى الإدارة العامة بمعهد تعريب الإدارة الذي كان تابعا لجامعة الدول العربية في مقديشو وتخرجت منه عام 1989م. انتقلت بعدها إلى السودان لدراسة المرحلة الجامعية ؛ حيث انضممت إلى جامعة أمدرمان الإسلامية والتي تخرجت فيها عام 1995م، وحصلت على بكالوريوس في الشريعة والقانون . وفي عام 2001م نلت درجة الماجستر في دراسات الكوارث واللاجئين بجامعة إفريقيا العالمية ، كما تحصلت على درجة الدكتوراه من جامعة أمدرمان الإسلامية في عام 2008م في مجال الشريعة والقانون.
وبالنسبة لخبراتي العملية فتتعدد بتعدد المجالات التي عملت فيها، ولكن الأهم منها : أني قد عملت كوزير دولة للشئون الخارجية والتعاون الدولي لجمهورية الصومال من عام 2012 –2014م. كما عملت كبير المستشارين لرئيس الوزراء الصومالي في ا لشئون السياسية من عام 2015 –2017م، وعضوا فاعلا في لجنة المصالحة لولاية غالمودوغ في الصومال عام 2019م. ومن الوظائف التي عملت فيها أيضا نائب مدير مكتب تنسيق العمل الإنساني في الصومال لمنظمة التعاون الإسلامي من عام 2012-2011م . وتمتد خبراتي العملية الى العمل المدني والأكاديمي إذ كنت في فترة من الفترات عميدا لكلية الشريعة والقانون في جامعة بنادر ، ومدير مركز خدمة المجتمع والتعليم المستمر بجامعة مقديشو.
القرن الإخبارية : دعنا نسألك عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية في ولاية غالمودوغ ؟
د. محمد نور غَعَلْ : الأوضاع السياسية في ولاية غالمودوغ هادئة ، ومنذ أن تم انتخاب الحكومة الحالية قبل عامين ونصف تقريبا تشهد المناطق المختلفة للولاية استقرارا نسبيا ، رغم التحديات التي نواجهها في محاربة حركة الشباب المتطرفة والصراعات المسلحة بين القبائل ، وكذا مشكلة الجفاف المتكررة والتي تحدث جراء غياب الأمطار لمواسم متتالية . الجدير بالإشارة إليه هنا أن الحكومة الحالية قد بذلت جهودا كثيرة في معالجة عدد من الملفات المرتبطة بمعضلات استعصى حلها منذ قيام ولاية غالمودوغ كحكومة ولائية قبل سبع سنوات تقريبا . وأهم هذه الملفات ملف المصالحة بين القبائل والمكونات المختلفة للمجتمع ، وطي صفحة الخلافات وفتح صفحة جديدة أساسها التعايش السلمي بين الفئات المختلفة للمجتمع ، وخلق تعاون مشترك يهدف إلى بناء ولاية غالمودوغ ، وبالفعل حققت الحكومة الحالية تقدما كبيرا في مجال بناء السلام وتعزيز المصالحة المحلية ، كما ساهمت في مجال توحيد فرقاء السياسة في الصومال، خاصة في فترة الانتخابات الفيدرالية الرئاسية التي شهدت اضطرابات فظيعة في كيفية إدارتها والاستقطابات التي صاحبت محاولات التمديد للرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو . وهنا أريد أن أضيف أن معظم التسويات التي أجريت للمقاربة بين الحكومة الإتحادية والحكومات الولائية حول إجراء الانتخابات وآلياتها أقيمت في مدينة ” طوسو مريب ” حاضرة ولاية غالمودوغ ، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى مركزيه هذه الولاية بمبادراتها البناءة في مجال صنع السلام في البلاد.
