ضمن سلسلة الحوارات واللقاءات النوعية التي تجريها شبكتكم الغراء شبكة القرن الإخبارية مع صناع القرار والزعامات والدبلوماسيين ورجال السياسة والفكر والباحثين الأكاديميين والمثقفين والعلماء والأدباء ورموز المجتمع المدني في داخل البلاد وخارجها، تقدم الشبكة لقرائها الأكارم عبر نافذة الحوارات حوار الساعة مع سعادة السفير/ عمر شيخ علي إدريس – سفير جمهورية الصومال الفدرالية لدى دولة قطر سابقاً. حوار شامل لأطياف من القضايا المتعلقة بمستجدات عالم السياسة في الصومال وفي المنطقة بشكل عام نفصلها في حينها إن شاء الله.
يعتبر سعادة السفير المحترم عمر إدريس الملقب ب “عمر طيري” علما من أعلام الصومال، وهو دبلوماسي محنك، وباحث أكاديمي، شاعر بل وأديب بارع، وناشط سياسي، ومناضل غيور. لشبكة القرن الإخبارية شرف عظيم أن تلتقي بالسفير القدير توثيقا للحقيقة ونشرا للمعلومة بل تعميما للفائدة. نحن سعداء كل السعادة أن نرحب به في رحاب نافدة الحوارات للشبكة وبصدر رحب.
القرن الإخبارية: أولاً نرحب بسعادتكم الموقر في شبكة القرن الإخبارية عبر حوار خاص نأمله أن يقدم معلومات ثرية قيمة لقرائنا الأفاضل أينما حلوا… وبعد تحية الله العبقة المباركة: سعادة السفير هلا تكرمتم بلمحة تعريفية موجزة عن شخصيتكم.
السفير عمر إدريس: في البدء لا يسعني إلا أن أتقدم بأبلغ الشكر والتقدير لإدارة شبكة القرن الإخبارية على إتاحتها لي هذه الفرصة الثمينة وعلى الاهتمام البالغ، وأنا أسعد وأتشرف بأن أكون ضيفا على هذا الحوار، وقبل كل شيء أحيي جماهير الشبكة وقرائها الأماجد بتحية الإسلام الخالدة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
اسمي عمر شيخ علي إدريس – عمر إدريس – الملقب ب (عمر طيري – عمر الطويل)، من أسرة (هيرانية – بنادرية) الأصل، هاجرت إلى الصومال الغربي في عام 1938/1937م من قرية تسمى “يِنْبِسْ Yinbis” تبعد 55 كلم تقريباً عن العاصمة مقديشو. وأنا من مواليد نهاية عام 1960م أو بدايات عام 1961م في قرية زراعية تسمى بَلِ (Bali) على الضفة الغربية من نهر وَيْبْ Weeb)) ) قرب مدينة جَرَّتِ (Jarrati (بمحافظة أفطير ( Afdheer ) بإقليم الصومال الغربي، من أسرة متدينة من كلا جهتي الأب والأم أي من جهة الأعمام والأخوال، وكانت لكلتا الأسرتين مكانة اجتماعية مرموقة، تتمتعان بسمعة طيبة في الوسط الاجتماعي الذي كانتا تعيشان فيه، وكانت الأسرتان مزارعتين غير رعويتين تقريبا. وأسرتي من ناحية الأب (هيرانية – بنادرية) أي بنادر بمفهومها السابق الذي كان يشمل الشبيلتين – الوسطى والسفلى – قبل الانقلاب العسكري في عام 1969م. وكانت الأسرة تتنقل بين هذين الإقليمين(هيران وبنادر ) لكنها استقرت في غالبية القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين الميلادي تقريباً في منطقة تبعد 55 كلم عن العاصمة مقدشو من إقليم شبيلي السفلى، في قرية زراعية تسمى ينبس (Yinbis) تبعد 25كلم عن مدينة أفجويى. وما يقارب 99% من الأجيال الثلاثة الأخيرة من آل إدريس بدءً من جيلي أي الجيل الثاني، وُلدوا خارج منطقة هيران الأصلية للأسرة. ورغم هذه الحقيقة، فما زالت