يستمر حديثنا عن طلبة الأمس وعلماء اليوم الذين أخذوا علم الصرف على يد شيخهم عبد الرحمن الشيخ يوسف (طوب) المشهور بالشيخ عبد الرحمن الصرفيلي الأغاديني، لكثرتهم ولأهميتهم ، وأنّ أغلبهم حملوا المورث العلمي الذي ورثوه عن شيخهم، حتى إنّ بعضهم أوصلها إلى آفاق بعيدة وإلى المهجر؛ حيث انتشر أهل الصومال عقب الحروب الأهلية التي أكلت الأخضر واليابس وجعلت البلاد شذر مذر؛ إذ أنه قلّما تجد بلداً من البلدان العالم وإلا تجد فيه أهل الصومال.
ومن هؤلاء:
– الشيخ عبد الرحمن محمد عثمان حسن عبد القادر أحمد الويتيني الأبسمي المشهور بالشيخ عبد الرحمن الصرفيلي، والذي كان ضمن طلبة العلم الذين أخذوا فنّ الصرف من الشيخ عبد الرحمن الشيخ يوسف (الشيخ عبد الرحمن الصرفيلي) – كما سبق ذكره – وقد أخذ عنه اللغة العربية من نحو وصرف في مدينة مقديشو ، وخاصة مسجد الشيخ عبد القادر (المقام).. وكان للشيخ عبد الرحمن محمد عثمان دور مهم عند حضور حلقة شيخه، بحيث كان يعيد الدرس للطلبة حتى يتمكَّن لمن لم يفهم ما ذكره صاحب الدرس، وهذا معناه أن الشيخ عبد الرحمن محمد عثمان كان بمثابة مساعد لشيخه في حلقته الصرفية. ثم بعد ذلك عقد لنفسه حلقات خاصة لعلم الصرف، وكان يقوم بتدريس الصرف من كتاب “لامية الأفعال” لابن مالك ، وكذلك “حديقة التصريف” للشيخ عبد الرحمن الزيلعي، وسوف يأتي الحديث عن حلقة الشيخ مفصلة فيما بعد.
والحقيقة أنّه مما ذكرناه من طلبة الشيخ عبد الرحمن الشيخ يوسف (طوب) المشهور بـ الشيخ عبد الرحمن الصرفيلي الذين أخذوا فنّ الصرف من خلال حلقاته العلمية يُعدّ غيض من فيض ، لاسيما أنّ الشيخ عبد الرحمن الشيخ يوسف وهب نفسه لدراسة هذا الفنّ مع بعض كتب النحو، غير أنّه اشتهر بعلم الصرف لتعدد حلقاته في اليوم الواحد، ولم يلتزم في مكان واحد ، فجلس في مسجد الشيخ عبد القادر (المقام) ، ومسجد طغحتور ، ومسجد عديغا ، بالإضافة إلى بعض الزوايا والمكتبات، وكان كل ذلك في العاصمة مقديشو وحدها، علماً أنّ الذين أخذوا هذا الفنّ – أي فنَّ الصرف – من حلقاته التي كانت في مقديشو كانوا يأتون من أماكن مختلفة، ولم يكونوا فقط ممن كان يقطنون في العاصمة فحسب. وهذا الأمر جعل مجالس الشيخ وحلقاته العلمية وعلى رأسها فنّ الصرف تأخذ بُعداً كبيراً ، وخاصة عند ما واصل طلابه درب شيخهم في نشر هذا الفنّ في داخل البلاد وخارجها.
ومن تلاميذ الشيخ عبد الرحمن الشيخ يوسف (الصرفيلي) أيضا الشيخ العلامة الفقيه أبي بكر علي كديل kadiil الغالجعلي Gaaljecel الصالحي الرشيدي، أخذ عنه علم الصرف والنحو كألفية ابن مالك. والشيخ أبو بكر علي كديل عالم ولغوي، كما أنّه متبحر في الفقه وخاصة الفقه الشافعي ، حيث عكف على دراسة كتب الشافعية كالمنهاج والإرشاد ما يربوا خمسين سنة، وله أتباع وطلاب كثر. والشيخ صاحب سجادة الطريقة الرشيدية في مقديشو، كما أنّ الشيخ يعطي اهتمامه في التأليف والكتابة ، وله مؤلفات طبعت باسم أحد طلابه تواضعا منه، مثل:
كتاب ” معين المحتاج على قواعد المنهاج”
وكتاب ” وثمرة الفؤاد في قواعد الإرشاد “، وغير ذلك شفاه الله وعافاه.