القرن الإخبارية : ما هو تقييمك للانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز بها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود منتصف مايو الماضي؟
د. محمد نور غَعَلْ : شهدت الصومال في الاستحقاق الانتخابي الأخير منذ منتصف عام 2021م خلافات حادة حول إجراء الانتخابات ، وتركّز معظم الخلاف في الكيفية التي ستقام بها الانتخابات والإطار الزمني . وهنالك عوامل كثيرة متداخلة قد أثرت على المسار الانتخابي في الصومال، ومنها بطبيعة الحال جائحة كورونا والخلافات السياسية بين الشركاء من رؤساء الولايات والحكومة الاتحادية وأحزاب المعارضة حول آليات الانتخابات . كل هذه العوامل مجتمعة فد أثرت على المسار الانتخابي، وأطالت أمد الانتخابات . وفي هذا السياق أريد أن أشيد المساعي الحميدة لولاية غالمودوغ في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، خاصة في عملية الانتقال من صيغة الانتخابات المبنية على المحاصصة 4.5 إلى انتخابات شعبية مباشرة. وأما من حيث الأداء والنتائج كانت ولاية غالمودوغ من أفضل الولايات إذ تمت العملية الانتخابية فيها بكل سلاسة، وفي جو يسوده الأمن والتفاهم والسلام وفق الجداول الزمنية المقررة للانتخابات . وبهذا التميز نالت إشادة من الأخرين؛ حيث استطاعت أن تخرج خليطا من النواب المحافظين والمعارضين ، تمثل في جوه سياسية بارزة معروفة وأخرى جديدة معروفة بالريادة والحيوية في قيادة المجتمع . ولم تتدخل حكومة غالمودوغ كما فعلت بعض مثيلاتها من الولايات الأخرى في توجيه الناخب نحو مرشح معين أو تيار معين ، الأمر الذي عزز على حياديتها إزاء القضايا المركزية الحساسة . وعموما أستطيع القول بأن النتائج كانت جيدة ، وأسفرت عن قيادة جديدة نتمني لها التوفيق في قيادتها للوطن في ظل هذه المرحلة الفاصلة والدقيقة في حربنا مع الحركات المتطرفة، والنهوض بالبلاد لتحقيق السلام والتنمية .
الأمن : يُعتبر الملف الأمني من الملفات المهمة في ولاية غالمودوغ ، وهنالك مهددات كثيرة للدولة كيانا ومجتمعا تأتي في مقدمتها الحركات المتطرفة ، وخصوصا حركة الشباب المرتبطة بالقاعدة التي تتحكم على مدن وجيوب في الأرياف والقرى النائية ، وتفرض على المواطنيين أتاوات باهظة . وهنالك مشكلة تيار أهل السنة والجماعة والصراعات التي كاتت تحدث بينهم وبين حكومة الولاية بين الفينة والأخرى . ويمكن أن يضاف إلى تحديات المشكلة الأمنية الصراعات القبلية المزمنة ، فمنطقة ” غالمودوغ ” منطقة مشهورة بالتوترات العشائرية والصدامات التي تتطور أحيانا إلى مواجهات مسلحة ؛ لهذا دأبت الحكومة الحالية طرح مبادرات تلو المبادرات لرأب الصدع واحتواء الخلافات وتعزيز فرص السلام داخل القبائل والمكونات المختلفة للمجتمع .
الحالة الإقتصادية : أما بالنسبة للحالة الاقتصادية تتمتع ولاية غالمودوغ بعدد من الثروات ” الحيوانية والمعدنية والسمكية ” وهنالك ثروة بترولية واعدة إذا تم تنقيبها في المستقبل القريب . لاشك ان المنظومة الاقتصادية للولاية هشة كما هو الحال في مثيلاتها من الولايات الأخرى ، ولكن في تقديري إذا تم إصلاح هذه المؤسسات وتنظيم الموارد المتعددة للولاية ، فإن ذلك من شأنه النهوض بالاقتصاد العام .
القرن الإخبارية : هل لك أن تحدثنا قليلا عن مستقبل الولاية في ظل هذا الكم الهائل من التحديات التي تواجه الصومال سواء على مستوى المركز والولايات ؟
د. محمد نور غَعَلْ : لا شك أن الصومال تواجه تحديات جمة ، ويتمثّل البعد الأمني البعد الأخطر على الإطلاق ، ولذلك فإن أولويتنا كولابة تتمثّل في محاربة الإرهاب فكريا وعسكريا ، وذلك بالتنسيق مع الحكومة الاتحادية التي وضعت هزيمة الشباب في أولوية أجندتها في قيادة البلاد. إن مستقبل الولاية مستقبل رائع ، وهناك جهود جبارة تبذلها الحكومة في سبيل تعزيز أداء وفاعلية المؤسسات العامة للدولة . ومنذ قيام دولة غالمودوغ حتى الآن شهدت المؤسسات المختلفة للحكومة تطورات ملحوظة ، والكفاءات التي توجد حاليا في هياكل الدولة لمؤشر إيجابي على التقدم الحاصل في شتى الميادين .
