- استمرار المدرسة الصرفية في ربوع بلاد الصومال
تحدثنا في الحلقة الماضية رائدين من الرواد الحركة الفكرية والعلمية في القرنين الأخيرين الذين أثروا الحياة العلمية في المنطقة ليس من خلال حلقاتهم العلمية فحسب، وإنّما تأثيراتهم العلمية في حركة التأليف في علم الصرف.
وعلى هذه الشالكة كان حال أهل العلم في الصومال، حيث كانوا ينشغلون بنشر رسالة الإسلام في المنطقة وإلى آفاق أخرى في منطقة إفريقيا الشرقية، وذلك من خلال التزامهم ومداومتهم على إلقاء الدروس العلمية من خلال حلقاتهم التي كانت تُعقد في المساجد والزوايا، وأحياناً في بيوتهم. ورغم كثرة انشغالهم كان العلماء والفقهاء يقومون
أحياناً بتأليف الكتب ووضع رسائل نفيسة تُسِّهل الصعب من بعض الفنون، وتُقرِّب المعاني العبيدة لبعض ضروب العلم، كما أشرنا من قبل.
وما قدمناه ليس معناها بأنّ جهود أهل الصومال في علم الصرف يتوقف فقط على هذين عالمين، وإنّما في الساحة العلمية لم تخل مثلهم الذين كانت تُعتبر جهودهم وحلقاتهم العلمية بمثابة دراسات عليا، وهم لفيف من العلماء نُلقي الضوء على بعض دروب حياتهم. ومن هؤلاء:
- ، وهو من مواليد عام 1905م في بادية الإقليم الشمالي الشرقي في مكان يسمى ” لانتا جبه” بمعنى غصن السدر أو غصن السؤدد، فسمي بذلك الاسم؛ لأن تلك الشجرة كانت الوحيدة من نوعها في هذا المكان وقتئذ، والمعروف أنّ الشيخ علي حاج اشتهر بالتأليف والإبداع، ومن بين مؤلفاته كتاب “المرشد” حول ما مر من المعارف والمعارك العلمية والمناظرات الدينية في الإقليم الشمالي، وقد عرض المؤلف في كتابه الأوضاع العلمية التي كان يتمتع الشطر الشمالي من بلاد الصومال، وما جرى فيها من الحركة العلمية، وبعض المناظرات في المسائل الدينية، ولاسيما فيما يتعلق بالأمور العقيدة والتصوف، والأحكام الفقهية.
وقد تحدث المؤلف عدة مسائل علمية، ومن بينها مسائل تتعلق بعلم النحو والصرف، مستخدماً بأسلوب السؤال الجواب.[1]
ولفضيلة الشيخ علي حاج إبراهيم كتاب آخر سماه” القلائد المتنورة في العلوم المتنوعة” الذي تناول فيه علم النحو والصرف، بالإضافة إلى بعض علوم العربية الأخرى كفنون الأدب العربي.[2]
- يي الدين البراوي؛ ويدعى شمس الدين الشيخ قاسم بن محيي الدين البراوي نسبة إلى مدينة براوه الساحلية في جنوب بلاد الصومال. وكان عالما لغويا وشاعرا وأديبا حتى اشتهر في شعر الخماسات ، حيث كان يخمس الشعر وقصائد شيوخه مثل قصائد شيخه الشيخ أويس بن أحمد. وهذه الميزة جعلته يؤلف بعض رسائل في مجال اللغة سواء في الأدب والصرف، ومما ألفه في علم الصرف كتابه “يوم من الصرف”
تناول الشيخ قاسم البراوي في هذا الكتاب علم الصرف بطريقة مبسَّطة، ولعلّه أعد لطلابه الذين كانوا حوله لرفع مستواهم اللغوي في وقت قصير بطريقة سهلة خاصة لطلبة العلم الجدد، كما تناول الشيخ قاسم البراوي في كتابه بعض الأمور الدينية المتعلقة بتعاليم الإسلام ومبادئه.[3]
- حسن، وهو أبو عبد الرحمن الشيخ محمد معلم حسن اشتهر في الساحة الصومالية الدعوية منذ بداية السبعينات من القرن المنصرم، وله فضل كبير في رفع المعنيات للشباب في وقت كانت الاشتراكية في عنفوانها.
