للمسلمين في ربوع العالم الإسلامي، وفي مشارق الكرة الأرضية ومغاربها أعيادٌ دينيةٌ ومناسباتٌ إسلاميةٌ، لنا -نحن المسلمين- عيدان جليلان عظيمان: أوّلهما وأكبرهما عيد الأضحى المبارك، وثانيهما عيد الفطر المجيد، وكلاهما هدية الله لعباده الصالحين، حيث يأتيان بعد أداء فريضة بل وشعائر ركن من أركان الإسلام، أي بعد أداء فريضة الحجّ والصيام. هناك عيد الأسبوع أيضا وهو يوم الجمعة سيدة الأيام.
أما المناسبات الإسلامية لدى المسلمين فكثيرة، بعضها مرتبطة بتاريخ مجيد لهم فيه انتصارات وبطولات وحدث جلل، وبعضها مرتبطة بأشخاص ورموز لهم شأوٌ عظيمٌ في تاريخنا الإسلامي، وإبلاغ رسالة الله الخالدة، وبعضها بأمجاد وتحقيق غايات، بل وبعضها بابتلاءات ومصائب جسيمة، وهكذا دواليك.
ومن أهم المناسبات الإسلامية مناسبة ميلاد نبيّنا وحبيبنا نبيّ العرب والعجم محمّد عليه أزكى الصّلاة وأتمّ السّلام، ومنها مناسبة الإسراء والمعراج فهي معجزة وحدث عظيم له وقعه ووزنه في نفوس المسلمين، وفي سطور تاريخنا الإسلامي المجيد، ومنها مناسبة وقعة بدر الكبرى لما بها من تاريخ، وفتح مبين، بل ونصر عظيم مأزّر للإسلام والمسلمين، وأيضاً ما فيها من دروس وعِبر لأعداء الإسلام والمسلمين، وكذلك مناسبة غزوة أحد، والفتح وغيرهما من الغزوات والفتوحات الإسلامية والانتصارات الجليلة للإسلام والمسلمين.
وهناك مناسبات أخرى تلي هذه منها: مناسات الزّواج أو النّكاح، والعقيقة، والتطهير أو الختان، وغيرها، وفي كلها إحياء لسنّة وشعائر فيها امتثال لأوامر الله عزّ وجل، واتّباع لرسوله الكريم بل وإحياء لستنه الطّاهرة صلى الله عليه وسلم. فهي مناسبات إسلامية، والفرق واضح بين أعيادنا ومناسباتنا، وقد يحصل أحياناً إطلاق تلك المناسبات أعياداً، وفي رأيي هذا مجرد إطلاق مصطلح ومقصده مختلف لدى القائل، مادام المفهوم والغرض منه واضح لديه.
إن المسلمين في العالم الإسلامي يحتلفون لمناسبة المولد النبوي الشريف مرة في كل عام من شهر ربيع الأول، كلٌّ بطريقته وأسلوبه. هذا فإن مجتمع جمهورية جزر القمر الاتحادية الإسلامية واحد من المجتمعات الإسلامية في شرق القارة الإفريقية. وللاحتفال بمناسبة المولد النبوي شأو عظيم، ومكانة رفيعة لدى هذا المجتمع، بل وفي مراسيم هذه المناسبة عادات أصيلة وطقوس عريقة ترجع وتضرب إلى جذور عميقة لتاريخ هذا الشعب.
الجدير بالذكر أن القمريين يحتفلون لمناسبة المولد النبوي الشريف طوال الشهر، حيث تستمر فعاليات الاحتفالات من بداية شهر ربيع الأول إلى نهايته، وجرت العادة أن تحتفل جميع المدن الكبيرة في الجزيرة، ولكلّ مدينة يومها وليلتها المشهودة، وهناك جدول أعمال معلوم رسمياً يحدد تنظيم وإقامة هذه المناسبة على طول هذا الشهر.
تبدأ المناسبة بمأدبة غداء أو وليمة بعد صلاة العصر إلى وقت المغرب، وتقدّمُ المديرية أو المدينة دعوة لجميع القرى و الأحياء التي تقع تحتها، ويستمرّ استقبال الضيوف المتوافدة من القرى المختلفة في المنطقة من العصر إلى المغرب، وغالبا ما تُقدّم في هذه المأدبة أو الوليمة اللحوم ما لذّ وطاب والأرز أو ما يعرف بالكبسة (بلاوي وبرياني) والعصائر كلٌ باستطاعته ووسعه.
هذا وتبدأ فعالية المناسبة رسمياً بعد صلاة المغرب مباشرة بكلمات رسمية من مسؤولين رسميين يشاركون الحفل، ثم تلي موعظة أو خاطرة من أحد الشيوخ والعلماء حول المناسبة، بعدها تبدأ قراءة البرزنج المعروفة لدى الكثيرين في عالمنا الإسلامي وباختلاق في إلقائها والتّنغّم أو النرنّم بها. يا لها من جمال!! ما أروعها وما أحسن من صوت قمري فيها!!. هذا وتتخلّل فعاليات الحفل أناشيد إسلامية ومدائح عطرة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم من حين لآخر أو بين كل عطر وآخر إلى أن تنتهي قراءة البرزنج وبأصوات رائعة رطبة سحرية ومأثرة.
والجدير بالذكر أن هناك ساحات وباحات خصّيصة لكل مدينة، تقام فيها المناسبات الاجتماعية والدينية والاجتماعات الأخرى تسع لأعداد كبيرة. وفي مناسبة المولد النبوي تحضر شرائح المجتمع رجالاً ونساء وأطفالاً، ولكلّ مكانه ومقامه الخاص له.
