تناول الخبراء والمحللون قضية تعيين المبعوث الخاص للرئيس الصومالي في شؤون صوماليلاند مطلع شهر أبريل المنصرم، وتساءل بعضهم مدى قدرة السياسي السيد : عبد الكريم حسين غوليد على الاضطلاع بمهمة الوساطة بين الوحدويين في جنوب الصومال والانفصاليين في شماله. وفيما يلي نستعرض الجوانب الشخصية للمبعوث الجديد، وقدراته على تولّي هذا المنصب الهام في هذا التوقيت الصعب، إلى جانب المهام الموكلة إليه أو المنتظَرة منه، وموقف صوماليلاند من الموفد الجديد، كما نتطرق إلى المفاوضات المرتقبَة والإشكالات المحيطة بها.
- شخصيته
يجمع السياسي عبدالكريم حسين غوليد – بالنظر إلى سيرته الذاتية – خبرات ومواقف تدلّ على سعة اطّلاعه وجدارته بإدارة ملف المحادثات بين الحكومة الفيدرالية الصومالية والقيادة السياسية لصوماليلاند، وقد صرح بعيد تعيينه في لقاء صحفي مسجَّل بأنّه قضى عددًا من السنوات في أرض الصومال أثناء عمله في المجال الإنساني، كما أنّه تربوي معروف وعلى صلة بالطبيعة الإنسانية، إضافة إلى تولّيه مناصب وزارية متعددة؛ حيث شغل منصب وزير الداخلية والأمن، ثم وزيرًا للأمن، وتسلّم ملفّ المحادثات مع صوماليلاند في الولاية السابقة للرئيس الحالي حسن شيخ محمود، وأثبت أثناء ذلك كفاءة كبيرة، حيث حصل على إشادة فريق المحادثات من طرف أرض الصومال بل وسجل إختراقا في ملف المفاوضات. الأمر الذي أدى إلى ردم الهوة بين الفرقاء وجعلت العملية التفاوضية برمتها سلسة عززت الثقة المفقودة بين أطراف المحادثات. هذا ويمكن الملاحظة أيضا في حرصه على الشّفافية وخطابه الهادئ والمتأنّي مما مكنّه من قطع الطريق أمام ما اعتادت عليه أطراف المعارضة والصحافة الصفراء من إثارة الرأي العام، وافتعال التناقضات.
وقد تولّي السيد عبد الكريم مناصب مهمّة في فترات حرجة وحاسمة ومن ذلك فوزه برئاسة ولاية غلمودوغ بوسط الصومال؛ ليكون رابع رئيس لها، ورغم بعض الإخفاقات التى شهدتها الولاية أثناء إدارته وإستقالته لاحقا من قيادتها، إلا أنه قد أنجز خلال حكمه توقيع اتفاقية مهمة مع ولاية بونتلاند الفيدرالية بهدف الحفاظ على السلام في مدينة “غالكعيو” المتنازعة بين الولايتين، كما اجتهد في ضمّ أطراف متناقضة داخل ولايته، وكان من بينها حركة أهل السنّة والجماعة المسلّحة، وهو ما يجعله ليس فقط مؤهلًا تأهيلًا كبيرًا للقيام بأعباء دوره موفدًا خاصًا لرئيس البلاد ومسؤولا عن ملفّ المحادثات مع إدارة صوماليلاند، بل إنه وجه مألوف ومرحَّب به من قبل الساسة في إدارة صوماليلاند.
- موقف صوماليلاند
سارعت المعارضة السياسية في صوماليلاند بترحيب المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون صوماليلاند، وعبّرت عن سعادتها بتولي السيد عبد الكريم حسين غوليد لذلك الدور، إذ صرّح السياسي فيصل علي ورابي أحد زعيمي المعارضة في صوماليلاند لوسائل إعلامية محليّة حيال ذلك قائلا: “أنا سعيد بتعيين السيد عبد الكريم حسين مبعوثًا رئاسيًا خاصًا لشؤون صوماليلاند؛ لأنه عمل في صوماليلاند لفترة طويلة خصوصًا في الشأن الإنساني”، وحول العلاقة الشخصية فقد أوضح “ورابي” أنه تجمعه علاقة صداقة كبيرة مع المبعوث، وأشاد بدوره البنّاء أثناء توليه قيادة وفد جمهورية الصومال الفيدرالية في محادثات إسطنبول عام 2014م .
