تاريخ المقابلة 3 سيبتمبر 2024م ، حديقة السلام، مقديشو ، الصومال.
الدكتور عبد الشكور الشيخ حسن أحمد الفقيه، أكاديمي وخبير في مجال التربية والتعليم، كما أنه باحث ماهر، له العديد من الدراسات المنشورة في المجلّات المحكمة بجانب تأليفه عددا من الكتب التي لم تطبع بعد. ويعدّ الأستاذ الدكتور عبد الشكور الفقيه من الناشطين الكبار في مجال المجتمع المدني إذ أنه ساهم في بناء المؤسسات المدنيّة في الصومال في مرحلة الحرب الأهلية وغياب الدولة. كثيرا ما كان يشارك في التحليلات السياسية والثّقافية والاجتماعية وكذا الندوات العامة عبر الإذاعات والتلفزيونات ومنصات التواصل الاجتماعي. ويعرف في تحليلاته بأنه غيور على وطنه ينحاز دائما للمصالح العليا للأمة الصومالية في مواقفه.
لشبكة القرن الإخبارية شرف عظيم أن تلتقي بالأستاذ الدكتور: عبد الشكور الفقيه لتحاروه في قضايا عدة توثيقا للحقيقة ونشرا للمعلومة بل تعميما للفائدة. نحن سعداء كلّ السعادة أن نرحب به في رحاب نافدة الحوارات للشبكة.
آدم شيخ حسن: أوّلاً نرحّب بك سعادة الأستاذ الدكتور عبد الشكور الفقيه في شبكة القرن الإخبارية عبر حوار خاص نأمله أن يقدم معلومات ثرية قيمة لقرائنا الأفاضل أينما حلوا… وبعد التحية: هلا حدّثتنا قليلا عن سيرتكم الذاتية.
الأستاذ الدكتور: عبد الشكورالفقيه أولا: أشكركم على إتاحتكم لي هذه الفرصة الثمينة واهتمامكم لي عبر تسليط الضوء علي سيرتي الذاتية. اسمي عبد الشكور شيخ حسن أحمد الفقيه ولدت في قرية تغاري التابعة لمدينة قريولي وهي إحدي مقاطعات ولاية شبيلي السفلى، وذلك في عام1969 م، التحقت مبكرا “بالدكسي” أي الخلوة لتحفيظ القرآن في ضاحية القرية ووفقت – والحمد لله- في اتمام حفظ القرآن وأنا في سن مبكر، بعد أن تتلمذت أولا على يد خالي معلم مختار حسين علي – رحمه الله – والذي درّسني الهجاءة ثمّ الأجزاء الأول من القرآن الكريم ، وانتقلت بعدها إلى مدينة قريولي حيث درست الأجزاء المتبقّية علي يد المعلم يوسف الدارودي- رحمه الله – وختمت القرآن معه حفظا وترتيلا. أمّا المدرسة النظامية فقد انضممت إليها كذلك مبكّرا وفي سن السّادس من عمري، وكانت أولى محطتي التعليمية في ” المدرسة الأساسية في قريولي ” والتي كانت طاقتها الاستيعابية آنذاك 20 طالبا وطالبة فقط، ووفقت الدراسة فيها لانتقل منها مباشرة إلى مدينة “مركا” حاضرة إقليم شبيلي السفلى لدراسة الثانوية العامة. وبعد ذلك التحقت بالجامعة الوطنية الصومالية – قسم اللغة العربية وأدابها- في كلية الدراسات الإسلامية واللغة العربية وتخرجت فيها عام 1989م.
وفي عام 1992م، ذهبت إلى السّودان لمواصلة الدراسات العليا حيث بدأت دراسة الماجستير في معهد الخرطوم الدولي التابع للجامعة العربية وتخرجت فيه عام 1995م. بالنسبة لمرحلة الدكتوراه فقد حضّرتها في حامعة أمدرمان الإسلامية بالسودان في كلية التربية / قسم المناهج وطرق التدريس حيث ناقشت رسالتي التي كانت بعنوان: تطوير أساليب تدريس اللغة العربية في التعليم العام بالمدراس الصومالية ” وبتقدير الامتياز في عام 2006م.