هذا وتسود أجواء الاحتفال فرحة وبهجة، وأن ساحات المولد تزيّن بكل أطياف الزّينة وألوان الزخرفة وأصناف الزهور ونقوش كلمات معبّرة تنوّرها نجوم أرضية مكهربة في جزائر القمر، وكما تفوح في الأجواء روائح البخور الطيّبة الزّكية الفوّاحة من أجود اللبان وأروع العود لدى القمريين، ويشمّ الزائر بل ويستنشق أزكي وأجمل الطيب والعطور من هواء الحفل الطلق.
وكما هو جدير بالذكر أيضاً تتوحّد أزياء وملابس الرجال أثناء المناسبة، حيث إن جميع الرّجال الحاضرين يرتدون ويلبسون الجلّابية أغلبها الجلّابية العمانية وتسمى بلهجة المحلية (الدشداشة أو الكندورة) والجلابية السعودية، ويرتدي الرجال الكوفية أو الطاقية ذات الألوان المتعددة، وهي طاقية مطرزة باليد بأشكال وزخارف جميلة، وعمماً مزكشةً، بل وكلّ ما من شأنه الزينة، يتعطّرون ويتطيّبون بأحسن ما يملكونه من عطور وطيب.
هذا وقد حضرت مناسبة المولد النبوي الشريف في مدينة موروني عاصمة البلاد على رأس وفد، ولم تر عيني رجلاً واحداً غيري يلبس غير جلابية ولا عمّة وكوفيه أو طاقية، وكأنّ ارتداء هذا الزّي واجب على كل رجل يحضر احتفال المولد النبوي غير أني لستُ بأهل قوم من هذه العادة، ولولا ذلك لما خالفتُ عادة أهل البلاد.
هذا وبصدد ختام الحفل توزّع على الضيوف والمشاركين جميعا ظروف وأكياس فيها فطائر وحلويات محلية الصنعة لذيذة ومشروبات معلّبة، وكأنها هدية للأسرة في البيت والأطفال الذين لم يتمكنوا حضور الحفل لسبب ما.
قد جرت العادة قديماً وحديثاً لدى أهلنا في جمهورية جزر القمر الحبيبة تقديم هذه الهدية التي في الظروف والأكياس إلى الأسرة والأطفال الصغار، وعدم أكلها في المحفل، ومَن أكلها فقد خالف العادة، ومن خالفها سُلّطت إليه أو إليها أنظار الاستغراب والدهشة، إلّا أن كان فاعل ذلك وافداً أو أجنبياً لا يعرف طبيعة وعادات تلك المناسبة.
وهنا حصلت الحكاية، فعند ما قدّمت لنا هذه الهدية من الفطائر والبسكويت والحلويات بدأنا نأكلها لأننا لسنا بأرض قوم، وما كنّا نعرف شيئاً عن هذه العادة، إلا أن أخاً قمرياً معنا في الوفد همس في آذان بعض الإخوة، وبعدها تهامسنا نحن الوافدين وتوقّفنا عن الأكل والشرب احتراماً للعادة، ورغم أن الحضور فهم أننا وافدون ولسنا بقمرين.
وحينما سألت عن السِّرّ في عدم أكل الهدية أو المرطبات في المحفل، أُخبِرتُ بأن الجميع قد تناولوا وجبة دسمة في الوليمة أولاَ، ومن باب التّبرك ثانياً لينال غيرُ الحاضرين فيها نصيبا أو قسطاً من هذه البركة، إضافة إلى ذلك أن الأب يخطر الأسرة بأنه ذاهب إلى حفلٍ لمناسبة المولد النبوي الشريف، ومعلوم أنه قد تُقَدّمُ فيه بعض الهدايا أو الحلويات، وعليه تتوقع الأسرة بأن الوالد قد سيأتي بظرف أو كيس الحفل، وكذلك الأطفال الصغار ينتظرونه، وإذا لم يأت بشيء بمعنى أنه لم يحضر المناسبة أو فهم منه شيء آخر. – حسب كلام راوي القصة.
وعلى صعيد احتفالات المولد هناك ما هو جدير بالذكر أيضاً أن كل مولود أو طفل وُلِدَ في شهر ربيع الأول يحتفل سنوياً لهذه المناسبة في بيته، أو الأسرة تحتفل نيابة عن الأطفال الصغار، إذ تقدم برقيات دعوة للشيوخ وبعض الأسر والأصحاب حسب المستطاع لوليمتها، والكلّ يحيي هذه المناسبة في بيته، وفيها يقرأ البرزيج والمدائح النبوية وغيرها من الأناشيد الإسلامية. فهي عادة منتشرة وسائدة في أوساط المجتمع القمري إلى الآن.
كان هذا مجمل ما لمست انطباعاتي، ولفت نظري إليه أثناء مشاركتي في احتفالات مناسبة المولد النبوي الشريف في جمهورية جزر القمر الاتحادية الإسلامية. ونختم مقالتنا بالصّلاة والسّلام على أشرف خلق الله أجمعين محمّد صلوات ربّي وسلامه عليه،… يا حبيبي يا محمّد، ويا نور قلبي:
خُلِقتَ مُبرّأً من كلِّ عَيبٍ، كأنّك قد خُلقتَ كما تشاءُ
وأحسن منك لم تر قَطّ عَيني، وأفضل منك لم تلد النساءُ