الأسرة تعتبر نفسها (بَلَدْوَيْنِيَّة أي من “بلدوين”) عاصمة إقليم هيران)، ولذلك تجد في وثائقي الرسمية أنّني من مواليد بلدوين، رغم أني ولدت خارج إقليم هيران. وربّما لهذا سبب تاريخي ونفسي معاً، وذلك أنّ الجد العاشر للأسرة “برّى معلم” كان عالماً درس في الحجاز فترة طويلة من شبابه، وعند ما عاد استقرّ مع بعض تلاميذه حيث الآن مدينة بلدوين قبل ثلاثة قرون تقريباً، وتأسست بذلك قرية علمية تطورت لاحقاً إلى مدينة بلدوين المشهورة حاليا من تلك القرية العلمية الصغيرة، حسب التاريخ الشفوي المتوارث عن الكبار من عشيرة “برّى معلم”، وربما لهذا السبب التاريخي أثر نفسي حيث أصبحت بلدوين جزءً من شخصية الأسرة. أما نحن “آل إدريس” فقد جاهرنا عن الرِبَاع الأولى “بلدوين” للعشيرة، لكننا ما زالنا نحتفظ وجوداً كبيراً في الرباع التاريخي الثاني للأسرة “بنادر”، وهذه المرّة ليس على المنطقة الزراعية الخصبة على ضفاف نهر شبيلى قرب مدينة أفغويى، لكنّها في بنادر العاصمة مُقدِشو، رغم توزُّع الأسرة (آل إدريس) اليوم في ثلاث قارّات وفي عشرة بلدان (وأوطان مختلفة حول العالم كشأن أغلبية الصوماليين في الوقت الراهن.
أما إذا دلفنا قليلا إلى الحديث عن المراحل التعليمية، فقد درست في مدرسة نور الإسلام الابتدائية في مدينة منطيرا بإقليم شمال شرقي كينيا، ثم درست المرحلة الإعدادية في مدينة سييلو (Siyeelow) وفي مدينة “وجير Wajeer” في السنة النهائية من تلك المرحلة، ثم التحقت بمعهد كيساؤوني الثانوي في مدينة ممباسا – كينيا، حيث درست فيه السنة الأولى فقط من المرحلة الثانوية، ثم سافرت إلى جمهورية السودان في شهر يناير عام 1983م. وبدأت المرحلة الثانوية من جديد في المركز الإسلامي الإفريقي بالخرطوم. وبعده التحقت بجامعة إفريقيا العالمية – قسم العلوم الاجتماعية “الجفرافيا والتاريخ”، وتخرجت فيها في شهر فبراير عام 1992م وكنت من ضمن أولى دفعة خرّجتها الجامعة. ثم رجعت إلى مقديشو في نفس العام الذي تخرجت فيه شهر سبتمبر 1992م، بعد غياب عنها دام 12 سنة. وبدأت العمل في المجال الإغاثي الإنساني، حيث بدأنا – أنا والأستاذ فارح عبد القادر – العمل مع “لجنة مسلمي إفريقيا” سابقاً و “جمعيةالعون المباشر” حالياً في شهر أكتوبر 1992م، في مقديشو، ثم حصلت منحة دراسية لمرحلة الماجستير في “الإرشاد النفسي” من الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا، ومنها هاجرت إلى بريطانيا في بداية عام 1999م. وهناك درست أيضاً ماجستير آخر في المعهد الملكي (King’s college)جامعة لندن، في مجال “الأمن والسلام العالميينInternational peace and security” لكني لم أكمل بحث التخرج.
وقبل فترة سجلت لمرحلة الدكتوراه في “جامعة السلامPeace University” للأمم المتحدة، ثم توقفت عن المواصلة، بعد إنهاء المرحلة الدراسية، وفيه احتمال أن أرجع إليها لاستكمال المرحلة البحثية للدكتوراه.
أما الجانب العملي فمن أهم الوظائف والأعمال التي قمت بها وباختصار: كنت نائب مديرٍ للجنة مسلمي إفريقيا ، مكتب الصومال -جمعية العون المباشر حاليا- رئيس اتحاد الطلبة الصوماليين في ماليزيا عام 1996م.
