تعريف الحبشة والأحباش
طالما قررنا في الحلقة الماضية بأننا سوف نقوم بكتابة تاريخ منطقة القرن الإفريقي – المعروفة في المصادر العربية بالحبشة – وحضارتها في العصور القديمة والإسلامية، من خلال تتبع ما ورد في التراث العربي المكتوب، يجدر بنا أولاً أن نقوم بتعريف لفظة الحبشة والحبش من حيث اللغة، وقد ورد في المعاجم اللغوية بتعريفات متقاربة حول لفظة الحبشة والحبش، فالأخير ذكر ابن المنظور في كتابه لسان العرب ” أن: الحبش جنس من السودان، وهم الأحبش والحبشان مثل حمل وحملان. ويقال أحبشت المرأة بولدها، إذا جاءت به حبشي اللون”. 1
وأما لفظة الحبشة فقد أشار الجوهري إلى أنّ الحبشة من التحابش أي التجمع… أي بمعنى تجمع القوم ولو اختلفت أجناسهم. 2
وهناك لفظة ” الأحابيش، وتعني تحالف قبلي مكون كل من بني المصطلق، والحيا بن عمرو، وبني الهون بن خزيمة، اجتمع هؤلاء بذنب حُبشي – وهو جبل بأسفل مكة – وتحالفوا بالله: ” إنا ليدٌ على غيرنا ما سجى ليل، ووضح نهار، وما رسا حبشي مكانه “، فسموا ” أحابيش “، باسم الجبل. والتجمع في كلام العرب هو التحبش، مثل هؤلاء الذين اجتمعوا. 3
والحبشة هم ولد كوش بن حام بن نوح عليه السلام، ويقال لهم حبش بفتح الحاء والباء، وحٌبْش بضم الحاء وسكون الباء. 4
ومن ناحية أخرى يزعم البعض بأن أصل الحبش جاء من منطقة في غرب اليمن ولا سيما من سفوح الجبال، علماً أنّ في اليمن جبل يسمى جبل (حُبَيْش)، قد تكون لاسمه صلة بالحبش الذين هاجروا إلى إفريقية وأطلقوا اسمهم على الأرض الذي عرفت باسمهم، أي (حبشت) أو الحبشة. ويرون أيضاً أن الجعز أو جعيزان كما يدعون كذلك، وهو من أصل عربي جنبي، هاجر إلى الحبشة وكوّن مملكة هناك. وإلى هؤلاء نسبت لغة الحبش، حيث عرفت بالجعزية ، أي لغة الجعز. 5
وذكر الهمداني في كتابته صفة الجزيرة العرب لفظة حبشة تعني على أنها مجموعة من الناس يقطنون ما بين خط الاستواء، ووسط الحجاز وما بينهم شرقاً وغرباً.6 وهناك من يقول إن كلمة الحبشة نسبة إلى قبيلة حبشت اليمنية التي سكنت الجزء الشمالي من الهضبة الحبشية منذ وقت مبكر، ومع مرور الوقت توسعت في تلك الأراضي حتى عرفت باسمهم.7
وعلى العموم فإنّ اسم الحبشة من المصطلحات الحضارية التي كان يستخدم المؤرخون والأخباريون المسلمون في العصور الوسطى، بحيث نجد في المصادر التاريخية والأدبية كثيراً عند الحديث عن المنطقة التي يعرف اليوم بالقرن الإفريقي. أما لقب الحبشي أو الأحباش نسبة إلى بلاد الحبشة المعروفة جغرافياً والتي تقع على الجانب الجنوبي من البحر الأحمر، مقابل بلاد اليمن كما ذكر ذلك المسعودي.8
ويقول المقريزي: ” وبلاد الحبشة واسعة جداً أولها من الشرق المائل إلى الشمال بحر الهند واليمن، وفيها يمرّ نهر حلو يقال له سيحون يرفد نيل مصر. وآخرها الجهة الغربية إلى بلاد التكرور مما يلي اليمن، فأولها مفازة بمكان يسمى وادي بركة، يتوصل منه إلى سيحون. 9
ومهما يكن فإنّ الحبشة منطقة مهمة كان لها الأثر البارز في البناء الحضاري في المنطقة وعند العرب منذ فترات موغلة بالقدم. ونظراً إلى القرب المكاني بين الحبشة واليمن أسهم ذلك في أحداث الاندماج والتلاقح التاريخي بين المنطقتين قديماً.
أما أقدم ما ورد لفظة حبشت حسب ما يذكر بعض الباحثين هو ما ورد في نقش يرجع إلى حوالي القرن الأول قبل الميلاد وبالتحديد إلى عهد الملك السبئي علهان نهفان الذي حكم في النصف الأول من القرن الأول قبل الميلاد.10
الهوامش
[1] – ابن منظور، أبو الفضل محمد مكرم بن عليّ جمال الدين الإفريقي: لسان العرب، اعتنى أمين محمد عبد الوهاب، ومحمد الصادق العبيدي، دار صادر بيروت، لبنان، الجزء 6 ص278.
2- الجوهري، إسماعيل بن حماد: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت ط/2، عام 1399/1979م، 3/999.
3 – انظر ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276هـ): المعارف، المصدر السابق، ص 616.
4 – المقزيزي، تقي الدين أحمد بن علي (ت 845هـ): درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة، المصدر السابق، 1/388.
5 – جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، المرجع سابق، 3/ 449.
6- الهمداني، الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني: صفة جزيرة العرب، تحقيق محمد بن علي الأكوع، دار الأداب، بيروت- لبنان، ط/3، عام 1403هـ، ص 66؛ وانظر عبد المعطي: المصدر السابق ص 37.
7 – عبد المجيد عابدين: بين الحبشة والعرب؛ القاهرة، سنة 1953م.، ص 12.
8 – المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي (ت 346هـ): مروج الدهب في معادن الجوهر اعتنى هذه الطبعة كمال حسن مرعي، المكتبة العصرية، بيروت، ط/1، 1425هـ/2005م، 2/15.
9- المقزيزي، تقي الدين أحمد بن علي (ت 845هـ): درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة، تحقيق الدكتور محمود الجليلي، دار الغرب الإسلامي، ط/1، عام 1423هـ/ 2002م، بيروت، 1/387
10- عبد المعطي بن محمد عبد المعطي سمسم: العلاقات بين شبه الجزيرة العربية والحبشة منذ القرن السادس ق.م.، وحتى نهاية العهد الحبشي باليمن، رسالة ماجستير في التاريخ القديم من قسم الدراسات العليا التاريخية والحضارية ، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى بمكة المكرمة، السعودية، عام 1410ه، ص 35.
