تم انتخاب السيد : آدم محمد نور مدوبي المحسوب بتيار المعارضة رئيسا لمجلس الشعب ( الغرفة السفلى من البرلمان ) يوم 27 من شهر نيسان/أبريل في هذا العام الجاري ، ويأتي انتخاب هذ الرجل( المعارض القوي) في وقت تشهد البلاد نوعا من التجاذبات السياسية إثر إنتخابات تشريعية إستمرت لأكثر من عام ستختتم حلقاتها قريبا بالانتخابات الرئاسية المتوقع عقدها في منتصف أو نهايات الشهر المقيل .
ستعقد هذه الانتخابات الرئاسية في ظل أجواء متوترة بين الرئيس الحالي والمجموعات المؤيدة له، وتيار المعارضة المتمثل بمجلس إتحاد مرشحي الرئاسة الصومالية ومنتدى أحزاب المعارضة وولايتي جوبالاند وبونت لاند المعارضتين . كما تتزامن الانتخابات مع إرتفاع حاد في الأسعار جراء الجفاف المتكرر في البلاد ، إضافة إلى الإحتقان السياسي الناتج عن التمديد وتأخر قيام الانتخابات في مواعيدها. كل هذه العوامل جعلت الشعب الصومالي يحبس أنفاسه للإنتقال نحو مرحلة جديدة عنوانها قيادة جديدة تستطيع أن تخرج البلاد من النفق المظلم إلي بر الأمان . ولذلك جاء فوز الشيخ: آدم مدوبي في مرحلة دقيقة وفاصلة في تاريخ الشعب الصومالي ليحمل في طياته عدة دلالات :
الأولي : أن رياح التغيير بدأت تتحقق وأن الكفة صارت تميل نحو المعارضة التي من المرجح أن تفوز بمنصب الرئاسة.
الثانية : أن الرجل عرف بمواقفه المناهضة لسياسات الحكومة الحالية ، وبالتالي سيلعب دورا مهما في العملية الإنتخابية تسريعا وترجيحا.
الثالثة : إن معسكر المعارضة -وإن إختلفت الإتجاهات- إلا أنه يستطيع أن يوحد كلمته في حالة الشعور بالتهديد من تيار الرئيس ، إذ أن الشيخ مدوبي لم يفز إلا بعد مقاربات عملتها المعارضة في الحاق الهزيمة بالطرف الآخر.
من هو الشيخ آدم مدوبي ؟
ذكر الشيخ آدم مدوبي أثناء عرض سيرته الذاتية في خطاب الترشح لرئاسة البرلمان بأنه قد ولد في في نيسان/أبريل عام 1956 في بلدة حدر حاضرة محافظة باكول في جنوب غرب الصومال ، درس القرآن الكريم والدراسات الإسلامية في محطات مختلفة من حياته . كما أصبح مدرّساً في مدرسة (خلوة ) لتحفيظ القرآن الكريم والتي تخرج منها عدد كبير من الطلاب، قبل أن ينتقل إلى المجال السياسي المضطرب في الصومال منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث أصبح في عام 1995م ، أحد أبرز مؤسسي “جيش الرحو ين للمقامة”، المختصر بـ RRA، وتبوأ حينئذ منصب النائب الأول لرئيس الجبهة .
وفي الفترة من 1991 إلى 1992 كان آدم مدوبي ممثلا للحركة الديموقراطية الصومالية في منطقة باكول ، وعين مفوضاً لمدينة حدر في الفترة من 1992 إلى 1995، في وقت كان الشعب الصومالي يخوض حروباً أهلية بعيد الإطاحة بالحكومة العسكرية في عام 1991م . وفي عام 2004، أصبح عضواً في البرلمان الاتحادي في الحكومة الصومالية الإنتقالية، التي إنبثقت من مؤتمر إمبكاثي بنيروبي ، وتولى إثرها منصب وزير العدل في الحكومة التي كان يرأسها السيد : علي محمد غيدي” رئيس الوزراء آنذاك .
وفي 31 كانون الثاني/يناير 2007 – 2010، انتخب رئيسا لمجلس الشعب عقب خلافات طرأت بين رئيس مجلس الشعب آنذاك، السيد : شريف حسن شيخ آدم، ورئيس الحكومة الانتقالية، العقيد عبد الله يوسف أحمد، ما أدى – في النهاية – إلى إقالة شريف حسن من رئاسة مجلس الشعب .
ظل مدوبي في منصبه حتى سقوط حكومة الرئيس عبد الله يوسف، وعمل لفترة قصيرة رئيسا مؤقتا لجمهورية الصومال، عقب إستقالة الرئيس في كانون الأول/ديسمبر 2008، إلى حين انتخاب الرئيس الصومالي الجديد في ذلك الوقت، الشيخ شريف شيخ أحمد في 31 كانون الثاني/يناير 2009.