مساعد مستشار ومسؤول قسم المراسلات لشركة “خدمات استشارات الهجرة( Immigration adviseryservices) في بريطانيا، وكانت في حينها أكبر هيئة خاصة متخصصة في مجال الهجرة بجميع جوانبها بعد وزارة الداخلية البريطانية. كنت نائب رئيسٍ “للرابطة الصومالية البريطانية ، وكما كنت أيضاً منسقاً عاماً لمؤسسة القرن الإفريقي لحقوق الإنسان. وكنت كذالك عضواً مؤسساً ونائب رئيسٍ لمنبر المثقف الصومالي في بريطانيا. وفي عام 2005 أصبحت عضو اللجنة التنفيذية في مكتب العلاقات الخارجية، ثم نائباً لرئيس مكتب الجاليات الخارجية لاتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال. وبعد الغزو الإثيوبي للصومال في ديسمبر عام 2006، أصبحت عضواً مؤسساً للجنة المقاومة ضد القوات الإثيوبية الغازية في الصومال، ورئيساً لمكتب العلاقات العامة في لجنة المقاومة. وعضواً مؤسساً ل”تحالف إعادة تحرير الصومال” ونائبا في مكتب العلاقات الخارجية للتحالف في عام 2007م. وعضواً في اللجنة السياسية العليا للتحالف في التفاوض مع حكومة الرئيس الراحل عبد الله يوسف بوساطة الأمم المتحدة في جيبوتي 2008-2009م. وعضوا برلمانيا في فترة حكومة الرئيس شيخ شريف الانتقالية عام 2009-2010م. ومن شهر يناير عام 2011 إلى شهر ديسمبر عام 2017م. كنت سفير جمهورية الصومال الفدرالية لدى دولة قطر الشقيقة.
القرن الإخبارية: في السنوات الخمس الأخيرة من عهد الرئيس السابق، فرماجو، ساءت العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وبعض دول الجوار، خاصة كينيا وجيبوتي، وأيضا لم تكن العلاقات مع بعض الدول العريبة أحسن حالاً، ما قراءتكم لإعادة تلك العلاقات رسميا وشعبيا؟ وما مدى أهميتها للصومال؟
السفير عمر إدريس: أولا وقبل أن نخوض في الحديث عن العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وغيرها من الدول العالم مباشرة، دعنا نلقي الضوء على مراحل ثلاثة من الدبلوماسية الصومالية في العقود الثلاثة الأخيرة من تاريخ الصومال الحديث:
المرحلة الأولى: العقد الأخير من القرن العشرين 1991-2000م، وهي مرحلة الغياب الكلي للحكومة الصومالية عن الساحات الدبلوماسية، إقليمياً وعالمياً.
المرحلة الثانية: مرحلة الحكومات الانتقالية، وقد استمرت هذه المرحلة من عام 2000 إلى 2012م وهي فترة حكم الرؤساء الثلاثة السابقين: الرئيس عبد قاسم صلاد حسن، والرئيس الراحل عبد الله يوسف محمد، والرئيس شيخ شريف شيخ أحمد، وما يجمع هذه الفتره من حكم هولاء الرؤساء الثلاثة، أن فترتهم كانت انتقالية أي لم تكن حكوماتهم رسمية ذات اعتراف كامل، وعليه لم تكن هناك علاقات دبلوماسية رسمية تذكر بين الصومال وبين بقية دول العالم، لأن البلاد كانت تحاول الخروج للتو من حروب أهلية طاحنة، وتسعى إلى إيجاد أرضية تضع قدمها لكي تضع حجر الأساس للدولة الوليدة من جديد.
المرحلة الثالثة: فهي تبدأ من عام 2012م، وهي بداية الفترة الأولى للرئيس حسن شيخ، وفي هذه الفترة اعترفتْ الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعلنت بشكل رسمي في عام 2013م، بأن الصومال قد خرج من فترة الحكومات الانتقالية وأصبحت له حكومة رسمية من الآن فصاعدا. ومع ذلك الإعلان الأمريكي، بدأ الاهتمام الدولي بالشأن الصومالي من جديد وبشكل كبير، ولذلك بدء ما يشبه التسابق بين الدول في فتح سفاراتها في مقديشو(منطقة حلني) ونيروبي – كينيا، ومن أوائل الدول الغربية التي فتحت سفارتها في العاصمة مقديشو، بريطانيا. ومما زاد أيضا اهتمام العالم وجلبَ أنظاره وانتباهه إلى الصومال، تحرير حكومة الرئيس حسن شيخ الأولى أكثر الأقاليم والمدن من يد حركة الشباب آنذاك منها مثل مُدن: بارطيري، وحدر، ومركة، وبراوة، بولى بردي، وجوهر، وقريولي، وكسمايو، وغيرها من المدن المهمة. وكان إقليم جوبا الوسطى هو الوحيد الذي بقيت حاضرته “بُآلَى” في يد الشباب إلى اليوم.