القرن الإخبارية : تواجه الصومال حالة جفاف شديدة التأثير بعد غياب الأمطار لأربعة مواسم متتالية، فماهي حالة الجفاف في الولاية ؟
د. محمد نور غَعَلْ : صحيح، تواجه الصومال عموما موجة جفاف أثرت على كل بقعة في البلاد ، وتعتبر ولاية غالمودوغ الحلقة الأضعف في مواجهة تحدي الجفاف وأثاره لقلة الموارد فيها من ناحية، وندرة سقوط الأمطار فيها من ناحية ثانية، وبعدها عن منابع المياه، وضآلة الجانب الزراعي من ناحية ثالثة ، ولكنها في تقديري تستطيع أن تتخطى الصعاب بفضل التكاتف المعهود بين أبنائها سواء في الداخل أ و الخارج . فالجفاف ليس حدثا بيئيا فحسب وإنما هو نتيجة للصراعات المتكررة؛ حيث حدثت في الولاية عدد من الحروب العشائرية وحروب جادة ضد حركة الشباب المرتبطة بالقاعدة التي أثقلت على كا هل المواطن البسيط بالجبايات. ولكن ما عُرف بأهل غالمودوغ من التضامن والتكافل يجعلهم قادرين على تجاوز أزمة الجفاف عبر ما يمكن أن أسميه بالتضامن الاجتماعي . وفي سياق حديثنا عن الجفاف لا يمكن التغافل عن العامل البيئي ، فُقدت الأمطار لمواسم متتالية ، وهذه السنة الأخيرة لم تسقط الأمطار كذلك، الأمر الذي أثّر على حياة الناس ومواشيهم ومصادر قوتهم ، وأدي إلى نزوح داخلي فظيع لم يسيق له مثيل . وإذا غابت الأمطار مرة أخرى فربما تشكل عبئا إضافيا على حياة المواطنين البؤساء، لذلك تبذل الحكومة قصاري جهودها لإيحاد استجابة سريعة للجفاف عبر إرسال نداءات للمنظمات الإنسانية والحكومة الاتحادية وإلى الجاليات الصومالية في المهجر، وخصوصا الجالية المنتسبة لولاية غالمودوغ في الشتات .
الجدير بالذكر هنا أن المنطقة باتت تعاني تارة من مشكلات الفيضانات وتارة أخرى من الجفاف ، لذلك هي بحاجة إلى خطة قومية ودراسة شاملة عبر استخدام خبراء في سبل مواجهة الفيضانات والجفاف، ويتشارك في تنفيذها كل من الحكومة الاتحادية والولائية وبالتعاون مع المؤسسات الدولية في مكافحة التصحر، و منع إزلة قطع الأشجار ، ومراعاة سلامة البيئة ، والعمل كذلك على مشاريع سدود لتخزين المياه تفاديا لتكرار المشكلة ، مما يمكننا التحكم في مسارات المياه ، والتوجه نحو مشاريع زراعية حديثة تعتمد على وسائل جديدة وتكنولوجيا حديثة .
