التاريخ عبرة لأولي الأبصار، ومرآة للحاضر والمستقبل، وكفة يوزن بأعمال الأشخاص والأمم، وهو لا يرحم يبدي المساوي والمحاسن على السواء….ذلك لما هو متفق عليه بين فلاسفة التاريخ، ولكنا استهلنا لمقالنا هذا لأن نضع الصومال في كفة التاريخ ونكوّن له شخصية مستقبلية من مرآة التاريخ؛ حيث نناقش في هذه الجزئية نبذة قصيرة عن لمحات منطقتين مشهورتين في العالم ولكنهما مختلفتان من حيث التأثير وهما: الخليج العربي واليابان.
أولاً: الخليج العربي
يتكون الخليج العربي من ست دول عربية غنية بالنفط، وكان يعرف فيما قبل القرن العشرين (الحجاز+عمان)، وكان يدار من قبل الدولة العثمانية عن طريق أسرات أو ولاة تابعين للدولة العثمانية. كان الغرب في تلك الفترة مشغولا في كشف خيرات المنطقة حيث أرسل علماء مختصين بمختلف فنون المعرفة لدراسة موارد المنطقة – بشرية كانت أم مادية- وقدمت تلك الدراسات إلى الدول الغربية واطمأنت الدول الغربية بما تعج المنطقة من خيرات، ولكنها كانت هاجسة من الدولة العثمانية التي كانت إمبراطورية تحكم –فعليا كان أم اسميا- العالم الإسلامي؛ لذلك أيدت الدول الغربية الأسرات التي كانت تحكم في بعض المناطق وأعزت التوسع إلى المناطق المجاورة ما أمكن لها ذلك…..وذلك لتفصل هذه المنطقة من جسمها الكلي-الخلافة الإسلامية- ولتكوّن كانتونات – مقاطعات – مستقلة عن بعضها البعض.
مهما كانت الظروف، فبعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) برزت إلى الساحة اتفاقية (سايكس-بيكو)والتي رسمت الخارطة الحالية للعالم العربي….حيث خرجت المنطقة كلها من عباءة الخلافة العثمانية ضعيفة هشة في بنيتها السياسية والاقتصادية والأمنية، وخاصة الخليج العربي والذي كان مقسما إلى عدة مقاطعات غنية بالبترول، ولكنها ضعيفة من حيث مواردها البشرية -عدا السعودية- وبحاجة ماسة إلى سند قوي للدفاع عنها من العدو الخارجي- سواء كان ذلك من أخوانها الخليجيين أم من الجيران العربي الإسلامي، ولكن من أين ذلك السند القوي الحميم؟ حيث طرد من ذي قبل الدولة العثمانية والجيران هو العدو………أصبح السند الحميم هو الغرب والذي استخرج البترول وأخذ أكبر حصة منه، وجعل القسم الأكبر من الباقي مؤتمنا ومستودعا في بنوكه بالغرب يستخدمه متى ما شاء وكيفما شاء، فأصبح الخليج لا يقدر النفع لنفسه ناهيك عن غيره………ولكن أين اليابان من ذلك…..؟
ثانياً، اليابان
اليابان جزيرة في المحيط الهادي ليست فيها أنهار جارية ولا أراضي خصبة ولا آبار بترولية ولا المعادن….بكل ما فيها من حيث الطبيعة هو الثروة السمكية، ولكن لها المورد البشري الفعال….تقع اليابان شرق العالم (لذلك تسمي نفسها بلاد الشمس المشرقة) وكانت مستهدفة من قبل الغرب فيما بعد القرن الثامن عشر، ولتفتيت شملها حرضها بالجيران لتضعف، ومن ثم تقسيمها وتمزيقها ولكن شيئا من ذلك القبيل لم يحدث – وإن كانت اليابان تدخل في بعض المرات حروبا إقليمية إلا أنها لم تستنزف.
مهما يكن الأمر فإن اليابان أصبحت من القوى المعتبرة في الشرق الأقصى في القرن العشرين مما جعلها تصطدم مع مصالح الغرب في الشرق، وعند ما اندلعت الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) انضمت اليابان إلى جانب دول الوسط -المحور- بقيادة ألمانيا، وحققت في الوهلة الأولى مكاسب أرضية في المشرق، ولكن بهزيمة الوسط هُزمت اليابان وبصورة مروعة حيث استخدمت فيها القنابل الذرية الحديثة الصنع آنذاك، والتي جعلت سكان مدينتي (نغازاكي وهيروشيما) أشباح الموتى ودُمرتا كاملا، وسيطر الحلفاء – الأمريكان- اليابان، وهكذا خرجت اليابان من الحرب ذليلة محرومة من التسليح………ولكن ما ذا حدث بعد ذلك؟…نفضت اليابان نفسها من غبار الحرب وعار الهزيمة، وعملت جاهدة في مجال التكنولوجيا وأصبحت رائدة في ذلك المجال بمختلف مناحيه، وذلك ما يشهده الداني والقاصي.
وفي نهاية المطاف فدولة الصومال (أو ما يسمى بالصومال الكبير) التي قسمها الاستعمار إلى خمسة أجزاء قي القرن المنصرم، ونال الحرية منها جزءان من الأجزاء الخمسة (الصومال البريطاني والصومال الإيطالي)، وبقيت الأجزاء الثلاثة الأخرى تحت الاستعمار إلى أن نالت دولة جيبوتي حريتها في 1977م بينما بقيت المناطق الأخرى تابعة للدول المجاورة التي أهدى لها الاستعمار.
هذا وقد انهار الحكم المركزي لجمهورية الصومال في عام 1991م، وكان الصومال منذ العقود الثلاثة الماضية في تطورات متلاحقة في منعطف تطور يبدأ آخر، وتشهد اليوم تطورين هامين: أولهما: تطرف الإرهاب الذي يستخدم الإسلام كشماعة. وثانيهما: تطرف الفيدرالية القبلية…يوازيهما سعي الغرب الحثيث إلى استخراج خيرات البلاد.
وخلاصة القول هي هل يخرج الصومال من تيهه هذا كما خرج الإخوة الخليجيون، أم يكون ناجحا في لعبة الشطرنج ويربح المعركة الأخيرة….؟ ذلك ما ستنبأه الأيام القادمة.