ورغم أنّ الشيخ محمد اشتهر في نشر الدعوة الإسلامية وبحلقته المشهورة في تفسير القرآن الكريم، إلا أنّه كان يهتم أيضاً بعلم الصرف، وكان يعقد في بيته حلقة لدراسة علم الصرف لبعض طلابه في بداية ثمانينات بعد إفراجه من السجن عام 1982م استجابة لبعض طلابه.
وجهود الشيخ في علم الصرف لم تقتصر على ذلك، وإنّما ترك الشيخ رسالة ألفها في علم الصرف، وهي رسالته التي سماها
“التبيان في قواعد تصريف الأفعال”
وفي هذا الكتاب شرح الشيخ محمد علم الصرف بطريقة سهلة ، وهو كتاب له علاقة باللسان العربي وتصريف الكلام، ويُلاحظ فيه كيف أن المؤلف متبحر في هذا الفن – كما أشرنا آنفاً – والرسالة عموماً تدور حول علم الصرف وقد طُبعت في مقديشو، وهي محقَّقة من قبل الأخ الدكتور محمد ديرية صبرية، كما أنها بإخراج حسن، ومصحوبة بمقدمة مفيدة حول سيرة الشيخ وأثره العلمي والدعوي.[4]
- علي عبد الله محمود
أحد المثقفين الصوماليين المهتمين المعرفة والثقافة بالإضافة إلى كونه اشتهر باقتناء الكتب العربية قرآءة وجمعا، ومن هنا لا يستغرب أن يبرز في مجال الثقافة العربية سيما في النواحي اللغوية والأدبية.
والسيد علي عبد الله محمود إلى جانب هذا الاهتمام والحرص على القرآءة فإنه يقرض الشعر ودروبه في مختلف مناحيه وأقراضه، بل وله أشعارا كثيرة لم تر النور حتى الآن. وإلى جانب هذا الاهتمام اللغوي الكبير فإن السيد علي استطاع أن يؤلف رسالة لها علاقة بعلم الصرف سماها:
- كتاب الصرف
وهذا الكتاب يتناول كما يبدوا عنوانه بعلم الصرف بحيث يعطي المؤلف انطباعه في تصريف الكلمة العربية . والكتاب غير مطبوع ومحتفظ لدى مؤلفه ، كما ذكر ذلك الأخ ياسين عبد الرزاق القرطاوي صاحب كتاب” دخائر النخبة في علماء شرق إفريقيا”
- الدكتور الشيخ أبوبكر حسن مالِنْ
أحد العلماء الذين قدر الله لهم أن يتربعوا على كرسي العلم والمعرفة، وأن يتقنوا ببعض فنون العلم وهو في ريعان شبابه، وخاصة اللغة العربية وفنونها المختلفة، وكذا علم الفقه وخاصة الفقه الشافعي المشهور في قطرنا الصومالي. وفضيلة الدكتور أبوبكر له عدة مؤلفات ، من بينها كتابه:
- الغيث الهطال شرح لامية الأفعال، وهذا الكتاب عبارة عن شرح مفيد لكتاب لامية الأفعال لجمال الدين محمد بن مالك الطائي. وقام الشيخ أبوبكر بشرح لامية الأفعال شرحاَ يذلل صعابها ويحلل ألفاظها ويبين مرادها، ويظهر مكنونها ، ويعرب مشكلاتها. كما أنّه أفاد حين استهل كتابه هذا بترجمة موجزة مفيدة حول الشيخ جمال الدين بن مالك تضمنت اسمه ومولده وأسرته ورحلاته العلمية ومكانته العلمية عند العلماء.