والحقيقة من الصعب حصر كل من نهل من مجالس الشيخ عبد الرحمن الشيخ يوسف (طوب) وأخذ منه علم الصرف، وما ذكرناه هنا ليس إلا النزر اليسير.
- مقديشو والحلقات الصرفية الأخرى:
نواصل الحديث عن ضرب بعض الأمثلة للحلقات الصرفية في مقديشو؛ لتكون نماذج حية لما كان يجري على جنبات المدينة من الحركة العلمية في مختلف العلوم والمعرفة، غير أنّه يعنينا هنا الحلقات الصرفية فقط والتي أشرنا بعض منها؛ ومن هذه الحلقات التي كانت تدرس فيها علم الصرف بمدينة مقديشو:
حلقة العلامة الشيخ عطاء بن محمد بن عبد الرحمن المشهور بالشيخ صوفي في مدينة مقديشو، وكان الشيخ عطاء بن محمد يقرأ فنوناً مختلفةً بما في ذلك تدريسه بعلم الصرف، وقد اتجه إلى حلقاته طلبة العلم في تلك الفترة، مثل الشريف عيدروس علي عيدروس الذي كان ضمن طلبة العلم الذين التفوا حول الشيخ عطاء بن محمد ، وقد استفاد الشريف عيدروس وغيره من تلك الحلقات علوماً كثيرةً مثل علم الفقه والصرف واللغة، علماً أنّ الشريف عبدروس ترك أثراً دينياً وثقافياً، وهو صاحب كتاب “بغية الآمال في تاريخ الصومال”، الذي يعتبر من أهم المصادر والمراجع للصومال الحديث.
حلقة الشيخ عبد المجيد شيخ محمد شيخ صوفي شيخ عدي في مدينة مقديشو، وكانت هذه الحلقة مليئة بالعلم والمعرفة، ليس علم الصرف ودروبه الذي كان الشيخ بارعاً وملماً به فحسب، وإنّما كان يقوم أيضاً بتدريس العلوم الإسلامية الأخرى، مثل علوم اللغة العربية الأخرى كالنحو والبلاغة والمنطق وغير ذلك، وكذلك بعض كتب العقيدة والفقه والأحاديث، كما كان يقوم بتفسير القرآن الكريم، غير أنّ درس فضيلة الشيخ عبد المجيد في علم الصرف كان مشهوراً ومتميزاً، وقد توجه إلى حلقته عدد من طلبة العلم، ويكفي للشيخ عبد المجيد شيخ محمد فخراً واعتزازاً بأنّه أخذ منه هذا الفنّ – فنّ الصرف – وغيره في العلوم العربية أحد أبرز العلماء في قطرنا الصومال، وهو الفقيه العلامة المؤرخ الفلكي الطبيب الشيخ محمد بن أحمد محمود شيخ عبد الرحمن الشاشي المقدشي الصومالي المشهور بشيخ أبَّا – رحمه الله – وأخذ منه علم النحو والصرف، بالإضافة إلى العلوم العربية الأخرى كالبلاغة والمنطق، كما أخذ منه العقيدة والفقه والتفسير والأحاديث. والمعروف أنّ الفقيه الشيخ محمد بن أحمد ( شيخ أبَّا) كان متمكناً بالعلوم العربية والإسلامية، وترك أثراً علمياً وثقافياً على البيت الشاشي، كما كان له علاقة علمية وثقافية مع العلماء والمثقفين في القطر الصومالي وخارجه. وكان لي شخصياً حظ لصحبته والاحتكاك به – رحمه الله – وقد استقبلني أيما الاستقبال في مقره بمقدشو عند ما كنت في الدراسات العليا، ووقف معي ، بل وتلقيت من فضيلته السند والتشجيع، والحقيقة أنّه يكفي لفضيلته فخراً واعتزازاً بأنّه ترك ابن أخته فضيلة الشيخ أحمد بن عثمان الشاشي ( أحمد منير)، وزوج ابنته، الزاهد العابد، وصاحب المجالس العلمية المتنوعة، والمؤلفات العديدة، مثل:
- إعانة الطالب الناوي شرح إرشاد الغاوي في مسالك الحاوي، لأبي عبد الله الحسين بن أبي بكر بن إبراهيم النزيلي.