أما مسيرتي المهنية فقد عملت في مجالات متعددة من التربية والتعليم والاستشارات الفنية والعلمية والأكاديمية، بجانب مشاركتي في العمل السياسي والمدني واذكر منها:
– عملت مدرسا في مدرسة “مجمع أم القري التعليمي النموذجي” والتي كانت أول مدرسة نموذجية أنشئت في ظل الحرب الأهلية في العاصمة الصومالية, وبإدارة هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية ، الأمر الذي أتاح فرصة إتمام المرحلة الثانوية ومواصلة مشوار التعليم للكثير من الطلاب الذين منعتهم الظرف الطارئة من ذلك. والجذير بالذكر هنا أن المنظمات العربية نشطت في الصومال منذ عام 1995م بدافع إنساني وأخوي لمساعدة الصومال ، حيث أقامت عددا من المرافق التعليمية ومدارس أهلية يجانب الإغاثة العاجلة. هذه المبادرات التي تبنتها تلك المنظمات الخيرية وفرت فرصا تعليمية بديلة لمئات الآلاف من الأطفال والشباب. وعلى الرغم من أنها قد وفرت الكثير للقطاع التعليمي إلا أنها لم تكن تعمل على تنسيق فيما بينها، وواجهت صعوبات كثيرة من أهمها: تعدد المناهج، عدم وجود سياسة تعليمية، تعدد الشهادات وعدم وجود اعتراف بها، قلة التعاون والتنسيق بين القائمين بالتعليم ، مما حملهم التفكير في تأسيس مظلة جامعة للمدارس الأهلية في الصومال، وقد تم تأسيسها فعلا في عام 1999م تحت مسمى رابطة التعليم النظام الأهلي في الصومال، هذه الرابطة نالت اعترافا كبيرا لشهادتها لدى الدول والجامعات في خارج الصومال .
ومن محطّة مجمع أم القري التعليمي النموذجي” انتقلت إلى محطة أخرى مهمة حيث شاركت في مبادرة تأسيس “جامعة مقديشو”في عام 1997م ، وكانت أول جامعة أسست بخصوص التعليم العالي والدراسات الجامعية. طبعا الحديث عن التعليم العالي وإرساء قواعد مؤسساته ما كان أمرا هينا في ذلك الحين , وكان من المستحيل في الظرف التي كانت تمر بها الصومال آنذاك تأسيس جامعة بحجم جامعة مقديشو، إذ كان الأمر يتطلب إمكانيات مادية هائلة بجانب استقطاب الكوادر المؤهلة للتعليم والإدارة ، ورغم كل الصعاب والتحدريات إلا أن العزم كان سيد الموقف ، حيث أسسنا الجامعة بعد إجراء دراسات مستفيضة في عام 1997م . عملت في الجامعة أستاذا وعميدا في كلية التربية وكان لي شرف المساهمة في تخريج جيل كامل من المعلّمين يتصدرون حاليا في مشهد التربية والتعليم في بلدنا الحبيب. وذلك ما بين عام 1997م إلى عام 2007م. ومن هنا انتقلت إلى مهمة أخرى ولبيت نداء أخرى للوطن حيث عيّنت وكيلا في وزارة التربية والتعليم العالي في الصومال منذ 2007م حتى 2010م. وفي عام 2017م تقلدت مرة أخرى وكالة الوزارة بغية تطوير قطاع التعليم العالي. ثم مديرا عاما لدائرة التعليم العالي والثقافة في وزارة التربية والتعليم. ومن المجالات التي عملت فيها أيضا مجال المجتمع المدني حيث تقلدت فيه مناصب كثيرة منها مسؤول الشؤون السياسية في المجتمع المدني في الصومال ومؤسسا لبعض المنظمات الطوعية والمراكز البحثيىة . كما عملت مستشارا في بعض مشاريع البنك الدولي والبرنامج الأنمايئ للأمم المتحدة UNDP .
