في الحلقة الثانیة من حوارنا مع سعادة السفیر السید عمر شيخ علي إدریس (عمر طیري)، نحاول طرح عدد من الأسئلة التي تدور حول الرؤیة وأھم الإستراتیجیات لتحقيق المبدأ السیاسي للرئیس الصومالي السید حسن شیخ محمود “صومالیا متصالحة ومتصالحة مع العالم” وأثر التوترات السیاسیة والأمنیة في المنطقة على الصومال، وكما سنسأله عن تأثیر نظام المحاصصة القبلیة على تعیین البعثات الدبلوماسیة الصومالیة للخارج، وأیضا عن تقییمه لمستقبل اللغة العربیة والثقافة الإسلامية في الصومال، ونختم حوارنا بمیول سعادة السفیر وتذوقه للأدب الصومالي والعربي.
القرن الإخباریة: كان وما زال شعار الرئیس الصومالي السید حسن شیخ محمود “صومالاً متصالحة مع نفسھا ومتصالحة مع العالم“ في رأیكم ما ھي أھم الإستراتیجیات لتحقیق التصالح مع العالم؟ مع العلم بأن العلاقات الدولیة لا تعترف إلا بالمصالح.
السفير عمر إدریس: في رأیي ليست هناك مشكلة أو مشاكل تذكر بين الصومال وبين العالم حالیا، وما كان من توترات بین الصومال وبين بعض الدول المجاورة، وبين بعض الدول العربية كذلك في ظل الحكم الرئيس السابق، قد تم حلھا وتسویتھا من قبل الحكومة الحالية تنفيذاً لذلك الشعار. ولكن ما یحتاج إلى حل وسعي بل وتركیز أكثر ھو التصالح الداخلي بین أبناء الشعب الصومالي بمختلف اتجاھاتھم وولاياتها المختلفة، بلا شك أن ھناك مشاكل عديدة تحتاج إلى حل سیاسي ودستوري لیتحقق المبدأ “صومالاً متصالحة فیما بینھا”، ومن أھم القضایا التي تحتاح إلى تركیز أكثر إیجاد مواءمة وطنیة شاملة، وتوطید النظام الفدرالي وتطبيقه بطریقة صحیحة لتتضح صلاحيات ومھام بل ودور كل طرف من الأطراف، سواء من الحكومة المركزية الفدرالية أو الحكومات الولائیة تحت النظام الفدرالي مع إیجاد تعاون واحترام متبادل فيما بينهما حسب الصلاحيات الممنوحة في الدستور، لأن هناك مهام ومسئوليات خاصة بالحكومة الفدرالية وأخرى خاصة بالحكومة الولائیة، كما أن هناك مهام وصلاحيات مشتركة بینهما ينبغي التشاور دائماً، وإيضاح ما هو غامض في الدستور من هذه المجالات. ومن القضايا المهمة أيضا احترام القوانین المعمول بھا والدستور المؤقت للبلاد، واحترام حقوق المواطنة أیا كان المواطن، وأينما كان في الوطن، لا بد أن یمارس حقه الدستوري المكفول بالمواطنة، حيث یَنتخِب ويُنتخَب، ومن الأمور المهمة والمركزية إنشاء المحكمة الدستورية للبلاد، وھي العمود الفقري لحل وتسویة الخلافات السیاسیة والقانونية المتكررة بین السلطات ومجالس الدولة.
ومن أكبر التحدیات أیضا قضیة تقسیم السلطة والثروة بین الحكومة المركزیة والحكومات الولائية، وقضية العدل ومساواة المواطنين أمام القانون بمختلف شرائحهم. ھذه القضایا ھي الركائز الأساسیة لتحقیق مبدأ “صومالا متصالحة فیما بینھا” وأن تحقیق ھذا الھدف بحاجة إلى سعي حثیث، وصبر دؤوب، وإستراتیجیة واضحة وإلا یكون تحقيقها صعب المنال.
