المنطقة الصومالية في شمال شرق كينيا المعروفة بـ “إنفدي”
شهدت هذه المنطقة حلقات علمية مشهورة قادها جهابذة العلماء كما تشهد غيرها من المناطق في قطرنا الصومالي، ويكفي أن نشير إلى النشاط العلمي الذي كان يقوده بعض من علمائنا الأجلاء، مثل الشيخ محمد الهادي الحسني، والشيخ يوسف سيد على طوح، والشيخ محمود شري الدغودي، الشيخ محمد طقني الحسني، الشيخ محمد حاج عثمان علسوالدغودي، والشيخ محمود ابراهيم المعروف بمقلاوالليسانيالرحنويني، وغيرهم من العلماء الذين نشروا العلم في مختلف فنونهسواء في القرآن وعلومه والحديث وعلومه والفقه وأصوله واللغة ودروبها المختلفة والسيرة النبوية، غير أننا نشير هنا فقط بعضا من هذه الحلقات المختصة بعلم الصرف مثل:
– حلقة فضيلة الشيخ محمد الهادي الحسني، وخاصة أنّه كان بارعاً في هذا الفن، وقد استفاد من حلقاته في المنطقة وغيرها في ربوع الصومال الكبير عدد من طلبة العلم، يشار إليهم بالبنان اليوم، والشيخ محمد الهادي الحسني أحد أعلام الصوماليين، وكان مشهوراً على مستوى منطقة شرق إفريقيا، وقرأ عدة علوم من التفسير واللغة العربية، كما كان مشهوراًفي علم التفسير والفقه، غير أنّه كان بارعاً في علم الآلة كعادة آل الحسن ، وأخبرني فضيلته في نيروبي أنّه قرأ عدة مرات كتاب لامية الأفعال، واستفاد منه جمع غفير من طلبة العلم ، رحمه الله.
– حلقة الشيخ يوسف سيد علي طوح – رحمه الله – الذي كانت له حلقات علمية على مستوى منطقة شمال شرق كينياالمعروفة بـ ( إنفدي) التابعة حالياً بكينيا، سواء في مدينة منديرا ، وجير، وغاريسا، وكان يقوم فضيلته بدريس علم الصرف في أكثر من مكان ، علماً أنّ الشيخ كان يدّرس أيضاً علوماً أخرى مثل علم النحو من كتب الأجرومية وقطر النذى وبل الصدى، وكذلك الحديث وعلومه. وقد استفاد من دروسه كثير طلبة العلم، سواء عند ما كان في داخل جمهورية الصومال مثل مدينة جللقسيJalalaqsi ومقديشو، وكسمايو، أو في خارج الجمهورية، وتحديدا فيمنطقةشمالشرق كينيا. وقد اجتهد فضيلة الشيخ يوسف علي طوح في تنفيذ هدفه في نشر العلم، وكان يعقد الحلقات اللغوية في النحو والصرف في مدينة غاريسا بعد انتقاله إليها قادماً من منديرا، وقرأكتب النحو مثل كتب الآجرومية والألفية، وكذلككتاب لامية الأفعال لابن مالك. الجدير بالذكر أنّ فضيلة الشيخ يوسف كان عضواً في هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في مقديشو – ، وكان لي- رحمه الله – أخاً وزميلاً ؛ حيث كنا نعمل معاً في الجامعة الإسلامية في الفترة ما بين 2001 – 2011م قبل أن أنتقل إلى مملكة النرويج.
– حلقة الشيخ محمد شري الدغوديفي مدينة منديرا التي كانت تدرس علم الصرف لا سيما كتاب لامية الأفعال لابن مالك، وكانت حلقة الشيخ محمد شري تدرس أيضاً بعض كتب النحو بدءاً من الأجرومية والعمريطي والكواكب وقطر الندى وملحة الإعراب والألفية ابن مالك، وحلقة الشيخ محمد شري كانت في مسجد غربلي، ومسجد بول جمهوري، وقد أفلح من هذه الحلقة كثير من طلبة العلم ، وكان فضيلة الدكتور يونس عبد الله موسى ضمن هؤلاء الذين استفادوا من حلقة الشيخ محمد شري.
