يعد الدكتور محمد حسن معلم علي من القلائل الذين ندروا للكتابة عن الصومال وتاريخها وحضارتها ، فقد ألف كتبا كثيرة عن تاريخ منطقة القرن الإفريقي قديمها وحديثها، وركز كثيرا على العلماء ودورهم في نشر الإسلام في المنطقة متتبّعا الهجرات التي تبدأ بهجرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة يوم أن ظلموا في مكة، واضطروا للهجرة إلى خارجها بحثا عن عدل قال عنه الحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم. ” لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ، حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجَا مِمَّا أَنْتُمْ فِيه ” لتمتد بعدها إلى هجرات متتالية تجارية ودعوية ساهمت هي الأخرى في نشر الإسلام في منطقة شرق أفريقيا ، وعززت العَلاقة فيما بينها وبين الجزيرة العربية “مهبط الوحي” . وقد كتب الدكتور كذلك عن الثقافة العربية وروادها في الصومال متتبعا القلم الصومالي وكيف أبدع في الكتابة بحرف الضاد ومنذ زمن سحيق، الأمر الذي أهّله بكل جدارة أن يكرم من قبل الاتحاد العام للصحفيين العرب ضمن ألمع الكتاب في الوطن العربي عام 2014 م. في خضم الجهود التي تبذله شبكة القرن الإخبارية بإجراء حوارات متنوعة توثّق لهذه المرحلة الهامة والفاصلة من تاريخ بلادنا مستهدفة بذلك في المقام الأول المثقّفين والأكاديميين والكتاب ورجال السياسة وصنّاع القرار، كان لنا كل الشرف أن نلتقي بالمؤرخ الصومالي: الدكتور/ محمد حسبن معلم كي نسأله عن آخر إنتاجاته في التأليف وما يتطلع إليه من أعمال جديدة، والتحديات التي تعتري على طريق الباحث الصومالي نحو التأليف والإبداع، ومسائل أخرى مهمة تفيد للقارئ الصومالي والعربي على حد سواء.
القرن الأخبارية : تحية طيبة : د. محمد حسين معلم علي . ضمن سلسة الحوارات التي تجريها شبكة القرن الإخبارية مع الساسة وصناع القرار ورجال الفكر والباحثين والكتاب ورموز المجتمع المدني، يسعدنا أن نلتقي بك في هذا الحوار الذي وبلا شك سيستفيد منه جمهورنا القرّاء ويطبع لاحقا في شكل كتيب لتعم الفائدة. في البدء نرحب بك في شبكة القرن الإخبارية ونود أن تعطينا أولا نبذة يسيرة عن سيرتك الذاتية بشقيها العلمي والعملي ؟
د. محمد حسين معلم : أولا: أشكركم على استضافتكم الكريمة وحسن ظنكم بي، ولا أدري كم أنا مسرور بلقائكم والحديث معكم، وأتمنى أن يخرج هذا اللقاء ما يسرّ ويفيد لقرّاء ومتابعي شبكتكم الكريمة. ثانياً: لا أخفي عليكم إعجابي بالرسالة الإعلامية النبيلة التي تقدمونها لأمتنا، وكذا جهودكم المستمرة لتقديم الوجه الحضاري المشرق لمنطقة القرن الإفريقي على الصعيد الإقليمي والدولي، ولكم مني خالص الشكر والعرفان، وبارك الله فيكم وسدد خطاكم .
أما فيما يتعلق بالسيرة الذاتية، فأنا محمد حسين معلم علي محمد حسن، من مواليد حي عبد العزيز بالعاصمة “مقديشو” في منتصف الستينات من القرن المنصرم، ونشأتُ فيها عند والدتي الحاجة : أبشرة مودي رحمها الله.
التحقتُ بدكسي ( خلوة القرآن الكريم) في سن مبكر، كما التحقتُ أيضا بمدرسة عبد العزيز الإعدادية، ثم بمدرسة “هولوداك “الثانوية، وبعد ذلك رحلتُ إلى منطقة الحجاز حيث التحقتُ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وخاصة قسم التاريخ الإسلامي. ودراستي في جامعة أم القرى كانت منحة دراسية تحصلت عليها من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل السعود رحمه الله، ونلت درجتي بكالوريوس والماجستير في التاريخ . أما مرحلة الدكتوراه فكانت في جمهورية السودان بجامعة النيلين تحديدا، حيث حصلت الدكتوراه في مجال فلسفة التاريخ .