هنالك أليات كثيرة نستخدمها حاليا لمواجهة الجفاف ومنها ألية بسط السلام ونشر ثقافة التعايش السلمي ورفع أساليب التعاون بين الفئات المختلفة للمجتمع في الأوقات الحرجة مثل أزمة الجفاف التي نحن فيها الآن ، والاعتماد على القدرات الذاتية والمحلية في مواجهة أثار الجفاف . كما سخرنا كل القدرات والإمكانات لدي الدولة في تقديم المساعدات الضرورية للمتضررين . ووجهت أعضاء البرلمان في الفترة الماضية بعد أن منحناهم إجازة نحو المساهمة في مساعدة الشعب وقيادة عمليات الاستجابة السريعة . وأتمنى أن تثمر كل هذه الجهود ويخرج شعبنا من هذه المحنة لنتمكن من التخطيط لبناء مستقبل زاهر. و بخصوص الجفاف أود أن أوجّه ندائي إلى الجاليات الصومالية في المهجر عموما وخصوصا جالية غالمودوغ أن يساعدوا إخوانهم في الداخل، كما أوجه ندائي إلى الحكومة الاتحادية والمنظمات الإقليمية والدولية ، لاسيما العربية والإسلامية المساهمة في إنقاذ الملايين ممن تضرروا بكارثة الجفاف ، والتعاون من أجل العمل على تخفيف العبء عن كاهل المواطنين .
القرن الإخبارية : ما هي إنجازات المجلس أثناء رئاستك؟
د. محمد نور غَعَلْ : استطاع المجلس منذ إعادة انتخابه في 2020م ، أن يصدر عدد من التشريعات بلغت في مجملها ” 16″ بندا كلها متصلة يقضايا حيوية مثل بناء المقاطعات وترتيب المؤسسات الأمنية والعسكرية وتنظيم الهيئات المحلية والدولية وتوفيقها للقانون المحلي . كما قام بإجازة ميزانيات ” 4 سنوات ” علما أن الميزانية الأخيرة قد ازدادت بنسبة 15% . ووافق المجلس على مقاطعات جديدة تم إنشاؤها حديثا من قبل الحكومة المحلية الولاية ، كما استطاع في أن ينظم انتخاب الأعضاء الممثلة للولاية في مجلس الشيوخ الفيدرالي.
ومن الخطوات الهامة التي قام بها المجلس أثناء هذه الدورة تعديل الدستور في مدة الحكم؛ حيث جعلها خمس سنوات بدلا من أربع سنوات . لقد قام المجلس كذلك في الآونه الأخيرة بإجازة قانون الأحزاب و الانتقال من نظام المحاصصة العشائرية إلى نظام الاقتراع المباشر وذلك في سبتمبر عام 2022م . كما تم بسط الإدارات عبر تمكين البلديات و الإدارات المحلية فيما بات يطلق ببناء المجالس المحلية والبلديات، وتتولى إدارة ذلك الملف الوزارة الداخلية في حكومة الولاية.
القرن الإخبارية : دعنا نختم حوارنا معك بسؤال : ما هي علاقتكم بحكومات الولايات الأخرى والحكومة الفيدرالية الجديدة؟
د. محمد نور غَعَلْ : بالنسبة للعلاقات تتمع الولاية بعلاقات جيدة مع الحكومات الأخري في الولايات ، وتربطنا علاقات جيران وصداقة مع حكومة بونت لاند ، وكثيرا ما نتعاون معهم في القضايا المشتركة التي تهم الطرفين . وعلاقتنا مع ولاية جنوب غرب الصومال جيدة ، فقد تعاونا كثيرا مع مجلسهم التشريعي ولا زلنا نتعاون معهم في عدد من الملفات المشتركة ، كذلك الحال في ولايتي هيرشبيلي وجوبالاند . أماعلاقتنا مع الحكومة الاتحادية الجديدة فيمكن أن نوصفها بالعلاقات المتميزة، والرئيس الحالي ينحدر من الولاية ، وقد تأسست دولة غالمودوغ الولائية أثناء حكمه في الفترة السابقة وتحت إشرافه، وتعتبر الولاية دائرته الانتخابية، لهذا نرجو منه أن يهتم بشأن الولاية، ويساعدها في المساعي المبذولة في التحرر من تسلّط حركة الشباب والتيارات المتشددة ، وبما أننا في صدد إجراء انتخابات مباشرة فنحن بحاجة إلى بسط نفوذ الدولة في كامل الولاية ، الأمر الذي سيساعد في تعميم خدمات الدولة في كافة أرجاء الولاية وبسط هيبة الدولة في أرجاء الصومال كافة .
أجرى الحوار: عبدالله الفاتح،
إعداد: آدم شيخ حسين
حوار رائع وممتع ، نرجو لشبكة القرن الإخبارية مزيدا من التقدم والنجاح، وننتظر منكم المزيد