– حلقة الشيخ محمد طقني الحسني التي كانت تدرس بعض كتب الآلة مثل كتاب الألفيةوالشموني، ولا شك أنّه قام أيضاً بدراسة علم الصرف من كتبه المختصة المشهورة بقطرنا الصومال الكبير، كـ لامية الأفعال، وخاصة أنّ الشيخ محمد طقني ينحدر من قبيلة آل الحسن المشهورة بهذا الفن.
الجدير بالذكر أنّ الشيخ محمد طقني من أقران الشيخ محمد معلم حسن، وقد كانوا يواظبون معاً بعض الحلقات العلمية في منطقة الصومالي الغربي، وعمر الشيخ محمد طقنيالحسنييربو حاليا على التسعين، حفظه الله وعفاه. وقد أخذ عنه العلم جمهرة من طلبة العلم يشار إليهم البنان بعلمهم ، مثل فضيلة الأستاذ الدكتور الفقيه الأصولي يونس عبد الله موسى المسري، وغيره.
– حلقة الشيخ محمد إبراهيم المعروف بممقلاوالليساني، خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1980م، وكان له حلقة خاصة بمسجد بول جمهورية التي كانت تدرس كتب النحو من كتاب الأجرومية وحتى كتاب ألفية ابن مالك، كما كان له نشاطاً علمياً آخر، بحيث كان عضوا في هيئة التدريس لمعهد النور الإسلامي في مدينة منديرا – بكينيا، وقد اتجه إلى هذه الحلقة طلبة العلم في المنطقة، وكان من بيهم فضيلة الدكتور يونس عبد الله موسى.
– حلقة الشيخ محمد حاج عثمان علسوفي منديرا، وخاصة مسجد روضة، ومن المعروف أنّ الشيخ كان موسوعياً، وكان يقوم بتدريس علوم كثيرة، من بينها علم الصرف الذي كان الشيخ متبحرا وماهرا فيه.
والشيخ محمد حاج عثمان علسودرسنامعاً جامعة أم القرى بمكة المكرمة ، وكان فضيلته يقرأ لنا بعض الدروس الدينية مثل علم الفرائض من كتاب الرحبية، وكانت حلقته فيحرم الجامعة معتبرةكإحدى الحلقات العلمية المخصصة للطلاب الأجانب.
– حلقة الشريف محمد المعروف بـشريف طويل، وعلى الرغم من أنّ هذه الحلقة كانت تقعد في نيروبي بكينيا إلا أن الذين يلتفون حولها كانوا من طلبة العلم الذين لهم أصول من المناطق الحدودية المعروفة بإنفدي، وغيرهم من طلبة العلم،وكان الشريف يقرأ دروسه في مسجد أبي بكر في نيروبي، ويركز على قراءة كتاب لامية الأفعال، كما كانت له دروس لغوية أخرى كالنحو من كتاب شرح الآجروميةوالعمريطي وقطر الندى وألفية ابن مالك. ودروس الشريف محمد كانت تمتاز بالاستمرارية؛ حيث كانت حلقاته دائمة منذ قدومه إلى مدينة نيروبي.
– حلقة الشيخ عبد القادر شيخ محمود السعدي المعروف بالشيخ عبد القادر عكاشة في نيروبي، وهذه الحلقة لم تختلف عن سابقتها التي كان رائدها الشيخ الشريف محمد (شريف طويل)، بحيث كان الشيخ عبد القادر عكاشة يقعد حلقته في العاصمة نيروبي بكينيا، وكانت حلقة مليئة بالعلم والمعرفة في فنّ الصرف، وكان يقوم الشيخ بتدريس بعض الكتب في هذا الفنّ، مثل كتاب لامية الأفعال. الجدير بالذكر أنّ الشيخ عكاشة كان بارعاً في هذا العلم، ولا غرابة بأن يحرص الشيخ عبد القادر على تبحره ومداومتهفي التدريس؛لأنّه شرب من معين حلقات رائد علم الصرف في قطرنا الصومالي الشيخ عبد الله يوسف طوب المشهور ب شيخ عبد الرحمن الصرفيلي رحمه الله، كما أنّه كان قريباً إلى أحد علماء البارعين في هذا الفن الشيخ محمد الهادي الحسني رحمه الله.
