منطقة الصومال الغربي (1)
كانت هذه المنطقة تتمتع بحركة علمية نشطة قبل احتلال الحبشي الإثيوبي، وكانت بعض المدن مثل مدينة هرر المحروسة مزدهرة وتتجه إليها الرحلات العلمية التي كانت تأتي من داخل منطقة القرن الإفريقي وخارجها، إلا أنّ المنطقة تدهورت أحوالها في جميع نواحي الحياة بسبب الحروب والمنازعات بين المسلمين ونصارى الحبشة عقب الاحتلال. وعلى الرغم من ذلك، وما حصل فيها من التباطؤ والتدهور العلمي إلا أنّ الحلقات العلمية التقليدية بما فيها علم الصرف استمرت وإن كانت أقل من ذي قبل، ولم يكن فنّ الصرف خالياً من الحلقات اللغوية التي كانت تجري في منطقة الصومال الغربي، بل إنّ العلماء كانوا يعطون اهتمامهم بعلوم الآلة من نحو ، وصرف، وبلاغة،أكثر من العلوم الأخرى كالفقه وأصوله، والقرآن وعلومه والحديث وعلومه[1]. وهذه المنطقة كانت تتميز ببعض المراكز والقرى العلمية مثل: هرر، درردوا، عِين ، قلنقول، ، عرمالي، غَودي، طغحبور، جغجغا، قلافو وغير ذلك. ومن تلك الحلقات:
– حلقة الشيخ أحمد إبراهيم المشهور بشيخ أحمد أماطن نسبة إلى عشيرته أماطن من قبيلة الأوغادين الصومالية، وكان الشيخ أحد العلماء البارزين في منطقة الأوغادين (غرب الصومال) وكان له مجالس علمية يقرأ فيها علوماً متنوعةً، بحيث كان يدرس التفسير، والحديث من كتب الرياض الصالحين وأبي جمرة والبخاري، وفي علم الفقه كان يقرأ في حلقته كتب الفقه الشافعي بدءاً بالسفينة ، ثم ابن قاسم وغيره. وقد اشتهر أيضاً فضيلة الشيخ أحمد إبراهيم حلقته في علم الصرف التي كان يقرأ فيها كتاب لامية الأفعال، وقد تخرج في حلقته جمع من رواد طلبة العلم ، ومن بينهم فضيلة الشيخ عبد الله علي جيلي – حفظه الله – أحد العلماء المشهورين في منطقة القرن الإفريقي، وخاصة جمهورية جيبوتي، وله مؤلفات عدة مثل: ( التعليقات السّنيّة على قاعدة الشيخ الإسلام ابن تيمية في الألفة ونبذ الفرقة، كتاب في فضل العلم وآدابه، كتاب الحج، مقدمة في قواعد الفقهية، أوراق في الناسخ والمنسوخ، وغير ذلك )
وعلى كل حال فقد ترك الشيخ أحمد إبراهيم المشهور بشيخ أحمد أماطن أثراً علمياً على الحياة العلمية في المنطقة، كما استفاد من مجالسه العلمية عدد من طلبة العلم الذين يصعب حصرهم.
– حلقة الشيخ الحاج محمد طعس في منطقة الفاف قرب مدينة قبردهري في غرب الصومال، أحد العلماء المرموقين في زمانه بالمنطقة، وكانت حلقته مليئة بالعلم في أكثر من فنّ بما فيها علم الصرف، وكان الشيخ محمد طعس يقوم بتدريس أغلب العلوم الدينية من تفسير وحديث وفقه واللغة كالنحو والصرف، وقد تخرج في حلقة الشيخ الحاج محمد طعس جمع غفير من أهل العلم، ومن هؤلاء الذين نهلوا من مناهل علمه الشيخ إبراهيم حاشي محمود المكاهيلي الأغاديني، صاحب المؤلفات الكثيرة والابداعات المتنوعة. والشيخ إبراهيم حاشي محمود كان يعطي اهتماما كبيرا في تقوية اللغة العربية بالإضافة إلى العلوم الأخرى، ومن هنا أخذ عن شيخه العلوم الدينية من فقه وتفسير، وحديث ونحو وصرف وغيرها من العلوم العربية التي تسمى عند أهل الصومال ” علم آلة ” فقرأ عليه الآجرومية وأبو شجاع ثم تركه ليذهب إلى منطقة في غرب شمال الصومال عام 1943م.
ومن الجدير بالإشارة إلى أنّ الشيخ إبراهيم حاشي محمود كان يحب العلم وأهله، ويواظب طلبه بقدر الإمكان، وقد أدى ذلك إلى أن فارق الدار وأهله، واختار بمنطقة بعيدة عن منطقته، فتمكن تدريس علم النحو والصرف على أيدي شيوخ برعوا في تدريس النحو والصرف على الطريقة الأزهرية القديمة ، كما درس كتاب ألفية ابن مالك في شهرين وحفظها عن ظهر القلب ثم تولى تدريسها للطلاب في ستة أشهر؛ قفل بعدها راجعا إلى أرض الوطن. ثم ذهب إلى مدينة قلافة لدراسة الفقه الشافعي، وخاصة كتاب منهاج الطالبين لمحب الدين النووي بعد أن استأذن ذلك أباه ، فدرس الفقه على يد الشيخ جامع حاشي؛ حيث قرأ عليه نصف الكتاب ، وفي أواخر عام 1949م وصل إلى مقديشو قادما من قلافة مواصلا طلبه للعلم، إضافة إلى قيامه بتدريس العلوم العربية في جامع مرواس ثم بعد فترة وجيزة رجع إلى منطقة الصومال الغربي وبالذات مدينة قبردهري وذلك سنة 1958م.