شبكة القرن الإخباریة :تشهد المنطقة توترات سیاسیة وأمنية في الآونة الأخيرة، بالأمس كانت إثيوبيا، واليوم السودان، في رأیكم ما تأثیراتھا الجیوسیاسیة في المنطقة، وبالأخص على الوضع في الصومال؟
السفير عمر إدریس :بلا شك أن السودان دولة شقیقة ودولة إستراتیجیة في المنطقة، لھا عوامل مشتركة مع شعوب المنطقة، ولا شك أنْه ستكون لها تأثيرات سلبية، مباشرة وغیر مباشرة، على المنطقة كلها: دولاً وشعوباً، وبالأخص، فإن علاقة الشعبين: السوداني والصومالي، علاقة حميمية ومتجذرة، وتمتد في أعماق التاريخ. وكان السودان قد فتح أبواب جامعاته للطلاب الصومالیین منذ أكثر من 30 عاما عند ما سدت كثير من الدول العربية أبواب جامعاتها على وجه الطلبة الصوماليين. ورغم أن جمھوریة السودان لیس لھا حدود مباشرة مع جمهورية الصومال، حيث تتوسط إثيوبيا بين البلدين: الصومال والسودان، وربما تصل أقرب نقطتين بين الصومال والسودان 1,500 كیلو مترا، وعليه، تكون تأثيراتها على الصومال – أمناً ونزوحاً – غیر مباشرة كوطن. ومع ذلك، كانت هناك أضرار كبيرة ومباشرة على الصوماليين في جانبين آخرَين: التعليم، حيث كان يدرس، عند اندلاع الحرب، ما يقارب 4,000 طالباً صومالياً في جميع المراحل التعليمية من الابتدائية إلى الدكتوراه، وفي جميع التخصصات، وفي الأعمال التجارية المختلفة، خاصة، شركات تحويل الأموال من وإلى جميع أنحاء العالم. والجدير بالذكر أن منطقة القرن الإفریقي منطقة إستراتیجیة وذات أھمیة كبرى للعالم، یقع فیھا البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، وبحر العرب المرتبط بالمحبط الهندي، وھي ممر إستراتیجي للتجارة العالمية وخاصة المتجهة إلى الدول الغربية: الأمريكيتين، وأوروبا، وهي منطقة متاخمة بالشرق الأوسط أو الجزیرة العربية، بؤرة الإسلام. فمنطقة القرن الإفریقي كانت وما زالت منطقة نزاعات داخلیة بین دول المنطقة، وغیر مستقرة لسبب أو لآخر مثل: الصراع الصومالي الإثيوبي في أعوام 1964, 1977, 2007م وقبلها كذلك. والصراع السوداني الإثیوبي، والصراع الإثیوبي الإرتیري، والصراع الجیبوتي الإرتري، والصراع السوداني الإرتیري والصراع الصومالي الكيني في عام 1964م، وفيما بعده، وغیرھا من الحروب الأهلية داخل البلد، وأطولها مدةً هي الحروب الأهلية السودانية، والإثيوبية، ثم الحرب الأهليه الصومالية. وبجانب ذلك كانت هناك صراعات وتدخلات وتنافسات خارجية من قبل الدول الكبرى تجاه هذه المنطقة الإسترتيجية، وكثيراً ما دفعت ثمن ذلك الصراع دول وشعوب هذ المنطقة. وعليه، فإن على أنظمة وشعوب هذه المنطقة أن تأتي بإستراتیجیة تتعايش في داخلها وفيما بينها بسلام، وتتعاون في الدفاع عن مصالحها المشتركة ضد أطماع وهيمنة القوى الخارجية، مما يجعل منطقة القرن الإفريقي منطقة آمنة، مستقرة، ومتعاونة فيما بينها.
شبكة القرن الإخباریة: یتم تعیین البعثات الدبلوماسیة الصومالیة للخارج وفق نظام المحاصصة القبلیة المعمول به في البلد، دون النظر أحیانا إلى اعتبارات أخرى مثل المؤهلات العلمية والخبرات العملية، ما تقييمكم لكفاءات العاملين في السلك الدبلوماسي – سفراء وغيرهم – في أداء مھامھم على وجه أكمل؟
السفير عمر إدریس : بلا شك أن نظام المحاصصة القبلیة المعمول به في البلد له آثاره السلبية على جوانب كثيرة من إعادة بناء مؤسسات الدولة الصومالية، ومع ذلك – وحسب رأيي – فإن نظام المحاصصة القبلية، لا يشكل بحد ذاته عائقا كبيراً على اختیار الأشخاض ذوي الكفاءات في التمثیل الدبلوماسي، لأنّ اختيارهم يخضع لسلطة رئيس الدولة ورئيس الوزراء لا للقبائل، وأكثر ما تطلبه القبائل هو ألّا تفقد وجهها في مرآة السلطة، ولكن ليست لها سلطة اختيار من يمثلها في هذه المرآة، وفي كل قبيلة من هو كفؤ لمنصب وزير أو سفير أو أي منصب آخر، إذن، فأي علة أو عيب أو لوم يظهر في عدم كفاءة مقلد أي منصب من المناصب، فإنما يعود هذا اللوم إلى من اختار ذلك الشخص ووضعه في ذلك المنصب، لا إلى نظام المحاصصة ولا إلى القبيلة التي ينتسب إليها، حيث لا دور للقبيلة في اختياره لذلك المنصب، وأيضا لم تتم استشارتها في تعيينه، وسوف لا يستشرون في عزله كذلك. وعليه، فإنّ المسئولية في اختيار الشخص المناسب للتمثیل الدبلوماسي أو في أي منصب آخر حكومي، تقع على رأس الدولة، وهو الرئيس، وعلى رأس الحكومة، وهو رئيس الوزراء، لا على نظام المحاصصة القبلية.وحسن اختيار الدبلوماسيين، خاصة السفراء منهم، ليس كأي اختيار آخر، لأنهم يمثلون سيادة الدولة ولابد أن يكونوا على ذلك القدر، وهم المرآة التي تعكس حقيقة السياسة الداخلية، والرؤية الخارجية للقيادة العليا في البلد.
