في إطار اهتمام الخليفة عبد القادر معلم نور– خليفة الطريقة القادرية في الصومال، ومدير عام مؤسسة معلم نور الخيرية، ورئيس مجلس أمناء جامعة الإمام الشافعي بالصومال- في إطار اهتمامه بإثراء تجربة رواد التصوف والتجديد الإسلامي في الصومال، مع إشارة خاصة لجهود العالم الرباني معلم نور محمد زياد- عقدت جامعة الإمام الشافعي بالصومال المؤتمر الدولي العلمي الأول بعنوان “مؤتمر التراث والتجديد حول الأثر التعليمي والدعوي والاجتماعي والتنموي لخادم القرآن الكريم معلم نور محمد زياد طيب الله ثراه”، إنعقد المؤتمر في مقديشو عاصمة جمهورية الصومال في يومي 27- 28 فبراير 2022م . أفيمت أعمال المؤتمرفي جو من التفاعل والتلاقح الفكري بين المشاركين ، حيث طرحت خلاله أكثر من 12 ورقة علمية، تناولت الإرث الحضاري والثقافي للمفكر الإسلامي الراحل المقيم معلم نور محمد زياد. وذلك توثيقا للجهود الكبيرة التي قام بها معلم نور، وما تركه من آثار جليلة، وما قام به خليفته من إضافات مقدرة في مواصلة دربه، وفق مطلوبات العصر والحداثة، وعليه تم اختيار التراث والتجديد شعاراً للمؤتمر.
وقد شهد المؤتمر نجاحا كبيرا حيث كان مميزا من ناحية الإعداد والتنظيم والإخراج، وتزامن إنعقاده احتفاء بالذكرى السنوية لحولية الشيخين الجليلين معلم بيمالو ومعلم نور. كما تزامن المؤتمر أيضا فعاليات احتفال مؤسسة معلم نور بمرور 80 عاما على تأسيسها ( 1942-2022)، 80 عاما من العطاء المستمر والمتجدد. وليس أدل على ذلك تنظيم أعمال المؤتمر في حرم جامعة الإمام الشافعي بالصومال، تلك الجامعة العريقة مضمونا ومباني.
لقد شارك في هذا المؤتمر ثلة من العلماء والمفكرين والدعاة من داخل الصومال وخارجه، لعرض ومناقشة الآثار التعليمية والدعوية والاجتماعية والتنموية للمفكر الإسلامي الملهم في خدمة القرآن الكريم في الصومال معلم محمد زياد طيب الله ثراه. كما تزين المؤتمر بتشريف المؤسسات الرسمية (الحكومة الصومالية بمختلف مستوياتها)، والشعبية (المنظمات والعلماء ومشائخ الطرق الصوفية والجامعات الأهلية). بالإضافة إلى الأساتذة والباحثين وبعض المعاصرين لمعلم نور، ممن تتلمذوا على يديه أو استمعوا إليه، قامات علمية من الداخل الصومالي ومن خارجه، إضافة إلى باحثين وأكاديميين.
ولد معلم نور محمد زياد نور عام 1921م في منطقة حرر طيري، وكان ملهما في أعمال الخير والبر والإحسان منذ صغره، ووهب كل عمره في سبيل خدمة القرآن الكريم، حتى لقب بناشر دغسي القران الكريم في الصومال.
لم يكن معلم نور شخصاً عادياً، يفكر كبقية أقرانه في زمانه، بل كان يحمل هم الفكر لمشروعه، الذي لازمه منذ ميلاده، وحتى لقي الله هاديا مطمئنا راضيا بملاقاة ربه، حاملا معه المصحف الشريف.