وتحت ظل هذا الوضع الإيجابي داخلياً آنذاك، عادت العلاقات الدبلوماسية بين الصومال ودول العالم على وتيرة متسارعة، مما مهد الطريق إلى أن تستضيف مقديشو: عاصمة البلاد مؤتمرا عالمياً، شاركت فيه وفود كثيرة من دول العالم، وكان ذلك أول مرة يحدث في مقديشو بعد الحرب الأهلية وانهيار الحكم المزكري في الصومال منذ شهر يناير عام 1991م. وبعدها توالت زيارات رؤساء دول العالم إلى الصومال على سبيل المثال الرئيس التركي رجب طيب أدرغان، والرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي، والرئيس الكيني أوهورو كينياتا، ورئيس الوزراء الإثيوبي، ووزير خارجية الولايات المتحدة، جون كيري، ووزير خارجية بريطانيا، وليم هيغ، وغيرهم، وقد زارت مقديشو وفود أخرى وممثلوا المنظمات الدولية، وبدأ البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي يتعاملان مع الحكومة الصومالية بشكل رسمي ومباشر.
ومن عام 2017-2022م وفي ظل حكم الرئيس السابق السيد/ محمد عبدالله فرماجو تدهورت أو برُدت العلاقات الخارجية الصومالية مع كثير من دول العالم، خاصة المجاورة منها للصومال، وكانت العلاقات مع بعض الدول العربية تتراوح بين السوء والبرودة. وفعلا كانت هناك عوامل موضوعية في بعضها ومنها:
- أزمة الخليج الأخيرة، وبالتحديد التي حصلت بين دولة قطر من جهة وبين كل من دولة الإمارات والسعودية والبحرين ومصر من جهة أخرى، و عند بداية الأزمة، أعلنت الحكومة الصومالية رسميا، أن موقفها حيادي في هذا النزاع بين الإخوة، غير أنها ما قدرت أن تحافظ على هذا الموقف لسبب أو لآخر، حيث انحازت عملياً إلى إحدى الجهتين دون الأخرى.
- وكان من غرائب التاريخ في فترة الرئيس فرماجو، انحيازه لإثيوبيا ضد جمهورية مصر حول قضية “سد النهضة” في قعر العروبة، القاهرة وفي مقر جامعة الدول العربية، مع العلم بأن العلاقات الصومالية المصرية كانت راسخة وتأبى التبدّل مهما تغيرت الأحوال والأنظمة في البلدين لأجل العلاقات التاريخية والمصالح الإستراتيجية المشتركة الحالية بين البلدين بجانب انتمائهما إلى كل من منظومة دول الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي.
- لقد انضم الرئيسفرماجو إلى تحالف ثلاثي في 5 سبتمبر/أيلول 2018م، الذي جمع كلاً من إثيوبيا و إرتيريا والصومال والذي انزعجت منه بعض دول المنطقة وبالذات كينيا وجيبوتي، وخاصة الأخيرة جيبوتي بسبب النزاع الحدودي بينها وبين إرتيريا والذي أدى إلى اشتباكات مسلحة في المنطقة الحدودية في 10 يونيو / حزيران 2008م. وبسبب هذا التحالف الجديد ساءت أيضاً العلاقة أكثر بين الصومال وكينيا، مما أدّى في نهاية المطاف إلى قطعها وسحب السفراء بين البلدين، وعند ما استُبعدت كينيا وجيبوتي عن مائدة هذا التحالف الجديد، أصبحتا قلقتين عن الهدف أو الأهداف من وراء تأسيسه، ولذلك بدت أنّ هاتين الدولتين شعرتا أنه يمثل تهديداً على مصالحهما القومية كلٌّ على حدتها، بل وربما رأتا عدم جدواه مع وجود منظمات أخرى إقليمية وقارّية تجمع التحالف الثلاثي مع دول أخرى على مستوى القرن الإفريقي، مثل منظمة إيقاد. بجانب اجتماعها على مستوى القارة تحت مظلة الاتحاد الإفريقي.
- وربما توجست جيبوتي أكثر من العلاقات الحميمية الجديدة بين إرتريا والصومال واستبعادها عن هذا النادي الجديد، مع العلم بأن العلاقة بين الصومال وجيبوتي أكثر من أي علاقة بين نظامين أو دولتين، بل هي أخوية ودم بين الشعبين.