شبكة القرن الإخباریة: الصومال ينتمي إلى العالم العربي، وهو أحد أعضاء جامعة الدول العربية، ولهذا الانتماء التزامات وواجبات، وعلى رأسها الحفاظ على المیثاق الثقافي للدول العربية، وكما تعلمون أنّ أوضاع اللغة العربیة وثقافتھا قد تدنت في الصومال في الآونة الأخیرة، رغم أنها ھي اللغة الرسمية الثانية للبلاد بنص الدستور بعد اللغة الصومالية التي هي اللغة الرسمية الأولى، في تقییمكم ما مستقبل اللغة العربیة وثقافتھا في الصومال؟
السفير عمر إدریس :ھناك تحدیات جمة تواجهها اللغة العربية لیس في الصومال فحسب وإنما في البلدان العربية الأخرى، وفي الجزيرة العربية على وجه الخوص، حيث وقعت بين مطرقة العولمة الثقافية (الإمبريالية الثقافية Cultural imperialism ) المحمولة على أجنحة اللغة الإنجليزية وسندان العمالة الأجنبية التي دخلت حتى غرف الأطفال من ليلة الميلاد. لم تلق هذه اللغة العظيمة (لغة الوحي) الاھتمام الذي تستحقه في مؤسسات هذه الدول التعليمية وفي مناهجها الدراسية. وقديما كانت اللغة العربية اللغة الرسمية للشعب الصومالي حیث استخدمھا للمراسلات والتجارة وتوثيق العقود وللتأليف لدى العلماء قبل الاستعمار وبعده إلى بداية السبعينيات، عند ما كتبت اللغة الصومالية أول مرة في تاريخها بشكل رسمي. كانت وما زالت للعربیة مكانتها المرموقة في قلب المجتمع الصومالي، وأن اهتمامه ومحبته للغة العربیة تنبثق من وازع دیني حیث یرى الشعب أن اللغة العربیة لغة دینھم الحنیف، وأنها جرء لا تتجزأ عن الإسلام. وأنا لا أخاف عليها ولا أرى أي خطر على مستقبل اللغة العربیة في الصومال رغم التحديات الجديدة التي تواجهها في الصومال وفي بلدانها الأصلية، وهو تحد تواجهه جميع لغات العالم بعد العولمة، بل أرى أن لھا مستقبلا مشرقا ومبشرا في الصومال رغم كل التحديات، وأن وجودھا الحالي أقوى وأكثر بكثیر من أي مرحلة من مراحل تاريخها في الصومال، حیث أن هناك آلافاً من خريجي المعاهد والجامعات العربیة بمختلف تخصصاتهم، درسوها باللغة العربیة، وھناك مؤسسات مرموقة تھتم باللغة العربیة في جمیع أقالیم المنطقة التي تسكن فیھا القومیة الصومالیة، وأن دور المؤسسات العلمیة التقلیدیة مثل المساجد ومراكز العلم والكتاتیب القرآنیة ما زالت نشطة في خدمة اللغة العربية ونشرھا أكثر من أي وقت مضى. ولا شك أن ھناك موجات عاصفة ضد اللغة العربیة في الصومال بطریقة مقصودة وغیر مقصودة في الآونة الأخیرة، وھناك جامعات ومؤسسات أخرى عاملة في البلد تھتم باللغة الإنجلیزیة، وترى أنھا ذات أھمیة كبيرة في الحصول على العمل، حيث أن سوق العمل يتطلب، ليس معرفة اللغة الانجلیزیة فقط بل إجادتها إجادة كاملة. ومع كل هذا أو ذاك، فإن مستقبل اللغة العربیة في الصومال بخیر ولا یمكن تھدیده بأي حال من الأحوال لأن اللغة العربیة لھا مكانتھا الخاصة في نفوس المجتمع الصومالي المسلم، وأنھا اللغة الثانیة لجمھوریة الصومال كما ينص دستورها، وفوق ذلك فإن لهذه اللغة منزلة عليا، وجذور عميقة في قلوب الشعب الصومالي، وفي مؤسساته الدینیة المحلية.