أدم سيخ حسن: بناء على خبراتك في مجال التربية والتعليم نود أن نسألك عن واقع التعليم في الصومال والتحديات المحيطة به ؟
الأستاذ الدكتور : عبد الشكور الفقيه: تشهد الحالة التعليمية في الصومال في الآونة الأخيرة حالة من التدهور النسبي والضعف العام. وهو أمر لم تشهده من قبل حتي أثناء الحرب الأهلية، لذا يمكن وصفها بالحالة المزرية. تعاني مؤسسات الدولة عموما منذ ميلاد الدولة الصومالية بنسختها الثالثة في مؤتمر عرته ضعفا في الأداء، ويشمل هذا الضعف بطبيعة الحال المؤسسات التعليمية بشقيها الأساسي والتعليم العالي. ظل التعليم السائد في فترة ما بعد الحرب الأهلية التعليم الأهلي وقد استطاع تغطية الفراغ أثناء مرحلة الفوضي وغياب إدارة الدولة ، لكنه ظل كذلك بحاجة إلى دولة تعززه وتدعمه بل وتشاركه في تطوير أساليبه، وللأسف لم تقم الدولة الصومالية بما فيه الكفاية لتعزيز دور المؤسسات التعليمية أداء وسياسات، الأمر الذي انعكس سلبا علي أداء القطاع التعليمي ودوره المنشود في نهضة الأمة. إن التعليم الأهلي والمدارس الخاصة – في غياب الدولة- لعبت دورا رائدا. واسّست مدراس كثيرة وكذا جامعات أهلية ساهمت في تطوير المجتمع وتسديد حاجاته في التعليم العالي، لكن هذه الجامعات سرعان ما تضخّمت بعد ما كثرت الجامعات التي ترفع اللافتات فقط ولا تلتزم بمعايير التعليم العالي بل وصارت محل تنافس بين القبائل و العشائر، الأمر الذي أدى إلى هبوط مستويات المؤسسات التعليمية بشكل عام وأداء الجامعات بشكل خاص. وفي كل الأحول أعتقد أن التعليم عندنا بحاجة إلى من يعزّزه ويدعمه ليكون فاعلا ومساهما في نهضة الأمة ، وهذ بطبيعة الحال لا يتأتى إلا من خلال إضافة عنصر الجودة ووضع سياسات تعليمية صارمة وسن تشريعات ولوائح تضبط الموقف. ولتفادي هذه الحالة في قطاع التعليم يجب على الحكومة تنظيم قطاع التعليم ووضع أولوياتها في إصلاحه وإعادة ترتيبه، وذلك من خلال إنشاء هيئات تطوير جودة التعليم للمدارس التابعة للحكومة وكذلك الجامعات والمعاهد العليا في البلاد. صحيح أن الحكومة قد حاولت ومنذ 2012م إنشاء مدراس حكومية إلا أنها لم تقدم الكثير ولم تنجح في سد الفراغ ..
الجدير بالإشارة إليه هنا أن التعليم الأهلي رغم ما قدم من خدمات تعليمية مقدّرة إلا أن إدارة التعليم ظلت تسير بخطى عشوائية من حيث افتقارها للمقومات الأساسية التي ينبغي توافرها وذلك من قلة الإمكانيات المادية والمهنية، عدم وجود سياسة تعليمية وإستراتيجية وطنية, ضعف المنهج وقلة الكتاب المدرسي والمراجع، نقص سياسة إعداد وتدريب المعلمين، عدم وجود تخطيط تربوي مناسب، سوء أمن يتفاقم من حين لآخر، ونقص الأماكن والأبنية المدرسية.
أما التحديات: ليس هنالك أدنى شك بأن قطاع التعليم يعاني من تحديات جسام سواء كان ذلك علي المستوى الإتحادي أو الولأئي. ويمكن ان نلخصها بالأتي:
ا. إنعدام السياسات واللوائح المنظمة للتعليم العالي: إذ يتم التعامل حتي اللحظة باللوائح القديمة للتعليم العالي والمعمولة في عهد الرئيس سياد بري. والتي كانت لا تعترف إلا جامعة واحدة ” حيث كان يوجد في البلد أنذاك الجامعة الوطنية الصومالية فقط، نسبة لقلة السكان من جهة وكون التعليم العالي في مراحله الأول من جهة ثانية ” أما الأن فتوجد في الوطن جامعات كثر وإن كانت أعلبيتها أهلية لذا نحتاج إلى سياسات تعليمية جديدة تواكب متطلبات العصر الحديث، وتتجاوب كذلك التغيرات التي طرأت في البيئة التعليمية الجديدة في الصومال.
