ولم يتبقَ في هذه العجالة، سوى أن اُذَكِّرَ قارئ هذه الأسطر أن يقول: “أنت كذاب ومزور للتاريخ ” لكل من يجادل بأن حزب وحدة شباب الصومال Somali Youth League SYL ناضل من أجل استقلال شعب “الصومالي الإيطالي”، لسبب بسيط هو أن قرار منح الاستقلال للصومال الإيطالي، إلى جوارمنح الاستقلال لـ16 مستعمرة أوروبية كان قرارا فرضته القوة العالمية الجديدة (أمريكا والاتحاد السوفيتي) على أوروبا المنهكة، وليس ناتجًا عن كفاح ونضال أي حزب أو أي جهة أخرى.
من جهة أخرى، لم يكن حزب شباب الصومال SYL أكثرمن تنظيم سياسي من صنع بريطانيا، كما أن الهدف من صنع هذا التنظيم لم يكن سوى مساعدة بريطانيا (على المستوى المحلي والدولي) للفوز بإدارة شأن الصومال الإيطالي في فترة الوصاية، مقابل وعد من بريطانيا بخلق ما أسمته الصومال الكبير Great Somalia أي توحيد الصومال الإيطالي والبريطاني، وإقليم شمال كينيا ذو الأغلبية الصومالية في دولة واحدة ثم ضم هذه الدولة الفتية إلى دول الكومنولث البريطاني، وهذا هو سبب ظهور اسم الحزب باللغة الإنجليزية وليس الإيطالية.
إلى جوار ذلك أقول: لو كان هناك أي تنظيم صومالي قبل احتلال بريطانيا لإقليم الصومال الإيطالي في عام 1941 لظهر اسم هذا التنظيم بالغة الإيطالية التي كانت اللغة الرسمية الوحيدة في الصومال الإيطالي وليس الإنجليزية.
وظهور اسم هذا الحزب باللغة الإنجليزية فور سيطرة بريطانيا على الصومال الإيطالي وليس باللغة الإيطالية لخير دليل على أن بريطانيا هي التي أنشأت هذا الحزب لتحقيق مآربها محليًا ودوليًا.
لم يتحقق مسعى بريطانيا بالفوز في إدارة شأن إقليم الصومال الإيطالي تحت وصاية الأمم المتحدة لعوامل عديدة يطول شرحها هنا، ولكن العامل الأكثر أهمية هو رغبة كل من أمريكا والاتحاد السوفيتي في إضعاف الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس، وعدم منحها فرصة ضم الصومال إلى التكتل الذي تخطط لقيادته، بل استقلال مستعمرتها في أفريقيا، وآسيا وبقية العالم.
وينصح كاتب هذه الأسطر المهتمين بحقيقة حزب وحدة شباب الصومال، ونضاله التاريخي المزعوم من أجل استقلال الصومال الإيطالي، مراجعة وثائق الأمم المتحدة المتعلقة بفترة ما قبل فرض الوصاية على الصومال الإيطالي، إلى جوار الوثائق البريطانية والإيطالية المتوفرة في الإنترنت ليتأكد بنفسه أنه لمتكن هناك أصلًا حاجة للنضال من أجل الاستقلال، وأن الاستقلال فرض على الشعب الصومال وبقية الشعوب الأفريقية التي استقلت عام 1960 من قبل قوى خارجية كانت تتصارع من أجل تحقيق مصالحها في إفريقيا.
وأخيرًا أعلن استقلال الصومال الإيطالي، كما أُعلن اتحاد الصومال الإيطالي والصومال البريطاني في الأول من يوليو عام 1960، وفرح اُناس كثيرون من ضمنهم كاتب هذه الأسطر بقدوم اليوم الذي رفرف فيه علم بلادهم فوق تراب وطنهم.
ولكن، وقبل أن تمر سنوات تعد بأصابع اليد الواحدة، منح الشعب الصومالي هذه الدولة الوليدة لقب ” Dowlada Musuq’maasuqaأي دولة الفساد ” عن جدارة واستحقاق.
وعليه؛ أستطيع أن أقول بضمير غير مؤنّب، ودون أدنى تردد، أو الخوف من الاتهام بحب الكفار، والعمالة للمستعمر وغير ذلك من النعوت الدنيئة التي تلصق بكل من يمارس التفكير النقدي ويَسْعَد بقول الحقيقة المرة؛ أن يوم استقلال البلاد من يد المستعمر، ورفع العَلَم فوق سواري القرى والمدن، كان في الواقع هو يوم اغتراب الوطن وفقدان ناحية جمامه استقلالها، بل يوم فقدان كل المناطق التي استقرت فيها العائلات الإيطالية الزراعية (أي منطقة ما بين النهرين، ومدن ساحل بنادر) استقلالها، حريتها، إنسانيتها، وحياتها الكريمة.
ليس هذا فحسب، بل هو يوم انفصام المجتمع الصومالي بأسره من الحداثة والانتكاس إلى همجية القرون الوسطى، أو قل إن شئت أن الاستقلال كان يعني سقوط المجتمع الصومالي بأسره في نفق مظلم يسود فيه قانون الغاب وعقلية قبائل الهمج.
وعمليًا، شَعَرَ كل من كان يملك بعض من قرون الاستشعار – من غير المواطنين المحليين أن وقت الهروب من حمم الجحيم القادم مع استقلال البلاد وانتكاسها إلى قيم بدو الصحراء قد حان موعده الآن.
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الشبكة، وإنما تعبر عن رأي أصحابها!