تُطلق كلمة قَرَنْفُلَةِ شرق إفريقيا، وأندلس إفريقيا، والجزيرة الخضراء، والفردوس المفقودة في إفريقيا بمختلف لغات العالم وبمختلف المقامات السامية للناطقين بها وكتّابها على سلطنة زنجبار، جزيرة القرنفل والتوابل في سواحل شرق إفريقيا. قيل إن أصل كلمة زنجبار فارسي تعني “برّ الزنج”، ويقال أيضا إن العرب سموها في الأصل “زين ذا البَرّ” بمعنى هذا البَرّ جميل، في وصف الجمال الطبيعي لزنجبار. وأما زنزبار فهو اسمها الذي يطلق عليها الأجانب والذي اصطلح عليه سكانها منذ الستينيات. وكما أطلقت زنجبار على جزيرة القرنفل أو التوابل حيث وجدت فيها أربعة ملايين شجرة قرنفل زرعها العرب في الأساس، حسب ما أشارت إليه بعض كتب التاريخ.
وأن زنجبار حاليا مجموعة من الجزر في إفريقيا الشرقية، منها جزيرتان كبيرتان مشهورتان هما: جزيرة أنغوجا، وجزيرة بمبا، وتقع زنجبار داخل المحيط الهندي، قريبة من دار السلام عاصمة جمهورية تنزانيا التجارية على مسافة 45 ميلا بحرا، وكانت زنزبار دولة مستقلة، إلا أنها اتّحدت مع تنجانيقا سابقا، حيث أصبح الاسم الآن جمهورية تنزانيا الاتحادية، غير أنها تتمتع بسلطة ذاتية واسعة لها رئيسها وبرلمانها ومجلسها الوزاري.([1])
تشتهر جزيرة زنجبار بجوّ جميل فريد، ومناظر خلّابة غاية في الحسن والجمال، ومناخ معتدل رطب، ليس باردا ولا حاراً في معظم مدار السنة، وأنها تتميز بشواطئها النقية الهادئة، ومياهها التي تعكس أشعة الشمس الدافئة، ويحيط بمدنها الماء الأزرق فيبعث في النفس روعة وجمالا، وتعتبر زنجبار من أفضل 10 أماكن سياحية في العالم، وأن الرطوبة عالية مع الهواء الرطب القادم من الساحل، وترى على ضفاف شواطئها قصوراً أثرية قديمة كانت مساكن ومديريات للأمراء وسلاطين المنطقة بنيت على طراز سواحيلي وعربي تقليدي.
يقال إن نسبة المسلمين فيها تتراوح ما بين 98-99%، وتوجد فيها أقليات مسيحية وهندية.([2]) ولكن أن شعب زنجبار الأصليين كلهم مسلمون بلا استثناء.
رمضان شهر مبارك طيب فيه نفحات وخيرات وبركات، تنعم بها كل المسلمين أينما حلّوا في بقاع العالم، وللشعوب الإسلامية فيه طقوس أصيلة، وعادات عريقة، بل وتقاليد مختلفة تجاه استقبال هذا الضيف الكريم والاستعداد له.
ولا غرو في تفاوت تلك العادات بين الشعوب من قطر لآخر، من بلاد لأخرى، رغم اتحادهم في أداء شعائرهم الدينية فيه، وعباداتهم التي تظهر وحدتهم في أبهى حللها وأسمى معانيها.
وأهل زنجبار واحد من تلك الشعوب الإسلامية القاطنة في المناطق الساحلية بشرق القارة الإفريقية، إذ كان زنجباريون يترقّبون قدوم هذا الشهر الفضيل بفيض من الشوق والحنين والترحيب، ويدّخرون له كل ما لذّ وطاب من طعام وشراب، أغلبها محلية الزرع، وأهم تلك المحاصيل ثمرة الكسافا (Mahogo) باللغة السواحلية أو (cassava) بالإنجليزية، والموز بأنواعه المختلفة، والبطاطا، إضافة إلى الدقيق والسكر والزيت، والتوابل وغيرها من الأطعمة التي غالبا ما يتناولونها في شهر رمضان للفطور والسحور.