وفي المقابل رحّب رئيس صوماليلاند موسى بيحي عبدي في حديث له أمام وسائل إعلام محليّة بتعيين المبعوث، واعتبر أن خطوة تعيينه جاءت “في الاتجاه الصحيح”، وهذا الترحيب يؤشّر إلى وجود موقف إيجابي من طرف أرض الصومال، سواء من المعارضة أو الحكومة تجاه السيد عبدالكريم حسين غوليد، ما يمهّد النجاح في مهمته وتحقيق الأهداف التي أسنده إليه الرئيس الصومالي الدكتور حسن شيخ محمود. ومن المتوقع في هذا السياق أن يستحدث المبعوث الجديد طرق وأساليب جديدة مقنعة للطرفين وفق تصريحات المبعوث نفسه، وعلى ضوء خبرته السابقة التي على أساسها حظي بثقة الجانبين الوحدوي والانفصالي.
- المهام المنتظرة من المبعوث
من خلال القرار الرئاسي الصادر في الأول من أبريل لعام 2023م، والخاص بتعيين السيد عبد الكريم حسين غوليد لمنصب المبعوث الخاص لرئيس الجمهورية الصومالية في شؤون صوماليلاند، فقد كان واضحًا أن للقرار أهدافا أساسية أهمها تحقيق الوحدة والتعايش بين الشعب الصومالي في الجنوب والشمال، عبر التشاور وقبول الآراء المتناقضة والمحادثات من أجل الوصول إلى حلّ دائم بشأن التظلّمات التي يحملها أبناء محافظات الشمال الصومالي(صوماليلاند). وأوضح نصّ القرار كذلك بأن السبيل إلى ذلك يكون بالتركيز على المحادثات والعمل على إزالة العقبات حتي الوصول إلي تسوية شاملة في ملف المحادثات .
ويُتوقع من المبعوث الرئاسي الخاص إعادة فتح قنوات التواصل ووضع الخطط الزمنية لتنظيم محادثة جديّة بين الحكومة الفيدرالية الصومالية والقيادة السياسية لصوماليلاند، وتعزيز التعاون الإيجابي لتحقيق التقدّم المنشود الذي لأجله بدأت تلك المحادثات، إضافة إلى إحياء نقاط تم الاتفاق عليها مسبقا في محادثات إسطنبول، تلك النقاط التي اعتبرت أطراف من أرض الصومال أنّها تعرّضت للخرق في فترة حكم الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو، إضافة إلى المساهمة في دعم جهود إحلال السلام في محافظة “سول”، والتقليل من التصعيد العسكري فيها، إلى جانب تسهيل الجهود الرامية إلى تحسين الوضع الإنساني بالنسبة للمدنيين المتضررين بالمواجهات المسلّحة في المنطقة.
- المفاوضات المرتقبة
قطعت العلاقات السياسية “العميقة” بين مقديشو وهرجيسا شوطًا كبيرة خلال فترة رئاسة الرئيس أحمد محمد محمود سيلانيو المعاصر للرئيسين شريف شيخ أحمد وحسن شيخ محمود، وإن شهدت تلك العلاقات اضطرابًا كبيرًا خلال عهد موسى بيحي عبدي ومحمد عبد الله فرماجو، كامتداد لنزعاتهما الشخصيّة في التعامل مع الأوضاع السياسية، إلّا أنّه يمكن اعتبار مؤتمر لندن سنة 2012م، حجر الأساس لواقع العلاقات بين أرض الصومال ومقديشو، ونتائجه المتمثّلة في ارتقاء الحكومة الصومالية من مرحلة الحكم الانتقالي إلى الفيدرالي، عبر قبول صوماليلاند لحالة “الوضع الخاص” ضمن الدولة الصومالية، وما أثمره ذلك من دخول الاستثمارات الأجنبية إلى صوماليلاند، خصوصًا اتفاقية إدارة ميناء بربرة من قبل دبي العالمية للموانئ، وكل تلك المؤشرات تدلّ على أنّ المفاوضات القائمة على ما سبق، ليست ساعية سوى نحو استكمال “مظاهر” الوحدة السياسية بين طرفي الوحدة التاريخية المتحققة في الأول من يوليو سنة 1960م.