- لقد توترت العلاقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة مما أدى إلى عدم وجود سفير يمثل الصومال في أبو ظبي بعد استدعاء السفير السابق وعدم قبول دولة الإمارات السفير المرشح الجديد، إلى انتهاء فترة الرئيس فرماجو، بل ولم يكن للصومال سفير في الرياض، مما كلف الحكومة الصومالية إلى ترقية القائم بأعمال السفارة الصومالية في المملكة العربية السعودية إلى رتبة سفير وهو في الرياض، رغم ما في ذلك من خلل دبلوماسي.
- وأيضا من التصرفات أو الخطوات غير اللائقة دبلوماسيا وربما غير الأخلاقية التي اتخذها الرئيس السابق، فرماجو طرد وكيل الأمم المتحدة في الصومال عند ما استفسر عن الشعب الصومالي الذين قتلتهم القوات الإثيوبية في مدينة “ببدوا”.
وعلى العموم فإن علاقة الصومال مع كثير من دول العالم في ظل الحكم السابق كانت فاترة في بعض الأحيان ومتوترة في أحايين أخرى. فإن التعامل مع مثل هذه القضايا ينبغي أن تنطلق من نظرة بعيدة، وإستراتيجية مدروسة تخدم صالح الدولة والشعب معاً.
أما الرئيس الحالي السيد حسن شيخ محمود فمنذ انتخابه حتى الآن، في أقل من سنة، فقد بدأ ترميم وإعادة العلاقات الخارجية الصومالية إلى مسارها الطبيعي، وزار دولاً كثيرة في هذه الفترة القصيرة، من ضمنها تلك الدول التي كانت علاقتها مع الصومال متوترة في الفترة السابقة. في الوقت الحالي، فإن علاقة الصومال مع كلٍّ من كينيا وقطر والإمارات وجيبوتي ومصر وإرتريا وإثيوبيا جيدة، بل ليست هناك دول أخرى علاقتها سيئة أو متوترة مع الصومال. وهناك زيارات خارجية أخرى مرتقبة سيقوم بها الرئيس في الفترة القادمة، كلها تنصب في قالب إعادة وتحسين العلاقات مع دول العالم وفق ما يتماشى مع فلسفة التصالح مع الذات ومع العالم.
القرن الإخبارية:تسعى الصومال الانضمام إلى مجموعة شرق إفريقيا، مع العلم بأن الدستور الصومالي ما زال مؤقتا، في رأيكم ما هي أهم النقاط الإيجابية أو السلبية لانضمام الصومال إليها؟
السفير عمر إدريس: أولا فإن قضية الدستور هي قضية داخلية تهمها الصومال فقط، ولو أنها تؤثر، لأصبحت شرطاً أولياً على تقديم طلب الانضمام، وما دام لم يكن كذلك، لا أظنه أنه شرط من ضمن شروط الانضمام إلى المنظمة، لو كان الأمر كذلك لما قُبل الطلب .
و لا شك أن هناك نقاطاً إيجابية وأخرى سلبية قد تترتب عن هذا الانضمام، أو لنقل قد تكون هناك تحديات حول انضمام الصومال إلى السوق المشترك لدول شرق إفريقيا، ولكن يبدو أن الإيجابيات والفرص أكثر فيه من السلبيات والتحديات، وكما تعلمون فإن العنصر الصومالي عنصر نشيط، كثير الحركة، مغامر، وله سرعة البديهة في التعامل مع الفرص والجرأة على اقتحام المخاطر، وأن التجار الصوماليين منتشرون بشكل كبير في دول مجموعة شرق إفريقيا، منهم من يحملون جنسيات تلك الدول – دول شرق إفريقيا- ومنهم من يحملون الجنسية الصومالية ولهم إقامات في تلك البلدان، وآخرون يحملون جنسيات أخرى أجنبية، وهؤلاء التجار يمارسون جميع الأعمال التجارية بأنواعها المختلفة في تلك البلدان، وأن بعضهم – أصحاب الجنسيات الصومالية – تواجههم بعض الصعوبات حول السفر إلى هذه الدول والحصول على تأشيرات الدخول إليها، ولكن فور انضمام الصومال إلى هذه المنظمة، نتوقع أن تزول أو تخف على الأقل تلك الصعوبات. ويمكن أن تكون الأسواق المختلفة لدول مجموعة شرق إفريقيا سانحة لتصدير البضائع الصومالية المتنوعة ومن أهمها المواشي أو لحومها والأسماك، وبعض المنتوجات الزراعية، وعلى العموم تشجع هذه الخطوة على الانفتاح التجاري الحر بين الصومال وبين دول الأعضاء في هذه المنظومة الاقتصادية، وقد تخلق بعض فرص عمل للمواطن الصومالي في القطاع الخاص.