- حاشية الشاشي
كشف المعاني الخافية شرح الجوهرة السامية
- جواهر البحر المعين شرح القصيدة اللامية شجرة اليقين.
- كشف سر المخبأ في ترجمة الشيخ أبا
- الاعتماد في حل ألفاظ الإرشاد.
ومن الحلقات الصرفية في مدينة مقديشو:
حلقة الشيخ مريدي حاجي صوفي محمد دينله شغاله الشاشي المقدشي، وكان الشيخ يقرأ علوماً كثيرةً ، ومن بين ذلك تدريسه فنّ الصرف، وأغلب من كان يلتف حوله كانوا من شباب الصحوة في السبعينات الذين كانوا لهم علاقة قوية بالحلقة التفسيرية التي كان يرعاها المفسر الشيخ محمد معلم حسن في مسجد الشيخ عبد القادر المشهور بـ المقام قبل سجنه. ومهما كان الأمر، فإنّ الشيخ مريدي حاجي صوفي كان يواصل حلقته الصرفية، ويقرأ كتاب لامية الأفعال ، وكذلك كتاب حديقة التصريف في مسجد الشيخ عبد القادر الذي أشرناه من قبل. وكانت حلقته هذه تجري على شكل نظام الحلقات المعروفة بمنطقة القرن الإفريقي عموماً، وبقطرنا الصومالي خصوصاً، كما كان يقوم بتدريس علم النحو في المسجد نفسه وغيره، مثل كتب الآجرومية والعمريطي وملحة الأعراب والكواكب الدرية وقطر الندى وبل الصدى وألفية الإمام مالك ، وكان يلقي الشيخ أيضاً تفسير القرآن الكريم في مسجد جامع الشنغاني في حي الشنغاني، وكذا في مسجد مرواس في حي حمروين؛ حيث كان يدرس علم النحو أيضا من كتاب تحفة السنية على شرح الآجرومية وكتاب العمريطي وملحة الاعراب والكواكب الذرية وقطر الندى وألفية الإمام مالك، بالإضافة إلى بعض كتب الصرف – كما ذكرنا من قبل – ، وعند ما سجن الشيخ محمد معلم حسن تولى الشيخ مريدي تدريس تفسير القرآن الكريم، ولكن في مسجد أربع رُكُنْ تحول أغلب شباب الصحوة إلى درس الشيخ، وقد التحقتُ بهذه الحلقة وأنا فتى يافع في المرحلة المتوسطة، وكنت أصغر من يحضر الدرس تقريباً، أجلس قريباً من الشيخ أساعده في تهيئة مجلسه وتجهيز مكبر الصوت (الميكروفون) أحياناً. وعلى كل حال، كان الشيخ مريدي يهتم بالعلوم العربية المختلفة ، بحيث كان الشيخ يرى بأن المفسر لا يمكن له القيام بالتفسير دون إلمامه بالنحو والصرف. ومن هنا فلا يستغرب عنايته بالتأليف ووضع كتاب له علاقة بعلم النحو، وهو كتابه: ” كتاب النحو” الذي ما زال مخطوطاً حسب علمي.