أما من ناحية المسيرة المهنية فقدعملت في الصومال بعد حصولي على درجة الدكتوراه كأستاذ التاريخ والحضارة للجامعة الإسلامية في الصومال، ثم سافرتُ بعدها إلى شمال أوروبا ولا سيما مملكة النرويج، وهناك بعد إجادتي اللغة والثقافة النرويجية التحقتُ بجامعة “همر” في إقليم “هدمارك” آنذاك، وتخصصت في التربية، ثم عملت بقسم التربية والتعليم الإقليمي لبلدية “همر” ، كما عملت متعاونا مع بعض المؤسسات التعليمية والثقافية، وأنا عضو في عدد من المنظمات والهيئات المحلية والإقليمية والدولية .
القرن الإحبارية : بمأ أنك متخصص في مجال التاريخ و كتبت الكثير عن تاريخ الصومال ، ما هي أهم الكتب التي نشرتها حتى اللحظة حول تاريخ الصومال ؟
د. محمد حسين معلم: كل ما كتبته من البحوث والدراسات لها أهميتها العلمية والتاريخية حسب وجهة نظري، وأحمد الله على ذلك ، فله المنّ والشكر على توفيقه، أما من حيث النشر، فقد صدر لي عدد من الكتب والدراسات أغلبها تتعلق بتاريخ وحضارة القرن الإفريقي عموماً، والصومال خصوصاً، ومن ذلك :
– الثقافة العربية وروّادها في الصومال – دراسة تاريخية حضارية – دار الفكر العربي ، القاهرة عام 2011م.
– معجم المؤلفين الصوماليين في العربية – قديما وحديثا – دار الفكر العربي ، القاهرة، 2016م.
– عباقرة القرن الإفريقي، دار الفكر العربي، القاهرة 2017م.
– المذهب الشافعي في بلاد الصومال – جذوره وتطوره، دار الفكر العربي، القاهرة، 2021م.
– التاريخ عند ابن عبد ربه الأندلسي، ط/1، دار الفكر العربي، القاهرة عام 2021م.
– مصادر تاريخ الصومال ومراجعه – عرض ونقد، دار الفكر العربي، القاهرة عام 2021م.
– العلاقة بين القرن الإفريقي والعالم الخارجي في العصور القديمة والوسطى، دار الفكر العربي، القاهرة عام 2021م.
– إطلالة على البحوث التربوية في بلاد الصومال، مركز القرطاس، مقديشو – الصومال، 2021م.
بالإضافة إلى بحوث ودراسات أخرى نشرت في الحوليات والمجلات العلمية والمحكمة، وهذا فيما يتعلق المنشور باللغة العربية غير ما صدر لي باللغة الصومالية مثل:
– ديوان شعر أبشر نور فارح ( بعدلي)، الطبعة الثانية، استكهولم – السويد، 2015م.
– تاريخ علماء الصومال، ط/1، لوح بريس، لستر – بريطاينا، 2021م.
وسوف يصدر لي قريباً إن شاء الله عدد من الكتب، مثل:
– مقومات الأدب الصومالي في المهجر، بريطانيا واسكندنيفيا نموذجاً، تحت الطبع.
القرن الأخبارية : يقال الكتابة عموما عمل شاق ، وتحتاج إلى جهد ومثابرة لاسيما عندما يكتب حول مواضيع شائكة معقدة ومتداخلة مثل التاريخ الصومالي، ما هي أهم التحديات التي تواجهك أثناء تاليفك لكتاب ما أو إعداد دراسة ما حول التاريخ الصومالي ؟ وما الذي يغريك أو يشجعك الكتابة حول تاريخ الصومال ؟
د. محمد حسين : لا شك أنّ هناك تحديات وعقبات تعترض لأي باحث أو دارس في بلاد الصومال، وليس فقط بباحث التاريخ والحضارة، وأهم هذه العوائق والعقبات ظروف الأمن المتردي، والاستقرار المفقود، لأنّ البلد يفتقد منذ انهيار سلطته المركزية الاستقرار الكامل والأمن الشامل المعتمد، وكم من العلماء والباحثين والإعلاميين صاروا ضحية للنيران والعنف عبر أعمال الإرهاب القبلي والسياسي، وأخيراً الديني .
