الصومال البلد المبارك بتراثه الثقافي الغني، وموارده الأرضية والمتجدّدة الالمحدودة، إلى جانب موقعه الجغرافي الإستراتيجي، وفي ذات الوقت يواجه تحديات اقتصادية خطيرة منذ عدة عقود، فقد عانت البلاد من عدم الاستقرار السياسي، والصراعات الدامية، والافتقار إلى السلطة القويّة للدولة، وغياب الحوكمة الفعالة نتيجة لذلك، مما أعاق قدرته على بناء نظام مالي فاعل، خاصّة أن القطاع المالي الصومالي قديم قدم ممارسة الصوماليين للتجارة الدولية عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر، كما أن المؤسسات المالية الحديثة دخلت إلى البلاد مع دخول القوى الغربية، ولذلك ُبذلت جهود كبيرة في السنوات الأخيرة لتجاوز العقبات في سبيل تنشيط وتعزيز القطاع المالي في البلاد، ضمن مجالات يصبّ تطويرها في بناء نظام مالي قد يحدث التقدّم المنشود.
الاستقرار السياسي والحكم الفعال
الاستقرار السياسي والحوكمة الفعالة أمران محوريان لتطوير نظام مالي مرن، ورغم الظروف الاستثنائية، فإن الحكومات الصومالية المتوالية عملت بنشاط من أجل تقوية مؤسساتها وتعزيز السلام والاستقرار في البالد، إذ من الأهمية بمكان بناء الثقة بين فئات المجتمع المتنوّعة والدّولة، وبين تلك الفئات وما بينها، وتطوير أطر تنظيمية فعّالة تخلق بيئة مواتية لنجاح عمل المؤسسات المالية، وأدائها الأدوار الحيوية المتوقّعة منها بالشكل المرجو.
تعزيز البنية التحتية المصرفية
إنّ البنية التحتية المصرفية القوية هي العمود الفقري ألي نظام مالي قوي في الصومال، وُتبذل جهود لتحديث القطاع المصرفي وتقويته من خلال إدخال تقنيات مبتكرة وإنشاء أطر تنظيمية ، ويشمل ذلك دمج الخدمات المصرفية عبر الإنترنت، والبناء على ما تحقّق من نجاحات لمنصات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، وتفعيل أنظمة إدارة المخاطر ، بحيث تتضافر هذه التطورات عل تسهيل الوصول إلى الخدمات المالية للأفراد والشركات، على أوسع نطاق وأجود مستوى، وبالتالي تحقيق الأهداف وتحفيز النمو االقتصادي.
التمويل المصّغر ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة
تلعب الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة (MSMEs) دورًا حيويًا في أي اقتصاد، والاقتصاد الصومالي ليس استثناءًا، ويتطلب إنشاء نظام مالي فعّال تركيزًا قويًا على دعم المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة كذلك، من خالل الوصول إلى آليات إقراض
ميسورة ومنتجات مالية مصممة خصيصًا، بحيث يتم تشجيع مؤسسات التمويل الأصغر على سد هذه الفجوة من خلال تقديم القروض الصغيرة والخدمات المالية لأصحاب المشاريع الصغيرة، وبالتالي خلق فرص عمل ودفع عجلة التنمية الاقتصادية.
الشمول والتثقيف الماليّان
يعد زيادة توفّر الخدمات ومحو الأمية الماليين جانبين مهمين من جوانب بناء نظام مالي قويّ في الصومال، إذ لا يزال جزء كبير من السكان غير متعاملين مع البنوك، أو يعانون من العجز عن الوصول إلى المؤسسات البنكية الحقيقية، كما يفتقرون إلى الوصول إلى الخدمات المالية الأساسية، ولمعالجة ذلك ُتبذل الجهود لزيادة برامج محو الأمية المالية، وتعزيز الوصول إلى الخدمات المصرفية في المجتمعات الريفية والمهمشة، من خلال خلق الوعي بالأدوات المالية المتاحة، وتثقيف السكان حول الممارسات المالية المسؤولة، ليصبح في متناول الصومال تمكين مواطنيه من المشاركة بنشاط في النظام المالي الرسمي.
التعاون مع الشركاء الدوليين
يدرك الصوماليون أهمية التّعاون مع الشركاء الدوليين لبناء نظام مالي مرن، فمن الممكن أن تساعد المشاركة مع المؤسسات المالية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي، في تعزيز الخبرة الفنية ، والوصول إلى رأس المال، وأفضل الممارسات في القطاع المالي، بحيث سيساعد هذا الجهد التعاوني في تنفيذ الإصالحات ويضمن أن النظام المالي الصومالي يتماشى مع المعايير الدولية مع تلبية احتياجاته وتحدياته الخاصّة به.
وعليه فإن بناء نظام مالي مرن في الصومال، إنّما هو خطوة حيوية نحو إنشاء اقتصاد مستقر ومزدهر، كما أن المبادرات المتخذة بالمجمل لتقوية البنية التحتية المصرفية، وتعزيز الحوكمة، وتوسيع وصول العموم إلى الخدمات المالية، وتقوية التعاون مع الشركاء الدوليين قد ترسي الأسس لبيئة مالية أكثر نجاعة، ومع استمرار تلك الجهود، يمكن للصومال أن يخلق ظروفًا مواتية للنمو االقتصادي الإيجابي، وتحسن مستويات المعيشة، ويضمن الاستقرار لشعبه على المدى الطويل.