على عكس اعتقاد معظم الناس فإن التعصب القبلي ليس مقتصرا على العرب والصوماليين فقط، فهناك أمم أخرى تمارس التعصب القبلي من الأفارقة وغيرهم، كما أن هناك تعصب عرقي وقومي لدى أمم أخرى مثل الأوروبيين والآسيويين، وخلق الله تعالى الناسَ من ذكر وأنثى وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا لا ليتعصَّبوا ويقتتلوا.
إذا؛ لنتساءل نحن كمسلمين، أليس من يكره شخصا ما بسبب كونه من قبيلة معينة أو من عرق معين قد أعلن الحرب على الله؟ هل الشخص هو المسؤول عن اختيار القبيلة أو المجموعة العرقية التي سينتمي إليها أم أن ذلك أمر خارج عن إرادته واختياره؟ بالطبع لا، لذلك فالشخص الذي يحارب الناس من أجل انتماءاتهم القبلية أو العرقية هو شخص يحارب الله؛ لأن الناس ليسوا هم من جعلوا أنفسهم من القبيلة المستهدفة كما أن من يستهدفهم ويكرههم ويتعصب ضدهم لم يأت كونه من القبيلة التي يتعصب لها ويعادي من أجلها باختياره هو. وصدق الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قال ” دعوها فإنها منتنة “.
فالصوماليون وصل بهم التعصب القبلي إلى أسفل مستوياته؛ حيث وصل إلى حد قتل أبناء العمومة بعضهم بعضا بعد انقسام بعض القبائل إلى مجموعات صغيرة متعارضة ومحتكمة إلى السلاح في حل خلافاتها مهما كانت بسيطة.
وأسوأ ما بين القبائل الصومالية هو أنهم عندما يتعرض شخص ما من قبيلة معينة للقتل لا يكون الرد في الغالب بقتل قاتله بل بقتل شخص آخر بريء بدعوى أنه مساو له في المقدار والمكانة الاجتماعية؛ مما يؤدي إلى إيغار صدور أبناء القبيلة الأخرى، والتي هي الأخرى ترد بالمثل، وبالتالي خروج الأمر عن نطاق السيطرة وجر القبيلتين إلى حرب استنزاف لا غالب فيها ولا مغلوب ، ثم تتوقف تلقائيا بعد إراقة أكبر قدر من الدماء ونشر الدمار والدموع ، وقد تتكرر الحروب بين القبيلتين لعدة عقود، وتخلف الخراب والمآسي، وتعمق العداوة، وربما تنقلها لجيل بعد جيل.
يكاد أن يكون الولاء القبلي لبعض الصوماليين أحيانا مقدما على الولاء للدين والوطن، فعلى سبيل المثال كنت استمع لأحد أمراء الحرب قبل حوالي عشرين سنة متحدثا للبي بي سي الصومالية عن حرب جرت بين فخذين من نفس القبيلة، فقال معلقا على صلة القرابة بين الفخذين هم إخوة في النسب قبل الحديث عن أخوة الإسلام..!
والقتل هو أقصى تعبير عن التعصب والكراهية القبلية لدى بعض الصوماليين في أوقات الحروب ؛ فبمجرد أن يكون الشخص من القبيلة المعادية فهو محكوم بالقتل على يد المليشيات القبلية هذه أو تلك.
فهناك موقف ظريف حصل للقارئ الشيخ عبد الرشيد شيخ علي صوفي، وروى هو نفسه الحكاية في إحدى محاضراته، وهي أنه مر بإحدى المدن الصومالية، وصادف أن التقى بمجموعة من مليشيات تحتجز رجلا وتستجوبه عن قبيلته، وهو يصر على أنه مسلم، وأن قبيلته “شهادة أن لا إله إلا الله” فتدخل الشيخ في الأمر ونبههم إلى خطورة قتل من لجأ لكلمة “لا إله إلا الله” فردوا عليه بأنه يحتمي بها، وأنه من الأفضل أن يكون ابنهم المقتول بأيديهم بدل أن يكون ابن القبيلة المعادية الناجي من القتل، وأضافوا بأن القبيلة المعادية لا تقبل كلمة “لا إله إلا الله” منهم فكيف يقبلون هم منهم؛ فقرروا قتله إلا أنهم في النهاية رقت قلوبهم لموعظة الشيخ ، وسلموا الرجل للشيخ، والذي سأل بدوره الرجل عندما انطلق به بعيدا، من أي قبيلة هو إلا أنه أصرَّ بأن “شهادة أن لا إله إلا الله” قبيلته، وعندما ذهبا إلى حي الرجل تبين بأنه من نفس قبيلة المليشيات التي أرادت قتله؛ فعلق أقرباؤه على الحادثة بأن الرجل محتار في هذه الأيام، فرد عليهم الشيخ بأن الآخرين هم المحتارون، ويا ليت كل الصوماليين كانوا مثله؛ فانهمرت دموع الشيخ.
ويُذكر أنه قلَّما ينجو شخص من القبائل الصومالية إلا من رحمه الله من المشاركة في هذه الحروب القبلية، فمن لم يشارك بحمل السلاح شارك بالمال، ومن لم يشارك بالمال شارك بقلمه أوبلسانه أو بقلبه، وذلك هو الخسران المبين، أعاذنا الله منا ومنكم..!