لا شك أنّ معلم نور محمد زياد قد أحدث تحولاً في الطريقة القادرية في الصومال، فور توليه الخلافة من معلم بيمالو عام 1950م. وقد صادف ذلك تحولات العالم في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية 1945م، فإذا ما تمّ ربط ذلك بتأسيس معلم نور لفكرة “الدغسي” 1942م، كسرّ من أسرار العمل الدعوي، الذي تضمن وسائل وأساليب ومناهج دعوية- كانت يحتاجها الصومال في هذه الحقبة وما بعدها، إذ أن الصومال جزء لا يتجزأ من موجات حركات التحرر الإفريقية. وهذا ما جعل جهود معلم نور ترتبط بترقية، وتحسين العقل الصومالي، خاصة لأجيال ما بعد الاستقلال، وصعود المد الاشتراكي، الذي توهج في عهد سياد بري 1969-1991م. وهنا ركّز وتعزّز دوره في الدعوة، وتثبيت جذور الثقافة الإسلامية، متخذا من الدغسي مراكز مترابطة، رأسياً وأفقياً- أدّت دوريْ: التجذر والتحلق للعقل الإسلامي في الصومال بامتياز إلى يومنا هذا؛ وهذا ما ميّزه عن بقية الطرق والجماعات الأخرى في الصومال.
وبجانب دوره التعليمي والدعوي- اهتم معلم نور بتطوير العمل الخيري والطوعي، الداعم لشرائح الفقراء؛ وذلك تزامناً واستجابة لمطلوبات الأوضاع الصومالية، جراء الحرب وموجات الجفاف، التي ضربت الصومال، فأصبحت كل موالع معلم نور في المدن والقرى الصومالية، عبارة عن ملذات آمنة، حققت ومثلت أروع مشاريع الاستقرار المجتمعي والاندماج والتعايش الأهلي. وذلك خلال مسيرة حافلة امتدت لحوالي 67 عاماً (1942-2009م)، لتبدأ مسيرة وحقبة جديدة، بانتقال الخلافة إلى ابنه الخليفة عبد القادر معلم نور عام 2009م، في ظل ظروف بالغة التعقيد، وكأنها التاريخ يعيد نفسه، عند المقارنة بينه وبين والده معلم نور محمد زياد، الذي تولى الخلافة في ظروف تداعيات الحرب العالمية الثانية، بينما تولاها الخليفة عبد القادر معلم نور، في ظروف تداعيات انهيار الدولة الصومالية، ولحظة البحث عن الدولة نفسها. وتزامن خلافته مع البدايات الأولى لآخر حكومة صومالية انتقالية، برئاسة شريف شيخ أحمد في نفس تاريخ خلافته 2009م. هذا، بالإضافة لتزامن خلافته لمواجهات تصاعد نفوذ حركة الشباب المجاهدين، في مواجهة عسكرية مسلحة، تعدّ هي الأولى من نوعها بالنسبة للطرق الصوفية، تحدثت عنها الفضائيات العالمية، فما أشبه الليلة بالبارحة!
ولعل هذه الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية والاقليمية والدولية المنعكسة على الصومال- وضعت الخليفة عبد القادر معلم نور، أمام محددات وتحديات، تختلف كلياً وجوهرياً عن مساق ومسار والده معلم نور محمد زياد؛ متبنياً شعار الدعوة فريضة شرعية، وضرورة بشرية في إطار الجمع ما بين الأصالة والمعاصرة، محافظاً على تقاليد وموروثات والده معلم نور، ومواكباً لعجلة مطلوبات الحداثة والعولمة، مبتدأً بالمؤسسات التعليمية الحديثة في كافة المستويات التعليم الأساسي والثانوي والتعليم العالي والدراسات العليا، وما جامعة الإمام الشافعي إلا إحدى أيقونات الريادة لمؤسسة معلم نور الخيرية، لإنتاج عقل صومالي عارف بقيم دينه ووطنه، ومواكب لكل طفرات العلوم الحديثة. كما قام أيضاً بإحداث طفرة نوعية، وكيفية في موالع (زوايا) الطريقة القادرية في المدن والقرى، وخير شاهد على ذلك مولع معلم نور بمقديشو، الذي يعدّ قبلة لأهل التصوف والعلماء والساسة وزعامات العشائر والقبائل، كأكبر منتدى شامل يعكس وحدة واندماج وتعايش المجتمع الصومالي، عوامه ونخبه، صغاره وكباره، رجاله ونساءه، فقراءه وأغنياءه ضارباً بذلك نموذجاً صوفياً في الأصالة والمعاصرة .