ملخص:
لقد جاء اختيـار الباحث لدراسة ظاهرة “السلفية الجيبوتية: من الصعود إلى الأفول” كنتاج لجملة من الاعتبـارات والعوامل، تمثلت في مجملها أهمية هذه الأطروحة على المستويين الفكري والسياسي، فقد كان لتنامي الفكري السلفي دور العامل الأول، فيما كان لانعكاســـات هذه التنامي على الحالة الجيبـوتية دور العامل الثاني، كما أن المتغيــرات الهائلة التي تمـر بها العلاقات السلفيـة مع القـوى السياسية والفكرية الوطنية ومكونات المجتمع الجيبـوتي بشكل عام، فضـلاً عن حالة الاهتزاز والغليـان المستمر لبيئتها الداخلية، كانت كلها عـوامل موضوعية، دفعت الباحث لمحاولة الوقوف على تفاصيـل واقع السلفية الجيبــوتية واستشراف مستقبلها ومالاتها.
أهـــــــــداف الدراسة:
واحد من أهم أهـداف هذه الدراسة، يتمثـل في دراسـة حالـة السلفية الجيبـوتية، والإمساك بمجمل العناصر والعوامل التي ساهمت في بـروز الواقـع السلفي الراهن، من أجل الوصول إلى رؤية عامة للمُرتكزات والمُحددات المنهجية للفكر السلفي المُتغيـر، وبالتالي فهم طبيعة بنيتها الداخلية وعلاقاتها التفاعلية وكذلك العوامل والمؤثرات على التطور السلفية ومآتها المستقبلية بصفة عامـة، مع أخذ الاعتبـار للظروف السياسية والمتغيرات المحلية، والإقليمية، والدولية.
كما تهدف الدراسة إلى إثراء البحث العلمي فيما يتعلق بدراســة الحركات الإسـلامية المعاصــرة، لا سيما وأن مسألة الحركات الإسلامية في منطقة القرن الإفريقي وجيبـوتي بصفة خاصة، لا زالت تحتاج إلى دراسات معمقـة، على عكس نظيراتها في العالمين العربي والإسـلامي التي نالت حظاً وافراً من الاهتمام والبحث.
إشكالية الدراسة:
في محاولة للوصول إلى الأهـداف المذكورة أعلاه، انطلق الباحث في صياغة إشكاليـة الدراسـة، وتتمحور حول بحث وتحليــل أوضاع السلفية الجيبـوتية والسيناريوهات المستقبلية المحتملة، وذلك من خلال تحديد وطـــــرح الإشكاليـة التاليـــــة:
- ما أهم العوامل المؤثـــرة في مســــارات السلفية الجيبــــــوتية؟ وتطور بيئتها الداخلية، وكذلك علاقاتها التفاعلية، وارتباطاتها الداخلية، والخارجيـة؟؟
ولمحاولة الإجابة عن هـــــــــذه الإشكالية، لا بد لنا من صياغة وطرح جملـــــــة من الأسئلة الفرعيــة المساعدة، تتمثــــل في الآتي:
- ما هي السلفية؟ وما مفهومها ودلالاتهـــــــا؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء الجـــــــدل والخــــــلاف الدائــر حول استخدام هذا المصطلح للدلالة على بعض الحركات الإســـــــلامية المعاصـــرة؟
- ما هي أسباب التعدد والتباين دخل التيارات السلفية؟ ما بين سلفية تقليدية وأخرى حركية، وثالثة علمية وهابية “مدخليه ومقبليه”، ورابعة جهادية “قطبية وسروريه” وأخيرا سلفية لا سلفية.
- لماذا تتعدد هذه التيارات وهي التي طرحت المنهج “السلفي” لجمع الأمة؟ وما هي أسباب وبواعث هذه الانقسامات؟ وكيف يمكن لنا أن نظر إلى مستقبل تلك التيارات؟؟
- كيف نشــــــأت وتطــــــورت الدعـوة السلفية في منطقة القرن الإفريقي وجيبـــــــوتي بصفة خاصة؟
- ما هي خصائص ومميزات السلفية الجيبــــــــوتية؟ وما هي مرتكزاتها الفكرية ومحدداتها المنهجيـة؟
- ما طبيعة دور السلفية الجيبوتية في الساحة المحلية؟ وإلى أي مــــــدى يمكن لارتباطاتها الخارجيــــة أن تأثــــر على توجهاتها الفكرية والسياسية في هذه التفاعلات؟
- وما هي التحديات والصعوبات التي توجه السلفية الجيبوتية؟ وما مدى قدرتها على التكيُف مع الظروف والُمتغيرات السياسية والاجتماعية والأمنية الراهنة؟؟
فرضيات الدراسة:
من أجل التفكيك والإجابـة عن الإشكاليـة محـــــل الدراسة، انطلق الباحث في فحص فرضيـــــاته التي يمكن إيجازها في الآتي:
- ثمــــة عوامل وأسباب موضــــــــوعية ساهمت في بــــــروز الفكر السلفي وانتشاره في المنطقة بهـــذا الشكل من أهمها: الواقع السياسي المتخلف والانحطاط الفكري العميق الذي تعاني منــــــه المنطقـــــــة وجيبوتي بصفة خاصة.
