المحور الثاني: خصائص الإعلام الجديد وأنماطه
يتميز الإعلام الجديد بالعديد من الخصائص، وأن الدراسات التي تناولت هذا الموضوع ذكرت خصائص كثيرة له، ولكن يبدو أن في تحديد بعضها خلطاً وعدم الاتفاق لدى الإعلاميين من حيث المفهوم والتعريف، أو من حيث التقسيم والتفريع حيث نرى أن بعض الظواهر المصاحبة لوسائل الإعلام الجديد جعلوها خاصية بينما جُعِلت بعض الخصائص ظاهرةً من الظواهر، ومهما يكن الأمر فإن وسائل الإعلام الجديد التي أفرزتها التقنيات الاتصالية الراهنة، تكاد تتشابه في عدد من السمات مع الوسائل التقليدية، إلا أن هناك سمات مميزة لوسائل الإعلام الراهنة بأنماطها المتعددة وأشكالها المختلفة، هذا ونحاول ذكر وسرد أبرز هذه السمات التي تتصف بها وسائل الإعلام الجديد باختصار، بحيث أن المجال لا يسع لذكر جميع الخصائص التي أشار إليها الإعلاميون وتحدثوا عنها في دراساتهم، وهي كالآتي:
1. التفاعلية: التفاعل هو قدرة وسيلة الاتصال الجديدة على الاستجابة لحديث المستخدم تماماً كما يحدث في عملية المحادثة بين شخصين. هذه الخاصية أضافت بعداً جديداً ومهماً لأنماط وسائل الإعلام الجماهيري الحالية، والتي تتكون في العادة من منتجات ذات اتجاه واحد يتم إرسالها من مصدر مركزي مثل الصحيفة أو قناة التلفزيون أو الراديو إلى المستهلك مع إمكانية اختيار مصادر المعلومات والتسلية التي يريدها متى أرادها وبالشكل الذي يريده.
في السابق كانت قدرة المستخدمين على التفاعل تقتصر على دائرة رجع الصدى للمحتوى المنشور على المواقع الإلكترونية عبر إضافة التعليقات وتدوين الملاحظات على سجلات الزوار مثلا. ثم انتقلت بعد ذلك العلاقة إلى التحرر نسبياً مع وجود المنتديات ومجموعات الأخبار والقوائم البريدية، غير أنها لم تتح للجمهور حرية الممارسة الإعلامية المطلقة والتي لم تتوفر لهم إلا بعد ظهور المدونات وما تبعها بعد ذلك من ظهور لشبكات التواصل الاجتماعي، ومواقع الفيديو التشاركية كاليوتيوب والموسوعات الحرة مثل ويكيبيديا، وهذه المواقع تمثل عناصر الانتقال إلى مرحلة ما بعد التفاعلية.
يقول أحمد محمد يوسف في هذه الخاصية: “تعتبر التفاعلية من أهم وأبرز خاصية للإعلام الجديد حيث أن المجتمعات بحاجة إلى استخدام هذه الوسيلة المعاصرة التي قربت لهم المسافات، ووفرت لهم الوقت، وضمنت لهم السرعة الفائقة في تأدية وإيصال المعلومة إلى أبعد ما يمكن وإلى الكمية أو الأعداد الهائلة المرجوة في تواصلها، وتقديم خدمة إعلامية في مجال حياتهم المختلفة لأغراض اجتماعية وثقافية وسياسية وفكرية ودينية، لذا أن المستخدم يتلقى ويستقيل المعلومة، كما أنه يتفاعل معها بالمشاركة رداً أو تقديماً أو طرحاً لما يبدو له من فكرة ورأي، فإنه من الممكن أيضاً للمتلقي التفاعل مع كثير من تلك الوسائل في وقت واحد أو في أوقات مختلفة.([1])
2. اللاجماهيرية: الجماهيرية كانت سمة الإعلام التقليدي أو القديم، أما الإعلام الجديد فقد اتّسم باللاجماهيرية التي تعني أن الرسالة الاتصالية من الممكن أن تتوجه إلى فرد بعينه أو إلى جماعة بعينها، وليس إلى جماهير عامة كما كان وضع الإعلام سابقاً، وتعني أيضاً درجة تحكم في نظام الاتصال بحيث تصل الرسالة مباشرة من مصدر الرسالة إلى متلقيها، وأن خط السير والوصول إلى الجهة المعنية محدود ومعلوم. بهذا يمكن القول إن لها صفة الخصوصية حيث يمكن للمتلقي التعامل مع تلك الوسائل بخصوصية تامة، وفق ما يريده.([2])
3. التخزين والحفظ: هذه السمة تسهل على المتلقي تخرين وحفظ الرسائل الاتصالية واسترجاعها، كجزء من قدرات وخصائص الوسيلة بذاتها. وفي ظل وسائل الإعلام الجديد أصبح بإمكان المستخدم استرجاع الرسالة في أي وقت يريد، حيث أنها محفوظة في مكان ما على الشبكة يمكنه الدخول عليها في أي وقت، ومن أي مكان في العالم حتى أثناء تجواله. هذه الخاصية ليست متاحة بالنسبة لوسائل الإعلام القديم والتي إذا فات المتلقي جزءاً فإنه لا يمكن استرجاعه بسهولة، كما أن الفرد یمكن أن یختار ما یراه مطلوباً للتخزین بالبرید الإلكتروني، وذلك لأن النظام الرقمي بمستحدثاته یوفر أسالیب العرض والإتاحة ووسائل التخزین في أسلوب متكامل خلال وقت التعرض إلى شبكة الإنترنت ومواقعها المتعددة.
وقد يشمل هذا الحفظ والتخزين على حفظ الوثائق والمستندات التاريخية التي يمكن الاستفادة منها لصالح التغيير في مراحل قادمة، فالإعلام الحديث إعلام وثائقي يوثّق الحدث بالصوت والصورة والكتابة، وللمؤسسات الإعلامية الحديثة ارشيفات مختلفة ومتنوعة، تكون عند البعض على شكل مكتبات كبيرة.([3])
4. التنوع: تعني خاصية التنوع في عناصر العملیة الاتصالیة التي وفرت للمتلقي اختیارات أكبر لتوظیف عملیة الاتصال بما یتفق مع حاجاته وميوله ودافعه للاتصال، وهذا التنوع أدى إلى ظهور ما يسمى بنظام الوكالة الإعلامية الذكية والوكيل الإعلامي الذي يقوم بناءا على برامج خاصة بمسح كافة الوسائل الإعلامية والمواقع بحثا عن المواد الإعلامية التي يختارها المتلقي، وتقديمها في حزمة واحدة يتم عرضها في الوقت الذي يختاره، والمكان الذي يتواجد فيه، ويلبّي حاجاته المتعددة والمتجددة. وتعني هذه الخاصية أيضاً أن المستخدم أو المتلقي يجد في الإعلام الجديد جميع الوسائل المقروءة، والمسموعة، والمرئية.([4])
5. الوفرة والسرعة: تعمل كثير من وسائل الإعلام الجديد على مدار الساعة، ولذلك فهي متوفرة للمتلقي في كل وقت، وتتيح له سهولة الاتصال بالمواقع الإخبارية وفورية الإعلام فيها في كل حين وآن، حيث تتوافر الآلاف من المواقع الإعلامية التي تقدم الوظيفة الإخبارية، وتنشر الوقائع والأحداث التي تتم في بقاع كثيرة من العالم في لحظة وقوعها.([5])
وتعتير هذه الخاصية أيضاً من أهم وأبرز سمات وسائل الإعلام الجديد، لأنها تقدم في هذا المنوال خدمة إعلامية نوعية وفريدة للمواطن أو المتلقي، وأينما حلَ في ربوع العالم يجد ويحصل على الخبر لحظة وقوعه وبأسرع زمن ممكن، وفي الوقت ذاته يحاول أن يتأكد من صحة هذا الخبر ومصدره الأساسي بحيث يتصل بجهات موثوقة من حيث الأمانة والمصداقية عبر الوسائل ذاتها.