ومن هنا فلا غرابة أن يحرص بعض طلبة العلم على هذه الحلقة ، بل ويأتي بعض منهم من منطقة الحدود الشمالية ( إنفدي) في شرق كينيا. وحلقة الشيخ عبد القادر لم تكن تقتصر على الصرف فحسب، وإنّما كانت دروسه تزخر بالتنوع ؛حيث كانت تشمل التفسير والحديث والقعيدة، بالإضافة إلى العلوم العربية كالصرف والنحو.وقد تعرفتُ على فضيلة الشيخ عبد القادر عكاشة في أواخر السبعينات في القرن المنصرم بحيث كنتُ متابعي حلقته في التفسير في مسجد أفريرشي في حي بونطيري بمدينة مقديشو، وكان الشيخ في تلك الفترة يقضي إجازته الصيفية،وكان يعمل في مدينة جوهر حاضرة إقليم شبيلي الوسطي كمدرس في المدارس الحكومة، وأذكر أنه قام بتفسير سورتي الطلاق والتحريم حفظه الله. ولا غرابة في ذلك؛ لأنّ الشيخ عبد القادر درس التفسير على يد شيخ المفسرين لبلادنا في القرن المنصرم الشيخ محمد معلم حسن الحوادلي، الذي زرع في تلميذهالشيخ عبد القادر عكاشة حب التفسير وعلومه ، وهو ما جعلهيشرع في إصدار كتاب حولتفسير القرآن الكريم كما أشرنا ذلك في كتابنا معجم المؤلفين الصوماليين.
فيما بعد اشتهر الشيخ عبد القادر عكاشة بدروسهاللغوية كعلم الصرف، وكان يقوم بتدريس هذا الفن لطلبة العلم في المهجر، كحلقاته في نيروبي – التي نحن بسددها – عند انتقاله إليها، وكان يقوم بتدريسكتاب لامية الأفعال،وأنّه كلما ينتهي الكتاب كان يبدأه من جديد، وقد استفاد من حلقته جمع كبير من طلبة العلم.
وقبل أن نختتم حديثنا عن المدارس العلميةالتقليدية المختصة بعلم الصرف في بلاد الصومال الكبير ينبغي أنّ نشير إلى أنّه لم يكن هدفناعرض كل الحلقات العلمية المتعلقة بفنّ الصرف التي كان يقوم بها علماؤنا، وهو أمر مستحيلوغير ممكن، حتى وإن تضافرت الجهود، ورُفعت القيود، ولكن كان قصدنا أن نضرب بعض الأمثلة للمجالس العلمية التي كانت تجرى على جنبات بلاد الصومال الكبير ، وخاصة فيما يتعلق بعلم الصرف وقواعده، ليكون ذلك نموذجاً حياً لمستوى الحركة العلمية في البلاد في القرنالماضي، ودور العلماء في إثراءالحلقات التي كانت تُدّرس فيهاعلوم اللغة العربية. ونرى أنّه ينبغي على العلماء والباحثينالقائمين على المراكز العلمية القيام بدراسات وبحوث عميقة تتعلق بمجالات اللغة العربية ودروبها المختلفة ، ولا شك أنّ هذا الأمر سوف يبرز المستوى العلمي للحلقات العلمية المختلفة، ليس في علم الصرف فحسب، وإنّما على مستوى كافة المجالات العلمية، بغية أن يستفيد من ذلك الباحثون الجدد وطلبة العلم، كما أنّها سوف تكون نبراسا ودليلا للأجيال القادمة من حاملي لواءالدعوة والحركة العلمية لمنطقتنا المترامية الأطراف.