ب. انعدام تدريب المعلّمين: لا توفّر الدولة ولا المؤسسات التعليمية دورات تدريبية للمعملين، الأمر الذي يؤثر سلبا علي كفاءة المعّلم وتحسين أدائه في تعليم الطلاب. تأهيل المعلمين ورفع كفاءة مهاراتهم في التدريس والشرح أمر في غاية الأهمية. ويتطلب التعليم العصري تدريب المعلّمين على وسائل التكنولوجيا الحديثة، وتكييفهم على استخدام الطرق المتطورة في التعليم والأساليب الحديثة التي من شأنها أن تحسّن من جودة ومستوى التعليم وذلك من خلال الإعتماد على ميزانية مناسبة تكفي متطلبات الإنسان الصومالي للتزوّد من التكنولوجيا وما تحمل للإنسان من معارف وخبرات واتجاهات تمكّنه ملاحقة التغيرات السريعة والمستمرة في العالم كي لا يصبح غريبا في عالمه .
ج. غياب إستراتيجية قومية حول تدربب المعلمين علي المناهج: يعاتي القطاع التعليمي من مشكلة غياب إستراتيجية قومية تهدف إلى تدريب المعلمين على المناهح لضمان فهم المعلّمين المنهج بشكل جيد، مما يساعدهم على إيصال المعلومات للطلاب وبشكل فعال.
د. صعف المناهج : التي تدرّس حاليا في المدارس والجامعات ما زالت دون المستوي المطلوب لذلك هي بحاجة إلى التطوير والمراجعة كي تواكب متطلبات المرحلة الحالية. ويمكن أن نضيف في هذا المضمار التحديات اللافتة للنظر في الأونه الأخيرة المتمثّلة بكثرة الجامعات الأهلية والتي لا تخضع لمعايير دقيقة ولا لضوابط التعليم العالي المتعارف عليها عالميا.
أدم شيخ حسن: كنت ناشطا في مجال بناء السلام وحل الخلافات وإدارة الأزمات، ما رأيك عن المجتمع المدني والشراكة المنشودة بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني ؟
الأستاذ الدكتور: عبد الشكورالفقيه: بدأ المجتمع المدني في نسخته الأولى بمجموعات قليلة توحدت باسم INXA في مقديشو, ومن تلك المجموعات يمكن ذكر: جمعية إسماعيل جمعالي لحقوق الإنسان, وهيئة المصالحة الوطنية الصومالية وغيرهما من هيئات وجمعيات وأفراد, وكذلك كان هناك لفيف من رؤساء وأعيان القبائل. وبعد مؤتمر “عرتة” للمصالحة اتسعت رقعة المجتمع المدني وانضمت إليه مؤسسات مدنية كثيرة من جمعيات إنسانية محلية كثيرة وجامعات ومدارس وغيرها. وفي هذا الوقت تطورت إدارة المجتمع المدني وتحسنت ظروف اختيار قياداتها وإدارتها ورقابتها ودورها في دفاع الحقوق المدنية بصورة جيدة.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لم يعد المجتمع المدني في الصومال بالوعي الذي تعمل عليه مؤسسات المجتمع المدني في الدول المتحضّرة، ومرد ذلك عدم إدراك المجتمع لأهميته، وأنه رديف للدولة يشاركها في بناء الدولة وتصويب مؤسساتها وتوجيها نحو أداء فاعل غايته خلق مجتمع مزدهر. يعدّ المجتمع المدني من التنظيمات القديمة التي بدأت نشاطها مع بداية حركة الأحزاب السياسية في الصومال ليصل إلى مرحلة الازدهار في العهد المدني للدولة “1960-1969م ” حيث الحريات كانت متاحة، ولكن ضعف نشاطه مع قدوم العهد العسكري الفترة مابين 1969، – 1991م. الجدير بالذكر في هذا السياق أن منظمات المجتمع المدني استانفت نشاطها في مرحلة الحرب الأهلية أي ما بعد عام 1991م ، واستطاع أن يسد فراغ الدولة في مجالات حيوية مثل التعليم وتنشيط المنظمات الطوعية في مجالات الإغاثة والتعليم والصحة، كما كان له الفضل في بناء السلام وتبنّي منهج المصالحة الوطنية لرأب الصدع بين الأشقاء المنتاحرين. ولا شك أنه قد قدّم الكثير للمجتمع الصومالي سواء كان ذلك في مسيرة بناء الدولة أو في مسارات بناء السلام وتعزيز السّلم الأهلي ولكني أعتقد أنه بداء يضعف تدريجيا مع تعافي مؤسّسات الدولة ، الأمر الذي يحتّم عليه أن ينظّم صفوفه من جديد، ويجب التركيز في المقام الأول خلق نقابات مهنية تمثل المجتمع المدني. وإذا نظرت اليوم إلى الحالة الصومالية لا توجد نقابات مهنية محترفة وإن وجدت فهي مجرّد لافتات ترفع من أجل استقطاب الدّعم الإنساني والدولي لقوالبها، ويالتالي فهي لا ترتقي إلى مستوي النقابات المهنية المتخصصة.
آدم شيخ حسن : وماذا عن الشراكة ؟
الأستاذ الدكتور: عبد الشكور الفقيه: أما الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني فهو أمر ضروري للجانبين ، إذ لا تستطيع الدولة أن تقدم كل الخدمات بمفردها، ولا تستطيع المؤسسات المدنية ان تنجز الكثير وبمعزل عن دعم الدولة لها ومساندتها. وبالتالي أرى أنه من الأهمية بمكان تطوير مؤسسات المجتمع المدني وتنظيمها بشكل جيد لتكون مؤهلا للشراكة مع الدولة وثم محاسبتها وتوجيها نحو الأداء الأفضل. وفي هذا السياق أريد أن أشير إلى أن النقابات المهنية استأنفت أعمالها في عام 1998م بعد نكبة الحرب ولكنها ما زالت هشّة لذا من الأفضل فرزها أولا وثم وضع سياسات منظمة لها وتقويتها من قبل الدولة لأنها هي الحجر الأساس في إيجاد مجتمع مدني فاعل. إضافة إلى إنشاء نقابات مهنية حقيقية معترفة من قبل الدولة تعمل معها جنبا إلي جنب.
آدم شيخ حسن: سمعنا كثيرا أنك مهتمّ بتاريخ مقديشو وثقافتها فهلا حدثتنا عن مقديشو وما دونت عنها من تاريخ؟
الأستاذ الدكتور عبد الشكور الفقيه: نعم تتبعت أخبار مقديشو ماضيها وحاضرها وهي فعلا مدينة تاريخية عريقة تستحق التأمل و الدراسة، ولكنها قد شهدت حربا أهلية طاحنة لم يسبق لها في تاريخها منذ تأسبسها قبل 3000 سنة, وهذا هو مربط الفرس. وقد كتبت عنها رواية أدبية بعنوان Igaarkey Ishaada a korrayso” ومعناها بالعربية “يا إبني كن مننبها واحذر دائما” تجسد الرواية معاناة الحرب الأهلية. وتدور المحكية الروائية حول سلوكيات الحرب بين السّكان الأصليين والمليشيات القادمة من الريف والبادية من خلال الفلكور الشعبي، وما أفرز ذلك من أوضاع جديدة في المجتمع البنادري بشكل خاص والمجتمع الصومالي بشكل عام، علما أن مرحلة الفوضى وغياب الدولة قد أحدث في ثقافة المجتمع سلوكيات غربية ننيجة الحرب الأهلية والصراعات القبلية والعشائرية. وأومن جازما أن ما كتب عن مقديشو ما زال يسيرا حتى الآن لا يليق بمقامها، لذا هي بحاجة إلى تدوين تاريخها وإعادة كتابتها من جديد، لا سيما الجزء المتّصل بتاريخ فترة الاستعمار الإيطالي وثقافة المجتمع في تلك الحقبة بجانب التركيز على السّلوكيات التي سادت أنذاك في المجتمع فهي مرحلة خصبة إذ ظلت مقديشو مركز الإدارة الإيطالية وكذا مدينتي جوهر وجنالي.