– حلقة الشيخ محمود شيخ أحمد قرنى القطبي – رحمه الله–نسبة إلى قبيلة آل الشيخ القطبية، وكان الشيخ يقوم بدراسة علوم عديدة في اللغة العربية وغيرها، غير أنّ حلقته اشتهرت بدراسته فنّ الصرف فكان يقرأ كتاب لامية الأفعال لابن مالك، وكذلك شرح اللامية المسمى ” شرح بدر الدين على لامية الأفعال، لابن جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك. وكان الشيخ محمود شيخ أحمد قرني يدرس في حلقته الصرفية أيضاً كتاب ” شرح لامية الأفعال الصغير ” ، وكتاب شرح لامية الأفعال الكبير، وكلاهما للشيخ بحرق الحضرمي.
وكان يلتف حول الشيخ محمود جمهور من طلبة العلم ممن كان هدفهم التحصيل العلمي وفهم فن الصرف الذي كان الشيخ بارعا ومتفننا فيه، ومن بين طلبته الذين نهلوا ينبوع علمه فضيلة الدكتور الشيخ محمد إيمان آدم المعروف في أوساط المثقفين والدعاة بالشيخ الشاطبي، أحد العلماء الصوماليين في المهجر، وصاحب العطاء والدروس العلمية والدعوية في الغرب، كما أنّ فضيلة الدكتور له بعض مؤلفات مثل: (التطبيقات الفقهية لقاعدة: “الميسور لا يسقط بالمعسور” جمعاً ودراسةً؛ وكتاب زيادات الإمام النووي واستدراكاته على الإمام الرافعي من بداية كتاب الصلاة إلى نهاية صلاة التطوع من خلال كتاب الروضة-جمعاً ودراسة مقارنة).
– حلقة الشيخ عبد القادر شيخ إبراهيم من آل القطبي- حفظه الله- نسبة إلى قبيلة آل الشيخ القطبية المعروفة لقطرنا الصومالي الكبير بدورها الديني والعلمي، وكانت هذه الحلقة الصرفية في قلنقول في غرب الصومال. وقد تتلمذ على يده جهابذة من العلماء المرموقين في منطقة القرن الإفريقي، ونشير من هؤلاء فضيلة الشيخ محمود الشيخ أحمد قرني الشيخالي القطبي، اللغوي الماهر ، وصاحب الحلقة العامرة في قلنقول، وقد أخذ عن شيخه علم الصرف من خلال الكتب الصرفية المشهورة في المنطقة، مثل:
كتاب لامية الأفعال، لابن مالك وشرحها.
كتاب شرح لامية الأفعال الصغير، لبحرق الحضرمي.
كتاب شرح لامية الأفعال الكبير، لبحرق الحضرمي.
– حلقة الشيخ محمد تم عدي Timo cadeالشيخ إسماعيل جوليد الأغاديني (عوليهن) في منطقة قلنقول ، وكانت حلقته مشهورة بالفقه واللغة بشقيها الصرفي والنحوي، وقد تخرج في حلقته جمع كبير من طلبة العلم. والحقيقة أنّه لا يستغرب أن تكون قلنقول مثل هذه الحالة العلمية العالية، فقد تجمع فيها جهابذة العلم منذ أن صارت مركزاً مرموقاً يشع منه نور العلم والمعرفة، وليس من اليسير الحصر على النشاط والحلقات العلمية التي كانت تتميع بها قلنقول، ومن ذلك حلقة الشريف علي طيري، وهو من الأشراف، كانت حلقته من الحلقات التي يشار إليها بالبنان في قلنقول.وفي منطقة البارجون Baarjuun التابعة لمدينة غَودي Godey التي شهدت حلقات علمية خاصة بعلم اللغة كالصرف والنحو والبلاغة وغير ذلك مثلها مثل المناطق الأخرى، غير أنّ سمة غالبية الحلقات العلمية كانت تأخذ بعلوم الشريعة وأصول الدين، ونطرح بعض نماذج من ذلك مثل:
– حلقة الشيخ محمد شبل حاج عبدي حاج إبراهيم الويتيني في منطقة البارجون التابعة بغَودي Godey، وكان لفضيلته أكثر من مجلس يلتف حوله طلبة العلم في منطقة الصومال الغربي، كما أنّ حلقته كانت مليئة بالعلم والمعرفة.
– حلقة الشيخ أحمد سلطان معلم محمد الأغاديني في قرية بارجون، وكان الشيخ أحمد سلطان يدرس بعض علوم اللغة العربية مثل النحو الصرف حتى التف حوله طلبة العلم واستفادوا من علومه، وأغلب طلبة العلم في المنطقة أخذوا علم اللغة منه. وممن استفاد من هذه الحلقة الشيخ يوسف سيد علي طوح، أحد العلماء الدعاة، وصاحب الحلقات العلمية، والمؤلفات المفيدة، ومن هنا فلا يستغرب فضيلة الشيخ يوسف علي طوح أن يتولى بتدريس الصرف في حلقاته؛ حيث قام بتدريس علم الصرف وخاصة كتاب لامية الأفعال في إقليم غاريسا الصومالية في كينيا – كما أشرنا من قبل – وفتح هناك مدرسة أطلق عليها مدرسة الهدى الابتدائية الإسلامية في قرية هُولوُقُو Holoqo
[1] الدكتور الشيخ عمر إيمان أبو بكر: طريقة طلب العلم الشرعي في الصومال، بحث منشور في مواقع تواصل الاجتماعي، ص 26.