ويمتاز هذا الشرح عن غيره من الشروح بكثرة الضوابط والقيود والقواعد التي لم يعتن بها بعض من قام بشرح الكتاب مما هو موجود في بطون الكتب المتقدمين والمتأخرين، ككتاب سيبويه، وما ليس في كلام العرب لابن خالويه، وشافية ابن الحاجب وشرحها لرضي الدين، والمقصود المنسوب للإمام الأعظم نعمان بن ثابت أبي حنيفة ، وكتاب تلخيص الأساس، وشرح سعد الدين التفتازاني على مختصر التصريف، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني وغيرهم. ويلاحظ بأن دور الشارح اتسع إلى أن جمع ما تفرق في هذه الكتب، وغيرها؛ حتى جاء هذا الشرح المفيدة درّة ثمينة وجوهرة غالية؛ حيث استعمل صاحب الشرح فيه الأسلوب السلس ، وتحاشى فيه الغموض الذي ملأ بعض الشروح الأخرى .والكتاب يقع في 152 صفحة. [5]
الشيخ محمد محمود عطور “الخاشع”
وهو من المشهورين حديثا بعلم الصرف، وقد شرع في تأليفه في وقت مبكر، فوضع رسالة علمية عن علم الصرف، وسماها؛
- كشف الأسرار عما في الصرف من القواعد والأفكار، وهو كتاب رائع مطبوع في القاهرة، وعدد صفحاته يصل إلى 946 صفحة، وبالفعل يكشف أسراراً كثيرةً تتعلق بعلم الصرف، كصرف الأوزان والإعلال، وغيرهما. والكتاب له عدد مميزات ، مثل باب نون التوكيد، بحيث يفند حوالي 720 صورة من الصور نون التوكيد. ومن ذلك باب شهرة الضمة وشهرة الكسرة، ويأتي المؤلف بحوالي 170 فعلا مع أمثلتها، أما شهرة الضمة يورد الكتاب 230 فعلا مع أمثلتها.
وفي ضرب الأمثلة فقد استشهد المؤلف آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وأبيات من أشعار أدبية.
الشيخ محمود شيخ عبد الله علمي المشهور بـ “شيخ محمود نحوي” داعية وعالم ومؤلف، من أهل برعو، غير أنّه استقر في الآونة الأخير بمدينة هرجيسا، وكان أبوه فقيها شافعيا وخطيبا مفوها في جامع برعو، كان من طلبة الشيخ محمد محيي الدين معلم مكرم ا لملقب بـ “النووي الثاني” رحمهم الله جميعاً.. ومهما كان الأمر فإنّ الشيخ محمود شيخ عبد الله – حفظه الله – كاتب ماهر، وما زال يقوم بتدريس علم الصرف، وقد قام بشرح حديقة التصريف، وله رسائل علمية أخرى وضعها في علمي الفرائض والنحو، وأغلب كتبه غير مطبوعة. أما شرحه الذي يتم طبعه قريبا، يسمى:
- التعليق اللطيف على حديقة التصريف [6]
وقد قام الشارح بتقييدات شريفة، وتعليقات لطيفة، على أرجوزة الشيخ العلّامة عبد الرحمن بن أحمد الزيلعي في علم التصريف المسماة بحديقة التصريف، تحلّ عباراتها وتقرّب معانيها مع اختصار في العبارة ، وسهولة في المأخذ. واعتمد الشارح في شرحه على شروح اللامية كشرح العلامة محمد بن عمر المشهور بـبحرق، وشرح العلامة محمد بن محفوظ الشنقيطي، وشرح الشيخ صلاح بن محمد البدير، وما تيسّر من كتب التصريف الأخرى.. وفي ذلك قال الشارح: ” .. وليس لي في هذه التعليقات من غير الجمع إلا قليل فتح الله به علينا. .”
………………………….
الهامش
[1] – والكتاب يقع في 138 صفحة، وطبع عام 1391ه الموافق 1971م بمقديشو ، بدون ذكر المطبعة.
2- الكتاب طبع عام 1391ه الموافق 1971م بدون ذكر مكان الطبع واسم المطبعة.
3 – قام السيد باز بن الشيخ قاسم بطبع الكتاب في عام 1969م في ألمانيا. نور الهدى، ، على نفقة السيد محمد صوفي.
4- طبع بمقديشو – الصومال، عام 2020م.
5- طبع بمركز الأهرام بمقديشو – الصومال بتاريخ 1427هـ ، بطبعته الثالثة، وقد طبع الكتاب عدة مرات في داخل البلاد وخارجها منذ عام 2001م، وهذه الطبعة تمتاز بالثوب الجديد، والغلاف الأنيق، وذكر بعض المراجع في الهامش، وتصحيح بعض الأخطاء المطبعية، وتهذيب العناوين وخط الكتاب.
6 – مكتبة الوديان، ط/1، عام 1441هـ/2020م.