آدم شيخ حسن: كيف تقّيم الأوضاع في عهد الريئس الحالي حسن شيخ محمود ؟
الأستاذ الدكتور عبد الشكور الفقيه : حققت الصومال جملة من الإنجازات بعد الانتخابات التي فاز بها الرئيس الحالي : حسن شيخ محمود في صيف 2022م، وأهما تحسين العلاقات الدبلوماسية مع الدول المهمة في العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الجوار والدول العربية والإفريقية وكذا المنظمات الدولية من الإتحاد الأروبي والإتحاد الإفريقي …..الخ . لذا نستطيع القول بأن الحكومة قد أنجزت الكثير في ملف العلاقات الخارجية واكتسبت خلال فترة وجيزة أصدقاء مهمّين تتقدمهم الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا ودول أخرى كثيرة . كما استطاعت أن تعيد الكثير من العلاقات التي توترت بيننا وبين الدول الأخرى في عهد الرئيس فرماجو إلى مجاريها الطبيعية. أما المسار الأمني فقد حاربت الدولة حركة الشباب المتطرّفة وحررت أجزاء شاسعة من أراضي الدولة إلا أن المرحلة المقبلة ما زالت بحاجة إلى جهود متكاتفة بين الشعب والدولة لتحقيق مزيد من التقدم في المجال الأمني . وأعتقد أن الحكومة إذا استمرت على نفس المنوال والحماس فمن شان ذلك أن يحقق الكثير للأمة، ونحن نشيدها ونؤيدها. هذا كله بجانب إنجازات إعفاء الديون عن الدولة والانضمام إلى تكتل شرق إفريقيا وهي مجموعة تجارية مهمة في القارة السمراء. لكني أخذ على الحكومة الصومالية في ملف إدارة انتخابات الولايات حيث ربطت إجراء انتخابات الولايات بالنموذج المستحدث في الانتخابات العامة المقبلة وهو في تقديري نموذج ما زال في قيد التصميم والإعداد، وقد يتعرّص لإهتزات تقتصيه المرحلة والواقع السياسي المتحرك في ديناميات الصراع على السلطة، لذا كان من الأفصل إجراء الانتخابات الولائية في مواعيدها لأسباب منها : أن القيادات في حكومات الولايات انتهت شرعيتها الدستورية، وهذا التمديد الحاصل يخالف الدستور نصا وروحا ، الامر الذي من شانه أن يمهد إلي حدوث صراعات جديدة في المجتمعات المحلّية. ويمكن أن نضيف الاحتقانات التي هي بسبب التمديد بين المكونات المختلفة للمجتمع إلى تلك الأسباب.