وقد نتج عن ذلك الانهيار الكامل لمقومات البحث العلمي، عند ما نهب المؤسسات والمكتبات والمتاحف، بالإضافة إلى هجرة أصحاب العقول إلى خارج البلاد. وإنني شخصياً عانيتُ – وما زلتُ أعاني – كما يعاني غيري من الباحثين، عدم إيجاد أرضية سانحة للبحث العلمي، بحيث لا يوجد أهم زكائز البحث ومقوماته التي يعتمد عليها الباحثون والدارسون ، فمثلاً فنحن في مطلع عام 2023م، ولا يوجد بعض المصادر والمراجع المهمة لتاريخ وحضارة الأمة الصومالية وللشعوب الأخرى التي تقطن معنا في منطقتنا القرن الإفريقي و ” بلاد الحبشة ” سابقاً ، أول مهجر لصحابة الرسول الله – صلى الله عليه وسلم – دوحة العلماء ومربط المجاهدين وفرسان المسلمين، ويكفي أن نشير فقط في هذا الصدد إلى أنّه لا تتوفر لدينا بعض المعاجم المهمة للبحث العلمي، كمعجم البلدان، والقبائل، والأدباء ، والعلماء وما إلى ذلك… تصور يفقد ذلك في منطقة يٌعدّ امبراطورية واسعة قائمة بذاتها من حيث الثروة البشرية والعناصر القاطنة فيها، ومن حيث المقدرات الطبيعية التي تمتلكها، فضلاً عن موقعها الإستراتيجي الجغرافي الفريد الذي يطل على المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر ويضم مضيق باب المندب عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر …. بل منطقة تتحكم الطريق التجاري البحري العالمي عالي المشغولية بأغراض النقل التجاري خاصة تجارة النفط القادمة من الخليج والمتجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية … كما أنّ منطقة القرن الإفريقي تشكّل عمقًا إستراتيجيًّا للمنطقة العربية في شبه الجزيرة العربية بحكم الاتصال الجغرافي وعلاقات القرابة بين شعوب الجانبين والتفاعل التاريخي والحضاري بينهما، وأهمية المنطقة للأمن القومي العربي؛ ومع كل هذه الفرصة السانحة والأهمية الإستراتيجية الكبيرة، يفقد الباحثون والدارسون من أبنائها أبسط وسائل البحث العلمي، ومن المستحيل أن تتقدم أمة وضعها على هذه الشاكلة، ولا تعير أي أهمية للعلم والمعرفة.
ومن ناحية أخرى، فقد ظهر في الآونة الأخيرة جيل مشحون ومكهرب في المجتمع، بحيث إذا ناقشت ببعض الأمور الدينية والاجتماعية والسياسية، فينظر إلى الباحث أو الدارس بأنّه معارض للسلطة، أو ضد الموروث الثقافى للأمة ، بغض النظر عن موافقة هذا الموروث بديننا الحنيف ومقاصد شريعتنا الغراء وجوهر روحها، طالما أنّ هذا الطرح والبحث العلمي لا يناسب فئة معينة أو منطقة بعينها، فأصبحنا بذلك ندافع الأشخاص والجماعات الدينية، أو القبيلة والكتل السياسية، فليت شعري كيف تتقدم أمة لا ترحب البحث والدراسات العلمية، بل تتهافت بهذه التفاهة والعقلية الحجرية، وتعيش بأضغاث أحلام، وفي جو يغلب عليه الغزعبلات و” قيل وقال ” غير مبني على أسس راسخة وبراهين دامغة، وإنما يكتفون برفع لافتات براقة يظهر فيها شعار ” لا نريد مخالفة التراث”، والحقيقة أنّهم بعيدون كل البعد عن تاريخنا وتراثنا المجيد، وموروثنا الحضاري .