6. العالمية: أصبحت وسائل الإعلام الجديد عالمية الطبع بكل المقاييس من حيث الاستخدام والانتفاع والتواصل والاستقبال. وعليه نرى أن التطور التقني الهائل ساعد على تجاوز هذه الوسائل الحدود الجغرافية بل السياسية والثقافية، بحيث أن الصحف المحلية والإذاعات وقنوات التلفاز بسبب الطفرة التقنية الإعلامية اجتازت حدود القارات والبلدان، وبدأت الأشخاص والمجتمعات تتواصل وتتعارف وبل تخلق علاقات من غير معرفة مسبقة وبمختلف الأجناس والأفكار والأديان، حيث لم تترك هذه الوسائل الإعلامية مجالاً لم تدخل فيه، فجميع المجالات بلا استثناء ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية صارت ميداناً لهذه الوسائل الإعلامية. وهذه إشارة إلى أن وسائل الإعلام الجديد عالمية، وخاصة مع شبكة الشبكات (الإنترنت) كما قال نسرين حسون: “تلتقي فیها مئات الآلاف من الشبكات الدولیة والإقلیمیة التي تتزاید كل عام بنسبة كبیرة یصعب الآن بناء التوقعات حول أعدادها وتطویرها، ومعها یتزاید عدد مستخدمي الإنترنت في كل دولة من دول العالم بطریقة غیر مسبوقة، نتیجة توفر إمكانیات الاتصال ورخص تكلفتها. مما أدى إلى تجاوز الحدود الجغرافیة وتمیز وسقوط الحواجز الثقافیة بین أطراف عملیة الاتصال سواء الاتصال بالعالمیة أو الكونیة على المستوى الثنائي أو الجماعي الذي یحقق أهداف هذه الأطراف، أو على المستوى الجماهیري والثقافي من خلال مواقع القنوات التلفزیونیة وصحف الشبكات التي أصبحت یتعرض لها الملایین من سكان القارات الست على الرغم من اختلاف لغات البث والإذاعة”.([6]) وبهذا أصبحت بيئة الاتصال بيئة عالمية، تتخطى حواجز الزمان والمكان والرقابة.
7. الحركة والمرونة: حيث يمكن نقل الوسائل الجديدة بحيث تصاحب المتلقي والمرسل، مثل الحاسب المتنقل المزودة بطابعة، وحاسب الإنترنت، والهاتف الجوال، وتليفون السيارة، وهناك آلة تصوير المستندات وزنها عدة أوقيات، وجهاز فيديو الصغير، وجهاز فاكسميل والأجهزة الكفية، بالاستفادة من الشبكات اللاسلكية، كل هذه الوسائل التي تمّ الإشارة إليها لها قابلية التحريك من مكان إلى آخر، وأنه يمكن لمستخدمها الاستفادة منها في الاتصال أثناء حركته هذا غاية في المرونة أيضاً.([7])
8. المعلوماتية: إن وسائل الإعلام الجديد تعتبر من المصادر الأساسية والمنبع الرئيسي للمعلومات التي يبني عليها الفرد مواقفه، وتقوم عليها اتجاهات الجماعات حيال الأحداث الجارية سواء بالقبول أو الرفض، حيث تتولى وسائل الإعلام الجديد الدور الملموس في تشكيل موقف الجمهور المتلقي من القضايا المطروحة على الساحة المحلية والدولية، ولا يتوقف تغيير الاتجاه والمواقف على القضايا العامة أو الأحداث المثارة، بل يمتد إلى القيم وأنماط السلوك، فقد يحدث أن يتقبل المجتمع قيمًا كانت مرفوضة قبل أن تحملها الرسالة الإعلامية، أو يرفض قيمًا كانت سائدة ومقبولة مستبدلاً بها قيمًا جديدة.
ويبقى الإعلام الجديد ووسائله من أهم عوامل نقل المعلومات والحضارة، وإشاعة الثقافة بين الأمم، ودعم الفكر، وبث القيم الصحيحة وغير الصحيحة في العادات والسلوك، وإصحاح البيئة الإنسانية والمجتمع البشري، وتحقيق التواصل الاجتماعي والثقافي بين الأفراد والجماعات والأمم وفق تلك المعلومات المتبادلة عبر الوسائل الحديثة المختلفة للإعلام الجديد.