آدم شيخ حسن: طالما أنت سياسي من جنوب غرب الصومال وقد تطرقت إلى مسألة التمديد ، دعنا نسألك عن رئيس ولاية جنوب غرب الصومال والذي يدخل عامه الثالث بعد انتهاء ولايته الدستورية؟
الأستاذ الدكتور عبد الشكور الفقيه: انتهت ولاية الرئيس “السيد عبد العزيز لفتي جرين” في ولاية جنوب غرب الصومال منذ فترة ، وكان من المفترض أن تقام الانتخابات في موعدها ، ولكنه قد استفاد من اتفاقية التمديد للولايات بين الحكومة وإدارات الولايات تحت مظلة ” منتدي التشاورالوطني” والمنتدي ليس جسما أو هيئة قانونية لها الحق في البت في قضايا مصيرية أو دستورية، وإنما هي مؤسسة استشارية تعمل على مقاربة الأفكار بين المركز والولايات ، لهذا تعاني منطقة جنوب غرب الصومال من اضطرابات أمنية وسياسية . الجدير بالإشارة إليه هنا أن النحب في مجتمع الجنوب الغربي قد وضحت مواقفها مرارا وتكرار عبر خطابات رسمية موجهة للدولة وعبر مؤتمرات صحفية عقدها ناشطون من المنطقة ، إضافة إلى عشرات اللقاءات التي تنظمها المعارضة بشكل يومي – وللأسف – لا الحكومة المركزية ولا الولائية التي اتتهت مدة ولايتها منذ أعوام قد استمعت إليهم ، لذلك نرى أن الصراعات المحلية بدأت تزداد في كل مكان في ولاية جنوب غرب الصومال ، وخاصة ولاية شبيلي السفلي والتي لها القدح المعّلي في الأزمات المفتعلة من إدارة الرئيس المنتهية ولايته. إن إجراء الانتخابات في ولاية جنوب غرب الصومال أمر لا بد منه. الحكومة الحالية يجب أن تتدارك الأمور ولا تتذرّع بتوحيد الأنتخابات في مسألة التمديد. والمصالحة التي عقدتها الحكومة بين إدارة الولاية والمعارضة وبإشراف من الرئيس حسن شيخ محمود قد لفظت أنفاسها الأخيرة ولن تستمر إلى الأبد إن لم تصاحبها أجندات تصالحية مستمرّة تخدم للمصالح العليا للمنطقة، وبالعكس ربما تتطوّر الأمور إلي مواجهات مسلحة إن لم يتم تسوية الملف بشكل جدي لا يستبعد فيه أحد.
آدم شيخ حسن:سعادة الأستاذ الدكتور تنحدر من أسرة صوفية عريقة ” أل الشيخ أحمد فقيه ” الييت الصالحي المشهور في ضواحي قريولي ” قرية تغاري ” ، هل ما زالت الطريقة بخير أم أنها تأثرت بالحروب الأيدلوجية والعشائرية ؟
الأستاذ الدكتور عبد الشكور الفقيه: نعم طريقتنا ما زالت بخير ، وكما ذكرت فهي تنتمي إلى الطريقة الصالجية الرشيدية الأحمدية . وتعد الطريقة الصالحية عموما من التيارات الصوفية المعتدلة بل إنها من التنظيمات الأكثر تمسكا بالكتاب والسنة داخل الطرق الصوفية. ولعل الفضل يعود إلى مؤسّسها الذي ننتسب إليه مولاتا أحمد بن ادربس المجدد الإصلاحي الفاسي المغربي والذي أحيا العالم الإسلامي بالتجديد وروح مقاومة الاستعمار والتزود من الكتاب والسنة في رحلة الجهاد في سبيل الله. أما طريقتنا في ” قرية تغاري ” في ضواحي مدينة قريولي فهي ما زالت بخير . لا شك أن أنشطتها قد تأثرت بالحروب التي حدثت في الصومال سواء كانت قبلية أو فكرية أيدلوجية. ومع ذلك مازالت تقدّم الكثير للمجتمع دعوة وإصلاحا وتربية وتعميرا . أسسها الشيخ أحمد فقيه جدي – رحمه الله تعالي رحمة واسعة- في فترة كانت المنطقة إلى حاجة ماسّة للتغيير والإصلاح 1921م ومنذ ذلك الوقت إلى الان لا تزال صامدة تقدم الخير للناس وتحيي شعائر الإسلام في المنطقة. يتولّى أمرها حاليا السيخ : عبد السلام شيخ أحمد فقيه وأنا أساعده في إدارة أمور الطريقة والإفتاء لها وتعمير أرضها، لذا أنا أعدّ نفسي من مشائخ الطريقة الصالحية في المنطقة أسوة بأجدادي العلماء والذين لم ينشغلو بأمور الدنيا إلا وازدادت صلتهم بالطريقة صلابة ومتانة.
آدم شيخ حسن : نشكرك سعادة الأستاذ الدكتور على هذه الفرصة الطيبة ، كلمة أخيرة للقراء ؟
الأستاذ الدكتور عبد الشكورالفقيه: أشكركم على هذ اللقاء الطيب وأتمنى أن يضيف شيئا لمتابعي موقعكم وصفحاتكم في وسائل التواصل الاجتماعي.