وفي الفترة بين نيسان/أبريل وأيار/مايو 2010، نشب خلاف بين الشيخ آدم مدوبي ورئيس الوزراء الصومالي آنذاك عمر عبد الرشيد شارمارك، وأدى الخلاف في نهاية المطاف إلى إستقالة مدوبي بعد أن صوت البرلمان لاحقاً على إقالته، وأعيد انتخاب شريف حسن رئيساً للبرلمان الانتقالي مرة أخرى، ليحل محل الشيخ آدم مدوبي. وفي يناير/كانون الثاني 2014، عينه رئيس الوزراء عبد الوالي شيخ أحمد وزيرا في حكومته وبمنصب وزارة الصناعة والتجارة، وشغل هذا المنصب إلى أن سحب البرلمان الثقة من رئيس الوزراء، لإنهاء الصراع السياسي الذي اندلع في تلك الفترة بين رئيس الحكومة وبين رئيس الدولة حسن شيخ محمود .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشيخ آدم مدوبي كان قبل ترشحه لهذا المنصب عضواً في حزب “هملو قرن ” بقيادة الرئيس الصومالي السابق شريف شيخ أحمد، لكنه قد قدّم إستقالته من منصبه في الحزب مراعاة لمبدأ الحياد في المناصب الدستورية .
الآفــــــــاق
لا شك أن انتخاب الشيخ آدم مدوبي سيخلط الأرواق في إعادة انتخاب الرئيس المنتهية ولايته،ويربك حسابات معسكر الرئيس، لأن انتخاب رئيس المجلس و نائبيه الأول والثاني يعد مؤشرا للقياس على عدد الأصوات التي سيحصلها الرئيس الحالي في الجولة الأولي من السباق الرئاسي، والتي من المحتمل أن تجري في منتصف أو نهاية الشهر القادم. وبالرغم من أن رئيس المجلس قد تم انتخابه بشكل توافقي في الفترتين السابقتين 2012, 2017، ولم يشهد تنافسا محموما يذكر، إلا أن هذه المرة كان الأمر مختلفا، ويعزى ذلك إلى سياسة الإقصاء وتكميم الأفواه التي مارستها الادارة الحالية ضد المعارضة.
ويبدو أن هزيمة المرشح المدعوم من قبل الرئيس السيد: حسن عبد النور قد أضافت للأجواء الانتخابية حماسا أدى هو الآخر الى فوز عضويين أخرين بمنصبي النائب الأول والثاني لرئيس مجلس الشعب يحسبان إلى حد ما على المعارضة.
هذه الخطوة انعشت الآمال العريضة لتيار المعارضة في الظفر بالرئاسة ودون تكلف عناء المشقة في هزيمة معسكر كان يحسب أن النصر حليفه في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. إن المعسكر المويد للرئيس صار اليوم يتخوف من أن حظوظ مرشحهم بدأت تتضاءل، و منحنى إعادة انتخابه في طريقه نحو الانحدار. ومع ذلك قد علمنا العرف السياسي الصومالي بأنه لا يمكن المراهنة بأي حال من الأحوال على كسب جولة واحدة أو على عامل واحد من بين تلك العوامل المتعددة، والتي غالبا ماتقود إلى تحقيق النصر النهائي لطرف دون آخر. ولا تخلو الساحة السياسية الصومالية عن عنصر المقاجآت إذ لا تحكمها معايير دقيقة، تتغير فيها قواعد اللعبة باستمرار، وتتحكمها مزيج من العوامل الداخلية والخارجية.
وفي سياق التنافس الرئايسي بين الرئيس الحالي والمعارضة، يرجّح أن رئيس المجلس السيد: آدم مدوبي سيلعب دورا حاسما في تحديد هوية الرئيس القادم، حيث سيقنع عددا كبيرا من النواب من دائرته –جنوب غرب الصومال—أن يضموا أصواتهم إلى صوت المعارضة مقابل إغرائهم بأن يكونوا جزءا من تشكيل الحكومة القادمة في حالة فوز أحد مرشحي المعارضة بالرئاسة . وهذا بدوره سيضعف وسيشتت ما تبقى من الأصوات لدى الرئيس الحالي .
وهناك بعض التحليلات المحلية التي تذهب إلى أن الرئيس قد ينسحب من دخول السباق إذا توصل إلى نتيجة عدم قدرته في حسم السباق لصالحه بالحولة الأولي تفاديا لتضرر سمعته المتدنية أصلا ، ليتمكن من إستخدام ذلك كورقة سياسية في المستقبل إذا عزم العودة إلى الساحة مرة أخرى .
ومهما كان الأمر ، فإن العد التنازلي نحو السباق الرئاسي قد بدأ ، وتحمل نتائج انتخابات رئاسة المجلس رسائل متعددة تبقي أهمها أن أحد مرشحي المعارضة ربما سيحمل حظه نحو القصر الرئاسي ليحكم مرحلة جديدة تتطلب رؤى جديدة لقيادة دولة مزقتها الصراعات السياسية و الحروب العبثية والمجاعات المتكررة .