التقت شبكة القرن الإخبارية الدكتور/ محمد مايمون الجزائري والمدرّب الدولي على هامش مؤتمر العلمي الثاني” 19- 20 أكتوبر ” والمنظّم من قبل مركز المقاصد للبحوث والدراسات في مقديشو لتجري معه حوارا شاملا في زياراته المتكررة في الصومال والتدريبات التي يقدمها في الصومال، والجهات المستفيدة من التدريب، إضافة إلى انطباعاته إزاء التطورات النسبية الحاصلة في الصومال.
القرن الإخبارية: في البدء نرحب بك في هذا الحوار الذي نتمنى أن يضيف معلومات قيمة للقاري العربي والصومالي على حد سواء.
د. محمد مايمون: أشكركم على إتاحتي لهذه الفرصة الثمينة، وأنا سعيد جدا أن أردّ على أسئلتكم في هذا الحوار، وأودّ أن أحيي أولا شبكة القرن الإخبارية والقائمين على أمرها، كما أرسل التحية الطيبة للقراء أينما كانوا، والتحية موصولة كذلك للشعب الصومالي العظيم.
القرن الإخبارية: متى زرت الصومال لأول مرّة؟
د. محمد مايمون: تشرّفت بزيارة الصومال لأول مرة في نهاية شهر مارس/ أذار 2013م، وكانت بالتنسيق مع مركز” آفاق للتدريب والتطوير” وبهدف تنفيذ برنامج تدريبي ضمن مشروع سفراء التنمية العالمي. ثم زرت بعد ذلك مقديشو و هرجيسا في شهر ديسمبر 2019، كما تشرّفت بزيارة مقديشو للمرة الثالثة في شهر أكتوبر 2022م.
القرن الإخبارية: باعتبارك مدرّبا دوليا، ما هي الدورات التي تقدّمها في الصومال؟
د. محمد مايمون: مجال تخصصي له علاقة بالإدارة والقيادة والتخطيط الإستراتيجي، وكانت الدورات التي قدمتها في الزيارات الثلاث لها علاقة بهذا المجال، وأعتقد بأن النخب الصومالية في حاجة إلى برامج تهدف إلى بناء الإنسان المسلّح بالعلم والمعرفة، الأمر الذي يمكنه بعد ذلك العمل على بناء الوطن في كل المجالات. وقد اكتشفت بأن المواطن الصومالي عموما يتميّز بمهارات قيادية عالية، وله طموحات كبيرة، ويمتلك قدرات فائقة على صناعة المستقبل المشرق لبلده الصومال، وقد ظهر لي ذلك جليا خلال العشر سنوات الماضية التي احتكيت فيها كثيرا مع المجتمع الصومالي بمختلف فئاته.
القرن الإخبارية: من هي الفئة المستفيدة من التدريبات التي تقدمها؟
د. محمد مايمون: الفئة المستهدفة بهذه الدورات حاليا هي النخب المثقفة، حيث كان الهدف هو تأهيل مدربين في مجال التخطيط الشخصي والمهارات القيادية، ومنحهم كل الأدوات المساعدة لتدريب هذا البرنامج في مختلف المدن الصومالية، ولكل فئات المجتمع. وقد شاركت في هذه الدورات شخصيات علمية وقيادات مجتمعية كبيرة، منها أساتذة جامعيون وأئمة وقضاة وموظفون في قطاعات حكومية ورؤساء جمعيات ورجال أعمال.
القرن الإخبارية: ما هي التغذية الراجعة التي حصلت عليها خلال هذه الدورات؟
د. محمد مايمون: يكل صراحة، أعتبر الشعب الصومالي شعبا راقيا ومثقفا، ومحبا للتعلم والتدريب، ويبذل جهدا كبيرا في ذلك، وهذا الانطباع وجدته أيضا في اليمن والسودان، ولا أتكلم عن الصوماليين داخل الصومال فقط، وإنما عن الصوماليين في مختلف بقاع العالم، وقد التقيت بهم في دول كثيرة ودرّبتهم في أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفنلندا والنرويج وكينيا وأوغندا ودول أخرى كثيرة.
القرن الإخبارية: لقد زرت الصومال مرتين أو ثلاثة ما هي الفروق التي تشعر بها؟ وما هي انطباعاتك تجاه التطورات الحاصلة في الصومال؟
د. محمد مايمون: زرت الصومال ثلاث مرات، وأعتبر نفسي من الآن خبيرا بالشأن الصومالي، وشهدت بنفسي تطور الصومال خلال العشر سنوات الأخيرة، وقد دونت مشاهداتي مباشرة بعد كل زيارة لسنوات 2013، 2019، و2022م، في الحقيقة كان التطور كبيرا بالنظر إلى الظروف التي عاشتها الصومال قبل سنة 2013، وأيضا بالنظر إلى انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيرات جائحة كورونا في العالم. هناك تراجع في نسب النمو في كل دول العالم تقريبا، بينما تشهد الصومال زيادة في نسبة النمو سنتي 2021 و2022م. الأمر الذي يجعل الحالة الصومالية فريدة في مسارات تطورها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أنني معجب جدا بالتجربة الديمقراطية ودور رجال الأعمال وجمعيات المجتمع المدني، حيث يظهر تأثير ذلك جليا في المشهد الصومالي بتفاصيله المملة.