- على عكس الشعوب والمجتمعات الأخرى في المنطقــــــة، فإن أغلب مكونات المجتمع الجيبوتي، لا تزال تجد صعوبة بالغة في تقبل الفكر السلفي السائد في المنطقـــــــة، ولهذا فإن دور التيارات السلفية وتأثيــــــراتها على المشهد الجيبوتي العام، لا يزال يتسم بالمحدودية والضعف حتى اليوم.
- هناك العديد من التحـــــديات الداخلية والخارجية تواجهها السلفية الجيبــــــوتية، منها غياب التفكير المنهجي والعقـــلاني لمواجهة التحديات والظروف المتردية التي آل إليها الواقع الحضاري الإسلامي، كما أن وجودها ومستقبلها يتحدد بمدى قدرتها على صياغة خطاباً فكري وسياسي أكثر عقلانية وواقعية للاتصال بالجمهـــــــور، وكذلك مدى فهمها ووعيها بالتحولات والمتغيرات الحاصلة على الساحة المحلية والإقليمية والدولية.
هيكــــل الدراسة:
فحص هذه الفرضيات تتطلب من الباحث تقسيم الأطروحة إلى أربعــــــة محاور رئيسية، بالإضافة إلى المقدمـــــة والمدخل التمهيدي والخاتمة التي تعرض النتائج والتوصيات التي خلصت إليها هذه الدراسة، وذلك وفق الخطـــــــة الآتيــــــة:
المقدمـــــــة: تتضمن تحديد إشكالية الدراسة ومن خلالها تم توضيح أهمية هذه الدراسة وفرضياتها إلى جانب منهجيتها وأهدافها في الإطار العام.
أما المدخل التمهيـــــدي فيعالج إشكالية ضبـــــط المفهوم السلفية والمفاهيم الأخرى ذات العلاقة بموضوع الدراسة، لإزالة اللبس والغموض والتداخل بين المصطلحات، من أجل تأسيس لقاعدة نظرية تكون مدخــــــلاً للباحث في تحويله هذه المفاهيم المجردة إلى واقع إجـــــرائي من خلال ترجمتها واسقاطها على الحالة السلفية عموماً، والسلفية جيبوتية.
ويتطرق المطلب الأول إلى المحددات المنهجية والمرتكزات الفكرية للدعوة السلفية، وتم من خلاله ضبط وتحديد المنطلقات الفكرية والسياسية التي قامت عليها السلفية المعاصرة، لفهم سلوكها وعلاقاتها التفاعلية مع الاتجاهات الأخرى وتعاملها مع المتغيرات والظروف المتـردية التي آل إليها الواقع الحضاري الإسلامي على كافة مستوياته السياسية والاقتصادية، والفكرية، والاجتماعية، والدينية.
أما المطلب الثاني فيعالج نشـــــــأة الدعوة السلفية المعاصرة وتطورها، ومن ثم التطرق إلى خصائص ومميزات النشأة السلفية في جيبــــــــــوتي، وتفسير انتشارها في البلاد، لتحديد العوامل الداخلية والخارجية التي ساهمت إيجاباً أو سلباً في مسيرتها، والتوقف عنـد أهم المحطات التي مرت بها، وكيف أثرت كل محطة في توجهاتها وعلاقاتها التفاعلية.
أما المطلب الثالث فيستهدف دراسة واقع السلفية الجيبوتية، وتحليل دورها وتأثيـرها على الساحة المحلية، ومن ثم يتناول تفاعلات بيئتها الداخلية بناء على محدداتها المنهجية والفكرية وهياكلها التنظيمية، علاوة على تصورتها السياسية تجاه مجمل القضايا الوطنية والمتغيرات المحلية والخارجية التي تتم وفقاً للتحولات الجيوبولتيكية الجارية في منطقة القرن الإفريقي والعالمين العربي والإسلامي بشكل عام.
بينما يتعرض المحور الرابع السيناريوهات المتوقعــــــة لواقع السلفية في جيبـــــوتي والآفاق المستقبلية، من خلال دراسة وتحليل التحديات التي توجهها على كافة المستويات والأصعدة، ومدى قدرتها على التكيف مع هذه المتغيرات، ومن ثم معالجة تأثيـــــرات وتداعيات هذه التحديات على مستقبل الفكـــــر السلفي في البــــــلاد.