هذا ويتبادل الزنجباريون حين باكرة قدوم رمضان ألفاظ التهاني والتبريكات والترحيب للشهر القدير منها: (Ramadhaninjema) بمعنى رمضان كريم، فكلمة Njema سواحلية معناها طيب وكريم، ويستقبلون رمضان بابتهاج وسرور فائقين.
والجدير بالذكر أن هناك طقوس أصيلة وعادات عريقة تبدو قديمة تضرب في أعماق تاريخ زنجبار، حيث تقام وتنظم مأدبة تدعى (VunjaJungu) أواخر أيام شهر شعبان،أوقبل أيام قلائل من حلول شهر رمضان لاستقبال الشهر الفضيل، وفي يوم السابع والعشرين من شعبان يصوم بعض الزنجباريين، وتسمى أيضاً (Mrisho). أما (Vunjajungu) كلمة سواحلية تعني كسر القدر أو الأواني فهي عبارة عن وليمة كبرى خصصت لترحيب شهر القرآن، يقدم ويطهى فيها ألذّ وأحبّ بل وأفضل أطعمة لدى أهل زنجبار، ومع اختلاف الأذواق لدى الأفراد وشرائح المجتمع المختلفة، وأن بعض الأسر بصدد هذه المناسبة تفضل إقامتها خارج البيوت، وفي المنتزهات والحدائق، وأماكن الاستراحة، إذ أن نسبة انتشار هذه العادة تتفاوت من منطقة لأخرى، من مدن وأرياف وقرى، إلّا أن بعض أهل زنجبار حريصون عليها إلى حدّ ما.
أما إذا دلفنا قليلا إلى الحديث عن موائد الإفطار في زنجبار، حقيقة إن الحديث عن أصناف طعام تلك المائدة، وأنواع المشروبات فيها ذو شجون من حيث التنوع والخاصية، ولكن دعنا نسلط بعض الأضواء على ما تتميز به المائدة الزنجبارية عن غيرها. تعتبر ثمرة الكسافا (Mahogo) من أهم وأفضل بل وألذّ طعام في المائدة الرمضانية، والكسافا هو الطعام المفضل لدى الأغلبية العظمى في ربوع زنجبار، وبدون هذا الطعام في المائدة يعتبر البعض أن الإفطار غير مكتمل وينقصه شيء مهم للغاية، والجدير بالذكر أن لدى الصوماليين أيضاً مقولة مشهورة قيلت حول هذه الثمرة أو الطعام وهي: ( MacaanaaMohogiyoDigir) أي ما أحلى الكسافا والفول أو الفاصوليا معاً.
يتفنّن زنجباريون في طبخ هذا الطعام وبطرق متنوعة رائعة، يطهى مع اللحم مرة، ومع السمك مرة أخرى، ومع الدجاج مرات، وكذلك بالجوز الهندي أو النارجيل – وما من طعام يطهى في زنجبار إلا ويضاف إليه جوز الهندي. وأحيانا أخرى يشوى الكسافا أو الموهوقو بالزيت فقط من غير ملاح، ولكن مهما كانت الطرق المؤدية إلى تجهيزه فإن طعام كسافا يعتبر من أهم الوجبات الرئيسة في المائدة الرمضانية بزنجبار. ومع العلم بأن تناول الكسافا كوجبة رئيسة غير قاصرة في فترة رمضان فقط، وإنما هو وجبة أساسية أيضاً تتطاول الموائد في عير شهر رمضان فطورا أو غداء أو عشاء، وهو طعام مفضل وله وقعة خاصة في نفوس أهلنا بزنجبار.
ويعتبر الموز أيضاً من أهم المحاصيل الزراعية في زنجبار عموماً، ويسمى باللغة السواحلية(Ndizi) ولهم أنواع وأشكال متنوعة من هذه الثمرة، ويأتي الموز في الدرجة الثانية بعد الموهوقو/الكسافا. وللموز أصناف ثلاثة: صنف يؤكل عادة من غير طبخ.