وعليه فإن على المثقفين وأصحاب الثقافة العربية الاھتمام باللغة العربیة وثقافتھا، وتطویر مؤسساتھا المختلفة في الصومال، بل وإعادة، وتقوية دور المؤسسات التقلیدیة العاملة في خدمة اللغة العربیة ونشرھا.
شبكة القرن الإخباریة: فضلا عن باعكم الطویل في الدبلوماسیة، وشخصیتكم الفذة في المجال الأكاديمي، ودوركم الرائد في خدمة المجتمع، إلا أن لكم میدانا واسعا أيضا في مجال الأدبي الصومالي، ھلا حدثتنا قلیلا عن میولكم الشعري وعن شاعریتكم؟
السفير عمر إدريس : نعم كان لي ميل أدبي وتذوق للشعر العربي وللأدب الصومالي في وقت مبكر من حياتي أي في مرحلة المراهقة، حيث نظمت أو حاولت نظم أول قصيدة شعرية باللغة الصومالية وأنا في السادس عشر أو السابع عشر من عمري. ولكني كنت أكتم تلك الموهبة وأخفي ذلك الذوق الأدبي بتأثیر من البيئة الدينية التي ولدت فيها، من كلا الجانبين من أسرتي، أي من جھة الأم ومن جهة الأب كذلك، كان أبي فقيها، غير أني لم أستفد منه، لأنه توفي وأنا في الثالث من عمري، وأدركت ثلاثة من حفاظ القرآن: إثنين من أخوالي وواحداً من أعمامي، وهو الذي رباني وعلمني القرآن. وكما هو معروف، كان هناك معتقد سائد لدى المجتمع الصومالي – على الأقل في بعض المناطق – بأن الألعاب الشعبیة والشعر منكر وغیر لائق لشخص متدین أن یمارسھا أو ینخرط فیھا. لھذه النظرة الاجتماعیة ھجرت الأدب ولم أصقل مواھبي الأدبیة لفترة طویلة. وفي عام 1998، نظمت قصیدة جدیدة، وفيه عدت إلى نظم الشعر، حيث نظمت بضعة قصائد في عام 2004، في الحب، وللحب وحيُه وإيحاءاتُه، وأعتقد أن الشعر نوع من أنواع الوحي، لا أتنفس أو لا أُنفِّس عما يجيش في قلبي إلا بالشعر، لأن اللغة العادية لا تطيق أن تبوح ما في الأعماق، ولا تصل أو تقرب من قاع الأعماق، أتحدث عن الشعر الصومالي، فهو لغتي المفضلة. وأما الشعر العربي افتتنتُ به في المرحلة الثانوية، حتي أوصلني إلى مرحلة خطرة من التأثر به، فبدأت أحاول الانقطاع عنه، فما نجحت إلا بعد سنوات، ولا أقول إلا بيتاً، أو بيتين أو ثلاثة أبيات في بعض الأحيان لا أكثر. وفي عام 2013م قررت أن أعرض أعمالي الأدبیة التي نظمتها في صفحتي الخاصة على الفیس بوك، وما زلت على ھذا الدرب سائرا.والجدیر بالذكر أنني كنت أحب الأدب العربي وأطلع عليه، بل وقد كنت أحفظ الكثیر منه، وكانت لي مقدرة في الحفظ، حيث كنت أحفظ أبیاتا كثیرة من كل قصیدة أمر علیھا أو أقرأھا خمس مرات على الأكثر. ھذا وما زلت أتذوّق ويجذبني كل شعر جميل یحمل قيما عليا، ویعبّر عن معان جليلة رائعة، باللغتین الصومالیة والعربية وحتى الإنجليزية، وكلما ينفعل شعوري لأي سبب من الأسباب، فإن المنفذ الوحيد لتهدئته هو التعبير عما يجول في تلك الأعماق الغائرة، هو النظم الرامز وليس غيره، وأشعر التنفس والارتياح عند ما أعبر عما يعتمل في خاطري من حب وعاطفة وهموم وطنية بالنظم. ورغم ذلك كله، لا أعتبر نفسي شاعراً بمعنى الكلمة إلا إن الظروف والمواقف تجعلني أحيانا شاعراً أو شبيهه.
شبكة القرن الإخباریة: سعادة السفیر كلمة أخیرة لشبكة القرن الإخباریة .
السفير عمر إدریس: لكم مني خالص الشكر، وأتمنى لشبكة القرن الإخباریة بكل
التوفیق والسداد، وتفضلوا بقبول فائق احترامي وتقديري وبارك الله في جهودكم ….. وشكرا جزیلا لكم.