9. الاستمرارية وسهولة التواصل: الاستمرارية في الاتصال وتقديم المعلومات أو الأخبار من السمة السائدة والبارزة لوسائل الإعلام الجديد بحيث تقدم بثاً مباشراً وغير مباشر عبر الوسائل المختلفة، إذ لا انقطاع ولا التوقف عن تقديم المعلومات على مدى الساعة إلّا لعلّة فنية قد تطرأ عليها من حين لآخر.
هذا واعتبر الدكتور سلمان العودة أن تجربته مع الإعلام الجديد أضافت له الكثير من المعاني أبرزها الاستمرارية والتواصل اليومي والحميمي مع الناس والقدرة على معرفة الكثير من واقع المجتمع، وقال أثناء حديثه عن الإعلام الجديد: ” إنه حينما نكون وعاظاً أو خطباء أو محاضرين فإننا نحتاج الاقتراب من الناس أكثر وإلى معالجات يومية وأحاديث مباشرة معهم”.
10. اندماج الوسائط: تتكاتف وتتجمع الوسائط الإعلامية أو الأدوات المساعدة في الاتصال ونقل المعلومات من مكان إلى آخر، ومن جهة إلى أخرى لتقديم صورة واضحة متكاملة تؤدي الغرض المنشود إلى المتلقي، يتم في هذه العملية استخدام كل وسائل الاتصال، مثل النصوص، والرموز الدالة الرقمية أو الحرفية، والصوت، والصورة الثابتة، والصورة المتحركة، والخرائط، والرسوم البيانية ثنائية وثلاثية الأبعاد، أو الرسومات التوضيحية، كل ذلك جانب تكاملي لا تستغني عنه الوسائل الحديثة للإعلام الجديد لتقدم مادة إعلامية معبرة تحمل الخبر أو المعلومة مع الصوت والصورة تضع وتجعل المتلقي في موقف تفاعل مع الحدث الإعلامي وجها لوجه.
كان هذا باختصار عن خصائص الإعلام الجديد وأنماطه، ورغم أن خصائصه التي ذكرها الباحثون والإعلاميون في دراساتهم قد تكون أكثر مما أشرنا إليه في هذه الدراسة، إلا أن هناك تباين في تحديد تلك الخاصية لدى الإعلاميين، ومهما يكن من أمر فإننا حاولنا تناول أو سرد تلك الخصائص بصورة مبسطة، ودمج بعضها على بعض نطراً للعلاقة وارتباط بينها، حتى نشير إلى مضمون واحد.
والجدير بالذكر أننا لم نتطرق إلى إيجابيات وسلبيات خصائص الإعلام الجديد في الموضوع، وإنما فضّلنا بل ورأينا مناسباً أن نتناولها ونتطرق لها أثناء تناولنا لظواهر الإعلام الجديد بين الإيجابية والسلبية خوفا من أن يكون الموضوع مكرراً أو حشواً -إن صح التعبير-، طالما أن موضوع الظواهر يعطينا حيزاً كافياً لتناول تلك الجوانب الإيجابية والسلبية.
من ظواهر الإعلام الجديد ….. نواصل في الحلقة القادمة إن شاء الله.
الهوامش والإحالات:
[1] – أحمد محمد يوسف، الإعلام الجديد مفهومه ومميزاته، مجلة الوفاق، العدد 54، 2009م، ص 29.
[2] – عبد الرحمن علي أسماعيل، الإعلام الجديد المفهوم والخصائص، مجلة الوطن، العدد 121، 2011م، ص 44.
[3] – عبد الله عبد الرَحمن محمود، ثنائية الإعلام والتغيير، الشاهد، مركز الشاهد للدراسات الإعلامية، 2015م، ص 3.
[4] – سالم عبد القادر عيسى، الإعلام الجديد ..المفهوم والخصائص والأهمية، الأحداث، العدد 63، 2010م، ص 31.
[5] – محمد عباس المكي، مميزات الإعلام الجديد بين الإيجابية والسلبية، مجلة المعرفة، العدد129، 2012م، ص 52.
[6] – الإعلام الجديد المفهوم والوسائل، ص 21.
[7] – عبدالله أساي، الإعلام الجديد في عصر المعلومات، مجلة المعارف العلمية، العدد 43، 2012م ص 55.