أما الصنفان الأخيران من الموز فيستهلكهما الزنجباريون كوجبة رئيسة يومياً، ولهما نسيب الأسد أيضاً في الموائد الرمضانية ويطبخان مع السمك أو اللحم أو الدجاجة أو مع ثمرة النارجيل (Nazi).
وللحوم الأسماك مساحة واسعة في مائدة الإفطار، إذ أن زنجبار كما أشرنا إليه آنفاً عبارة عن مجموعة من الجزر، وهي منطقة ساحلية تحيطها المياه من جميع اتجاهاتها، وأينما تولّي فثمّ هيجان زبد مياه البحر يرمق إليك، وتسود حرفة صيد الأسماك وصناعة السفن والقوارب في أوساط المجتمع من مدن صغيرة أو كبيرة، ومن أرياف وقرى نائية أو قريبة بشكل جنوني وبمنقطع النظير، لذا يكثر استخدام واستهلاك الأسمأك بشكل ساعي وفي جميع الوجبات، رمضاناً كان أو غيره.
وهناك أطمعة أخرى تصحبها المائدة الرمضانية مثل جباتي(Chapati) والفطائر المختلفة، والبطاطا والكتليسي، والدجاج والسمبوسة ومنطازي، وطعمية ولقيمه وغيرها من الأطعمة المشهورة عادة في موائد الإفطار.
أما المشروبات المفضلة في الإفطار فهي كثيرة من أهمها: شراب (Uji) باللغة السواحلية وتعني المديدة أو الشوربة المسوقة المغلطة، وله أشكال وألوان وأصناف، يصنع شراب الأوجي من دقيق القمح مرة، ومن دقيق الذرة الشامية أو الرفيعة ودقيق الشعير مرة أخرى، ولكن أفضل الأوجي عندهم ما صنع من دقيق الكسافا، وهو فعلا مشروب لذيذ سائغ شرابه، شربته أكثر من مرة أثناء شهر رمضان المعظم.
ومن الشراب المفضل في المائدة أيضاً الشاي مع اللبن ويبدو أنه أساسي يسبقه تناول الطعام وياتي بعد تناول حبات التمر، وكأن له دوراً صحياً في فتح الشهية وتجهير المعدة لاستقبال الأطعمة المتنوعة. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه شاي في الشكل ولكنه لبن ساخن مضمونا.
وفي رحاب المائدة عصائر أخرى طبيعية مستخلصة من فواكه محلية متنوعة. وأن الله قد منَ على الزنجبارين أنواعاً مختلفة من الفواكه والخضروات تطيب صنع العصائر منها، مثل فاكهة بيشن، وأفكادو، وأنناس، ومانجو وجوافة، وشمام، وبرتقال، وليمون بأنواع مختلفة، وبطيخ وشَوْكَي شَوْكِي ونارجيل وغيرها.
يوجد في ربوع دولة زنجبار العديد من الهيئات والمؤسسات الخيرية التي تنظم إفطارات جماعية للمساكين والفقراء، وتقوم بتوزيع مساعدات لذوي الاحتياجات الخاصة، والأسر الفقيرة المحتاجة … لا سيما أن بعض المدن تشهد خلال شهر رمضان ارتفاعاً وتضخماً في أسعار المواد الغذائية المهمة، حيث يستغلّ أصحاب المحلات التجارية إقبال شهر رمضان.
وفي نهار رمضان تسمع وتلاحظ في الطرقات والمحال التجارية والمواصلات العامة والخاصة تتعالى منها أصوات لتلاوة القرآن الكريم من الإذاعات المحلية أو المسجل، والقصائد الدينية، والأناشيد الإسلامية باللغتين العربية والسواحلية، وما أكثر القصائد والأناشيد الإسلامية باللغة السواحلية كلها تمجد فضائل الصوم، وفضيلة شهر رمضان، وثواب الصائم فيه. لقد لفت نظري وجذب انتباهي واحدة منها بعنوان: (JinalanguniRamadhani) معناها اسمي رمضان، إن منشد هذه القصيدة يصف رمضان، ويتحدث عن فضائله، وفضل الصائم فيه، ثم عن طبيعة الأعمال الفاضلة في هذا الشهر، ومكانة هذا الشهر.