إلّا أنّ الوصول إلى ذلك لن يكون سوى إيجاد حلول للموقف الشعبي لنسبة معتبرة من سكّان صوماليلاند، ذلك الموقف الرافض للوحدة والمطالب من طبقته السياسية بتحقيق الاعتراف الدولي. كما أنّ عقبة أخرى تواجهها مقديشو تحدّ من قدرتها على تقديم ما من شأنه كسب القيادة السياسية من جانب أرض الصومال، ممثلة بالتأثير السلبي للنظام الفيدرالي على قدرة القيادة السياسية فيها، على تقديم تنازلات جذرية الهدف منها تصحيح الخلل التشريعي الذي صاحب الوحدة غير المشروطة، وهو ما يجعل المفاوضات مجرّد ممارسات روتينية خالية من أيّة آفاق لتحقيق اختراق تاريخي يغيّر الواقع القائم.
- أزمة لاسعانود وتأثيرها على المحادثات المرتقبة
ويبقى الحديث عن الإشكالات والعقبات التي قد تعيق المفاوضات بين الطرفين، والتي يعلق الجميع آمالا عريضة عليها، ومن ذلك بطبيعة الحال أزمة مدينة لاسعانود واضطراباتها الأمنية والسياسية التي تعود لأسباب بنوية تاريخية، ناتجة عن قرارات قيادتها السياسية والتقليدية منذ احتضانها لثورة السيد محمد عبد الله حسن، على كافة المستويات.
وكامتداد لروح المقاومة يتبنى الدراويش الجدد مشروعي “إس إس سي” و”ولاية خاتمو” اللذين يهدفان إلى تأسيس كيان سياسي وولاية فيدرالية منفصلة، ما خلق حالة من الاضطراب الأمني وفتح المجال واسعًا للتصفيات السياسية والعشائرية المدفوعة بالتباينات والتنافس الداخلي. وبالفعل قد أثّرت الأحداث الأخيرة في لاسعانود والمواجهات المسلّحة، في الأهالي والسلطة الصوماليلاندية، تأثيرًا سلبيًا شديدًا من حيث الوضع السياسي في صوماليلاند، إذ أظهرت عجز الحكومة الحالية عن إدارة الأزمة، كما أثّرت على جوانب اقتصادية، وأضافت أعباء مالية كبيرة على “هرجيسا” كانت في غنى عنها، لكنّ الواقع الجيوسياسي للاسعانود، نظرًا لقلّة وزنها الديموغرافي مقارنة مع بقية مناطق صوماليلاند، وحالة التشظي الفكري والسياسي لسكّانها – رغم الاحتشاد العشائري الوقتي- ، وعجزها الباكر عن استكمال شروط تأسيس الولاية الفيدرالية، وقوّة ارتباطاتها مع كل من بونتلاند وصوماليلاند، يجعل التأثير على المدى المتوسّط والطويل للأحداث فيها، منحصرًا على تدهور الوضع الإنساني لسكّان المحافظة، بل يضع أوراق في يد “هرجيسا” عبر لفت الأنظار إقليميًا ودوليًا إلى ملفّ انفصالها السياسي عن الصومال، فانسداد أفق إقامة الولاية الجديدة عاصمتها “لاسعانود”، يجعل انضمامها الوقتي لـ”غروي” عبئًا على ولاية بونتلاند، ما يجعل مصير علاقة “لاسعانود” و “غروي” مرشحًا لأن يأخذ ذات الطريق الذي سلكته العلاقات مع “هرجيسا”، لحين اتخاذ السكّان قرارهم للاستقرار على تسويّة سياسية محددة.
- الخلاصة
نخلُص إلى القول بأن المفاوضات بين الجمهورية الصومالية الفيدرالية وإدارة صوماليلاند (أرض الصومال) باتت أكثر تعقيدا في ظل تطورات الأحداث الجارية في منطقة سول، وبالتالي يبقى النجاح في المحادثات المرتقبَة مرهونا بمدى نضج قادة الطرفين، ومدى تماسك القاعدة الشعبية التي ينطلق منها كل طرف، ويمكن القول بأن دور المبعوث الجديد لشؤون صوماليلاند يتمثل في خلق أجواء مواتية رغم التنافر والظروف السيئة القائمة، وذلك من خلال دفع الطرفين إلى اتخاذ قرارات جريئة من شأنها الحفاظ على كرامة الإنسان الصومالي في منطقة القرن الإفريقي، وخلق توافق سياسي يُنهي الصراعات القائمة بأي شكل من الأشكال .