صدر من وزارة التربية والتعليم العالي الصومالية في(16/8/2023) قراراً إلزامياً يقضي على استحداث سنة إضافية، تُضاف إلى السنوات الجامعية، وفيها يتم تأهيل الطالب من جوانب عدة، منها: اللغات التعليمية الثلاثة: الصومالية، والعربية، والإنجليزية، وكذلك الثقافة الإسلامية، وفيها يطلع الطالب على قدر كافٍ من ثقافة، وعادات، وقوانين اجتماعية، كما يدرس ويتعلم الطالب خلال هذه السنة، التفكير النقدي.
بادئ ذي بدءٍ، دعنا نؤكد بأنّ هذه الخطوة ليست جديدة في التعليم الجامعي العالمي، بل إنّ كثيرا من النظم الجامعية حول العالم تعتمد على نظام السنة التمهيدية الجامعية؛ ولكنها ليست زائدة إضافية، وبالتالي فإنّ السؤال هنا: هل يحتاج الطالب الصومالي إلى مزيد من سنوات تعليمية جامعية؟
والحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان من العاملين في سلك التعليم الجامعي في الصومال، هي أن الطالب الصومالي يحتاج بشكل ضروري: أوّلاً: إلى تمهيد أوّليّ، يُقدَّم إلى الطالب القادم من التعليم الأساسي إلى التعليم الجامعي لترسيخ قدمه في اللغات التعليمية في البلد، وفي الثقافة الإسلامية والاجتماعية، وثانيا: إلى تأهيل بَعديّ يكون قبل مغادرة الطالب مقاعد الدراسة الجامعية، وفيه تُقدم له المواد التعليمية التطبيقية التي تهدف إلى إكساب الطالب”الخريج” المهارات الحقيقية والحياتية التي يستطيع من خلالها توظيف وتطبيق ما تعلمه في الجامعة من معارف على الحياة العملية، مما يُساعده على استثمار كافة إمكانياته، للتكيف مع متطلباتِ حياةِ ما بعد المرحلة الجامعية.
وهذا الحديث، أي حديث التأهيل البَعدي، هو حديث سابق لأوانه، وهذا لا يعني عدم أهميته في أي حال من الأحوال، وإنما يعني عدم امتلاكنا لتصور واضح حول إمكانيته وكيفية تطبيقه، بعكس التمهيد الأوَّلي، الذي – إلى حد ما – نستطيع أن نقول إننا امتلكنا عنه تصورا يمكن لنا أن نسميه بخارطة الطريق، لكن السؤال هنا: لماذا تكون سنة كاملة للتمهيد؟
وفي حال اعتماد هذه السنة، فهل الوزارة تمتلك حق تنفيذ هذا القرار؟ وإذا كان الجواب نعم، أليس من الأجدر بالوزارة الاهتمام في إيجاد منظومة من المعايير تكفل رفع مستوى السنوات الجامعية أولا قبل إضافة سنة زائدة عليها؟
وبالإضافة إلى ذلك، فإن اعتماد سنة كاملة للتمهيد، اجتهاد من الوزارة، ومحاولة منها على موافقة المعايير العالمية، لكن المعايير العالمية تتماشى دائماً مع الأوضاع والظروف الخاصة لكل بلد أو أمة. وإضافة سنة تأسيسية كاملة، يعني – بالنسبة للصوماليين – مزيداً من التكاليف والأعباء المالية على أهالي الطلبة؛ حيث إنّ أكثر من 99% من التعليم الجامعي خاصٌ أي لا تملكه الدولة. وحتى لا نُرهق أكثر على جيب الشعب المُثقَل أساساً، كان من الأفضل دمج السنة التأهيلية بالسنة الأولى الجامعية؛ بحيث تكون سنة تعليمية مُكثفة أو إلحاقها بالسنة الأخيرة من التعليم الأساسي أي العام الأخير من المرحلة الثانوية.
ويمكن للوزارة تنفيذ هذا القرار إذا كانت هناك نظماً ومعايير محددة تعترف بها الوزارة، وتتوحد تحت لوائها جميع جامعات الوطن، وتكون -بتلك النظم والمعايير- الجامعات تحت المراقبة والإشراف العام للوزارة، من حيث النظم والمناهج التعليمية ومضامينها، وعند ذلك يكون للوزارة حق تنفيذ هذا القرار وأي قرار آخر يمس التعليم العالي أي الجامعات؛ ولكنّ الواقع الحالي يُخبرنا بأن أمام الوزارة طريق طويل قبل امتلاك هذا الحق.
إنّ الأولوية تكون – حسب رأيي – في الوقت الحالي “الاهتمام في جودة السنوات الجامعية الأساسية بدل إضافة سنة زائدة إليها”، فمن خلال المشاهدة المجردة، ندرك بأن الصومال كان ضحية تفريخ الجامعات والكليات الأهلية وتأسيسها من قبل كل من هب ودب، مما أخلّ وأضرّ نظام التعليم العالي ومبادئه الأساسية من كل جانب، وجعله هياكل فارغة تعاني: النقص في الكادر التدريسي، وفي المادة المدروسة، وفي المختبرات والتجهيزات الأخرى، وعدم امتلاك أغلبية تلك الجامعات لمقرات ثابتة مناسبة، وبالتالي فإن إضافة سنة تعليمية زائدة (والحال هكذا) هو فقز على مشكلات ضخمة كان من الأجدر القيام بحلها أولاً. ومن جانب آخر، فإن هذه السنة الإضافية تُساعد الجامعات الفارغة (أي الإسمية) لكسبِ مزيد من الأموال على حساب أولياء أمور الطلبة.
وأخير وليس آخراً، فإنّ سبب استحداث هذه السنة التمهيدية للمرحلة الجامعية، ما هي إلّا نتيجةَ ضعفِ مُخرجاتِ المراحلِ التعليمية قبل الجامعية، وهذا يدفعنا إلى تساؤل آخر ، وهو أيهما أولى؛ استحداث سنة تمهيدية إضافية إلى المرحلة الجامعية أو رفع جودة التعليم الأساسي فبل الجامعي، أو إصلاح نظام التعليم الجامعي أولاً، ومَعيَرَتِه، وسن القوانين والمعايير الناظمة له؟.
َ