ومما لفت انتباهي أيضاً أن مجموعة من الشباب يقومون بإيقاظ النيام للسحور، وحسب ما أكد لي بعض الإخوة الزنجباريين أنها عادة قديمة تضرب في أعماق التاريخ توارثها الأجيال قديماً وحديثاً، إذ تصحّ هذه المجموعة النيام كل ليلة عند الساعة الثانية صباحاً إلى الرابعة قبل صلاة الفجر، يضربون الدفوف وينشدون الأناشيد المحلية، وصوت المنشد تعلو نبراته باللغة السواحلية، وله نغمة جميلة تسري في العروق بل وتطمئنّ لها النفوس …. وبها يستيقظ الصائمون لأكل سحورهم والذي غالبا ما يكون الأرز أو الخبز، أو الجباتي والشاي، وأحياناً الكسافا.
وعلى صعيد آخر فإن الطقوس السائدة بصدد شهر رمضان الفضيل ترميم وتزيين المساجد من جديد استقبالا وتيمّناً بقدوم هذا الشهر العظيم، وترى المساجد عامرة ومعمورة، وبل مكتظة أكثر بالمصليين طوال أيام رمضان. هذا ويقوم الزنجباريون بصلاة التراويح في جميع المساجد جامعاً كانت أم زاوية، ويصلون بالجزء من القرآن كل ليلة.
أما طبيعة عدد الركعات فهي موضع تباين بين المساجد، حيث يصلَي البعض 23 ركعة مع الشفع والوتر، بينما يصلي البعض الآخر 13 ركعة مع الوتر. ولكن ثمّة مساجد قليلة تصلى فيها التراويح 23 ركعة بقصار السور القرآنية، من سورة الضحى أو التكاثر إلى سورة الناس، كما كانت العادة قديماً، وما زال آثار هذا العادة متبقية في بعض البلدان إلا أنها تتضاءل بل وتنعدم أحياناً.
هذا مجمل المشاهد التي لاحظتها أثناء أيام شهر رمضان الفضيل، فعلاً أنها أيام معدودات مليئة بالنفحات والبركات أقضيها مع أحبابي الزنجباريين …. تقبل الله منا الصيام والقيام وجميع الأعمال الصالحة، وكل عام والمسلمون بألف خير. وأطيب تحياتي لأهل زنجبار الحبيب، ولهم في القلوب مساحة واسعة إن شاء الله، بل وأقول لهم:
فتحيتي للزنجبار وأهلها ، نعم الشعوب همو ونعم المـقــوم
ومن العجائب أنهم متواضعون ، متعاونون وذاك وسم المسلم
نتـفقَّدُ الأحـبـابَ عــبر زيـارة ، فـي كـل أمصار الجــــزيرة مَـعْلَـم
وبـصحبتي خـير الـخليلين هما ، عليّ بن موسي والإمام الــقــاســم
لا تَسْتَنَيرُ الـدارَ دون هـلالــها ، بـل تَــشتَـهي مــع صُـحْـبَتِهْ أيَّـــام
فتحية الأحباب نبعـث مــن هـنا ، إلـي مـقدشـو حـيث الحـبيبُ مُـقـام([3])
نَــستغفــرُ اللـّهَ الجـليلَ مـن الذنـوب ، مَـثْـوَي الخـلائق جـنّةُ أم جـهنــمُ
كـلٌ لـه أخــطائُـهُ وعُــيُـوبُــه ، فــاعـــف عـــنّــا الآثــامَ يــا عـــلّام
الهوامش:
[1]– فوزي محمد بارو (فوزان)، أيّام قضيتها في زنجبار، شبكة الشاهد الإعلامية، فبراير 2013م.
[2]– ناصر حمد بكار، “أداء إدارتي الأوقاف والإفتاء في زنجبار”، رسالة دكتوراه غير منشورة عام 2011م.
[3]– فوزي محمد بارو (فوزان)، زغرودة العيد في زنجبار (قصيدة)، ديوان إحياء التراث، عام 2014م.