أما التحديات فتتمثل في طبيعة الصادرات الصومالية إلى الخارج، وكذلك مراعاة التكافؤ بين الصادرات الواردات، والتدقيق من جودة البضائع والمنتجات الواردة إلى السوق الصومالي وفق معايير مدروسة.
القرن الإخبارية: توجد في جمهورية جيبوتي ودولة كينيا وإثيوبيا قومية صومالية، في رأيكم ما الدور الأنسب والمنوط به الذي يمكن أن تلعبها في الدبلوماسية الشعبية بينها وبين الصومال؟
السفير عمر إدريس: بلا شك أنه يمكن أن تلعب القومية الصومالية القاطنة في تلك الدول التي أشرتم إليها دورا فاعلا ورائدا في الدبلوماسية الشعبية والذي يخدم مصالح بلد الأم، الصومال ومصالحهم في مناطقهم ومصالح الشعوب الأخرى التي تجاورهم، ولكن قبل كل شيء لا بد من أن تكون العلاقات بين تلك الدول وبين الصومال جيدة على الصعيد الرسمي، ولا بد من التعاون والتفاهم بين الأنظمة الحاكمة لتلك البلدان. أما إذا كانت هناك حساسيات بين تلك الأنظمة، والعلاقات بينها متوترة سياسياً، فإنّ الشعوب لوحدها لن تستطيع أن تحرك ساكنا في القضية، ولكن إذا ما صلحت العلاقات بين تلك الدول، فهي التي تكفل لشعوبها الكثير من التبادل التجاري مما يؤدي في النهاية إلى التطور الاجتماعي والازدهار الاقتصادي، وأصلا ليست هناك مشاكل بين شعوب المنطقة. فالشعوب مرهونة بعلاقات الأنظمة التي تحكم البلاد، إذ أن تحسين علاقة الصومال مع كينيا وإثيوبيا وجيبوتي رسميا يسهم في فتح الحدود أمام التبادل التجاري بين شعوب المنطقة، والتعاون الأمني ومراعاة المصلحة العامة، وتسهيل إجراءات استخراج التأشيرات للمسافرين، وبناء طرق رئيسة تؤدي إلى عواصم تلك البلدان بسهولة، وتحقق مكاسب عديدة لكل دولة، وكل هذه تنصب في قالب المصالح العامة للشعوب. وعلى الأنظمة الحاكمة لهذه الدول النظر إلى هذا الجانب الإستراتيجي، والاستفادة من الفرص السانحة لمصلحة بلادهم وشعوبهم، والسعي إلى إيجاد خطة إستراتيجية شاملة تخدم لمصالح الدول الأربعة.
والجدير بالذكر أن هناك جهود فردية وشعبية وحتى دولية جارية في المنطقة، حيث تجد تجارا صوماليين يقومون بأعمال تجارية في نيروبي أو في أديس أبابا أو في جيبوتي، وهناك تعاون تعليمي بين الجامعات الصومالية والكينية والإثيوبية، بل قد تم فتح فروع لجامعات إثيوبية في مدينة هرجيسا بشمال الصومال أو منطقة صومال لاند، وهناك عدد كبير من الطلاب الصوماليين يدرسون الجامعات الكينية والإثيوبية واليوغندية، وكل هذه الجهود ليست كافية لأنها لا ترتقي إلى المستوى المطلوب، ولا تكفي سد احتياجات شعوب المنطقة الكثيرة.
القرن الإخبارية:كان وما زال شعار الرئيس الصومالي السيد حسن شيخ محمود “صوماليا متصالحة مع نفسها ومتصالحة مع العالم” في رأيكم ما هي أهم الإستراتيجيات لتحقيق التصالح مع العالم؟ مع العلم بأن العلاقات الدولية لا تعترف إلا بالمصالح.
السفير عمر إدريس: تعتبر علاقة الصومال بالعالم الخارجي …. نواصل في الحلقة القادمة إن شاء الله.