القرن الإخبارية: بما أنك من الجزائر الشقيقة، ماهي السمات المشتركة بين الشعب الصومالي والشعب الجزائري؟
د. محمد مايمون: الشعب الجزائري والشعب الصومالي يتشابهان في كونهما بلدين ثائرين، قاوما الاستعمار بشجاعة، ولقيا بسبب ذلك كثيرا من المؤامرات والتحديات، لكنهما انتصرا في الأخير. ويتشابهان أيضا في المؤامرة الدولية التي سلطت عليهما أيادي الإرهاب، فقد عانت الجزائر من إرهاب الجماعات المسلحة طيلة عشر سنوات (العشرية السوداء 1991 – 1999). وخلفت خسائر بشرية واقتصادية كبيرة، مثلما يعانيه الشعب الصومالي اليوم مع بقايا الحركات الإرهابية التي تعمل ضمن أجندات خارجية للأسف. وكما انتصرت الجزائر على الإرهاب، فكذلك الصومال، وسيكتب لها النصر على الإرهاب قريبا إن شاء الله.
القرن الإخبارية: الجزائر بلد كبير وله ثقل سياسي وآخر ثقافي فهل هنالك آفاق يمكن التعاون بها على مستوي النخبة بين البلدين؟
د. محمد مايمون: فعلا، الجزائر بلد له وزن كبير عربيا وإفريقيا ودوليا، وأعتقد بأن هناك تقاربا بين البلدين في الخيارات السياسية والتوجه الاقتصادي. وقد تجلى ذلك واضحا خلال انعقاد القمة العربية في الجزائر مؤخرا، وحضرها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، وكانت هناك اتفاقات ثنائية على هامش القمة للتعاون في المجالات المختلفة. وعلمت من مصادر مطلعة عن قرب افتتاح ممثليات دبلوماسية في الجزائر ومقديشو لكلا البلدين
القرن الإخبارية: البعض ربما يستغرب بأنك تحب الصومال وتكثر زيارته (هذ البلد الهشً الذي ينفض عن نفسه غبار الحروب) ما الذي يجذبه إليك؟
د. محمد مايمون: ما يجذبني إلى الصومال هو التجربة الصومالية في حد ذاتها، كما جذبتني من قبل التجربة الرواندية في إفريقيا. ولأنني أدرب في مجال التخطيط فإنني أريد أن أستشهد بالتجارب الصعبة والقاسية، وكيف يمكن أن يتحول الرماد إلى نور، والألم إلى أمل. ما يجذبني إلى الصومال كذلك هو الإنسان الصومالي، فهو نموذج رائع يستحق النمذجة، وقد تحدثت عن نماذج كثيرة في منشوراتي على الفايسبوك. دائما أقول لطلبتي بأن البيئة محايدة، فالسر في الإنسان وليس في المكان. وأستشهد عادة بأن الصومالي يتقن أربع أو خمس لغات، والأمريكي والأوروبي لا يتقن سوى لغة واحدة، فأيهما أكثر نجاحا في مجال التعلم والتواصل وإتقان اللغات والحديث قياس، كما أن طاقة المكان في الصومال عالية، إيجابية، وأظنها في الداخل أقوى منها في مقديشو. وأعني بطاقة المكان مشاعر الرضى والتسليم، فهذه الطاقة نادرة في العالم، لكنها قوية في الصومال، وأتمنى زيارة المدن الداخلية في الصومال في زيارتي القادمة.
القرن الإخبارية: ما هي رسالتك الاخيرة للشعب الصومالي؟
د. محمد مايمون: رسالتي للشعب الصومالي هي أن يستمر في العمل الذي يقوم به الآن في سبيل إعمار بلده. وفي أن يكون أكثر انتباها لصد كل المؤامرات التي تستهدف وحدته وتماسكه. أعتقد بأن دور السياسيين والعلماء ورجال الأعمال والقيادات المجتمعية كبير جدا وحساس أيضا في الوقت الراهن، خصوصا بعد استهداف مقديشو في التفجير الجبان الذي حصل مؤخرا، استعادة الأمن وتكريس التداول السلمي على السلطة وفقا للدستور ومواصلة الإعمار شروط ثلاثة رئيسية للنهضة والتنمية الشاملة. وأتمنى للصومال أن يصبح بلدا قويا رائدا مؤثرا في غضون السنوات العشر القادمة، وإن غدا لناظره قريب.
القرن الإخبارية: نشكركم على وقتكم، وإلى أن تلتقي بكم مرة أخرى نترككم في أمان الله.
أجري الحوار: آدم شيخ حسن