ومن أشهر مجالس علم الصرف في مدينة مقديشو أيضاً:
حلقة الشيخ عبد الرحمن محمد عثمان حسن عبد القادر أحمد الويتيني الأبسمي المشهور بالشيخ عبد الرحمن الصرفيلي، وكانت معروفة في مقديشو في أواخر السبعينات والثمانينات في القرن المنصرم. والشيخ عبد الرحمن ينحدر من قرية عِين Ciin الواقعة قرب وادي فافن Faafin في نواحي منطقة طغحبور ، وأمه السيدة زينب نوح حاج حسين الكرنلية من قبائل هوية، وقد تربى تربية حسنة ، بحيث تعلم القرآن الكريم وبعض العلوم الشريعة في منطقته على أيدي أسرته، ثم رحل لطلب العلم في داخل جمهورية الصومال، وخاصة قرية موروغابَي Moorogaabey ومدينتي واجِدْ ويِيت Yeet، في إقليم بكول، ثم استأنف الشيخ عبد الرحمن طريقه إلى طلب العلم، ووصل إلى مدينة واجِدْ، وفور وصوله إليها انضم إلى الحلقات العلمية. كما ذهب لطلب العلم إلى لؤلؤة المحيط الهندي مدينة مقديشو؛ حيث لزم على الحلقات العلمية التي كانت تجرى في جميع جنبات المدنية ، وواظب بعض الحلقات مثل حلقة الشيخ عبد الرحمن الشيخ يوسف المشهور بالشيخ عبد الرحمن طوب، وتارة بالشيخ عبد الرحمن الصرفيلي، ولازم كثيراً هذه الحلقة، وأخذ عن شيخه علم الصرف الذي أصبح فيه لاحقا بارعا وماهرا حتى لقب بالشيخ عبد الرحمن الصرفيلي بعد شيخه. وقد كنتُ أرى الشيخ عبد الرحمن محمد عثمان في مقديشو ، وخاصة في حلقات المساجد العلمية مثل مسجد الهدى في ناحية سيغالي في حي هُدُنْ، ومسجد الشيخ عبد القادر المعروف بـمقامكَ – أي المقام – ومسجد طغحتور، وحلقته التفسيرية على يد الشيخ محمد أو يوسف بن الشيخ محمّد الأغاديني من فخد علي وناغ، أحد بطون بني عبدله. أما حلقة الصرف فكانت في مسجد الشيخ عبد القادر؛ حيث كان الشيخ عبد الرحمن الشيخ يوسف يدرس هناك حلقة معروفة بعلم الصرف يقرأ فيها كتاب لامية الأفعال لابن مالك، وكان الشيخ عبد الرحمن محمد عثمان من أهم طلبة العلم ، بل كان يقوم بعد حلقة شيخه يعيد الدرس مرة أخرى ، ويلتف حوله أغلب من كان معه في الدرس، وذلك ليتعقموا فيه، ثم بعد ذلك كوّن حلقة خاصة للصرف في أكثر من مسجد وزاوية ، حتى اشتهر بـ اسم عبد الرحمن الصرفيلي، وذلك لكثرة دوامه لهذه الحلقة بحيث لم يكن يمل من أن يعقد حلقته حتى ينتهي درس الصرف كله أو الكتاب المخصص للحلقة، وكان يستمع حلقته الصرفية كبار العلماء وطلبة العلم، مثل: فضيلة الشيخ محمد أو يوسف بن الشيخ محمد الأغاديني ، إمام مسجد طغحتور والمفسر الزاهد – رحمه الله – فكنت أستغرب ذلك أنا شخصياً ؛ حيث كان ينضم إلى تلك الحلقة فور انتهائه من درسه في التفسير، وهي إحدى حلقات طلابه، وكأن لسان حاله يقول: كن عالما أو متعلما، مما يدل على أنّ الشيخ محمد أويوسف كان يعطي اهتمامه باللغة العربية مثل الصرف حتى عند ما جلس على كرسي العلم وقام بالتدريس، بحيث استمر الشيخ يواظب على إحدى حلقات النحو والصرف التي كانت تُعقد في مسجده.
وقد استمر الشيخ عبد الرحمن محمد عثمان ( الصرفيلي) على منواله في نشر العلم وعقد حلقات بخصوص فنّ الصرف، ولم يتوقف حتى حينما رحل الشيخ إلى الحجاز ، على الرغم من أنّ هدفه الأول كان لطلب العلم وزيارة بيت الله الحرام إلا أنه كان يقوم بعقد حلقات لغوية كالصرف لطلبة العلم بمعهد الحرم المكي الشريف، وكذا لطلبة جامعة أم القرى، وكان الشيخ يقرأ دروسه بأروقة المسجد الحرام، وبعض أربطة مكة، وأماكن أخرى، و كانت جهود الشيخ عبد الرحمن مقدَّرة ومعتبَرة ضمن الأعمال والحلقات العلمية في المهجر الصومالي في المشرق والمغرب عبر العصور الماضية حتى يومنا هذا. علماً أنّ الشيخ عبد الرحمن يُعدّ من الذين اختاروا بمجاورة بيت الله الحرام ، والمكوث فيها ، وكان يعيش بجوار بيت الله قرابة أربعين سنة ، وقد تزوج من أهل مكة، ومن بيت صومالي معروف بالدين والشرف، وصاهر السيد طاهر جيلي المريحاني عند ما تزوج بنته التي أنجت له أولاداً ، حفظهم الله جميعاً.