القرن الإخبارية : عند ما تنظر إلى التاريخ الصومالي والكتب المختلفة التي كتبها الباحثون الصوماليون وغيرهم، تجد فيها تحيزات رهيبة تتعدد دوافعها وأسبابها ولكن تبقى موجودة في كل فصل من فصول التاريخ الصومالي في رأيك ماهي الأسباب الحقيقية وراء ذلك وما الذي يدفع الكتّاب نحو التحيز ؟
د. محمد حسين معلم: حسب رأيي فأنا لا أرى أي مشلكة ممن يبذل الجهد وينتج لنا ما يرى بأنّه يفيد لتاريخنا وثقافتنا حتى لو جانب الصواب، وخالف الحقيقة، طالما الكاتب وهب نفسه للكتابة والبحث العلمي، وبالتالي قدم لنا ما يراه مناسباً … أخي الكريم ثق تماما أنّ الكاتب هو الذي يتحمّل مسؤولية ما يكتبه، وأنّ الكلمة تبقى في بطون الكتب، وتحيى في ذاكرة القرآء، والباحث ينبغي أن يكون أميناً في نقله وأطروحاته العلمية… صحيح أنا معك يا سيدي .. هناك بعض الكتب وفيها تحيزات كبيرة، ومعلومات مغلوطة، وتفسيرات خاطئة متعمدة، وأعرف ممن قصد بطرح أخبار غير صحيحة، وشجّ ذلك في مؤلفاتهم، ولكن هؤلاء يندمون اليوم، ويخجلون بما ذهبوا إليه من قبل، لا سيما عند ما أدركوا نمو البحث العلمي لبلادنا، وظهور الأندية الأدبية والثقافية، والمراكز البحثية التي تقدم برنامج قراءات جماعية ، والمساجلات الأدبية، والأنشطة الثقافية الأخرى على هامش المؤتمرات العلمية، والمعارض الموسمية للكتب والتي نشطت في الآونة الأخيرة على ربوع منطقتنا. وأكثر من ذلك، هناك ظهور قوي لبعض أقلام تٌقَيّمُ الإنتاج العلمي، كما أنّ هناك دراسات وبحوث أكاديمية تلقي الضوء على الإنتاج العلمي في مراحل الدراسات العليا، كل ذلك مما لا يعجبه مثل هؤلاء.
ومن هنا ينبغي للباحث والكاتب أن يكون مخلصاً في إنتاجه، أميناً في نقله وعرضه، صابراً جلداً لا تزعزعه هيجان المحسوبية والقبلية، وطغيان الشهوة والشهرة ، والميل إلى الكتل وما شابه ذلك .
القرن الإخبارية : وافت المنية أخيرا – وتلك هي سنة الله في الأرض- علماء وجهابذة كتبوا عن الصومال مثل معالي الدكتور : شريف صالح محمد علي، والمؤرخ الصومالي : أوجامع عمر عيسى، وبروفسور محمد عبده محمد غاندي، هل لك أن تحدثنا عنهم قليلا وبجهودهم الفكرية بحكم أنك قد التقيت بهم وزاملتهم ونقلت منهم علوما كثيرة ؟
د. محمد حسين معلم: سؤال في غاية الأهمية ويستحق بأن يكتب عنه مجلدات طوال لما يحمل في طياته أخبار ثلة من أعلام الصومال وعلمائها الذين تركوا آثارا علمية وثقافية في مجالات اللغة والأدب، والتاريخ والحضارة، والسياسة والاجتماع. فمعالي شريف صالح محمد علي أديب وعالم ودبلوماسي وكاتب، فهو أول رئيس للجامعة الوطنية، وأول رئيس لجنة كتابة اللغة الصومالية، ووزير التعليم العالي والثقافة الأسبق في منتصف السبعينات، ودبلوماسي محنك مثّل الصومال في أكثر من بلد، كما أنّه ترك مؤلفات عدة مكتوبة باللغات الصومالية والعربية والإنجليزية رحمه الله رحمة واسعة .
وفضيلة الشيخ : جامع عمر عيسى، اشتهر براوي تاريخ الصومال، وهو المعتمد الأول لتاريخ حركة الجهاد الإسلامي المعروفة بـحركة الدراويش التي كان يقودها المجاهد السيد: محمد عبد الله حسن. والشيخ جامع كاتب ماهر قدم للمكتبة الصومالية والعربية عديدا من الكتب في التاريخ الصومالي، وكتب بالصومالية والعربية رحمه الله كذلك رحمة واسعة .
أما البرفسور محمد عبده محمد المعروف بـ غاندي” رغم أنّه تشرّب في صغره وشبابه بالثقافة الصومالية والعربية وتخرج في مدرسة جمال عبد الناصر الثانوية، إلا أنّه نال قدراً كبيراً فيما بعد الثقافة الغربية عند ما هاجر إلى المهجر وبالذات إلى فرنسا. وللبرفسور غاندي لمسات قوية لتاريخ الصومال وحضارته، ليس من خلال مؤلفاته المكتوبة بالفرنسية والصومالية فحسب، وإنّما في أطروحاته ونظرياته العلمية في المجالات الاجتماعة والسياسية ، وقد اشتغل قرابة 30 عاماً في مشروع ” شجرة أنساب الصومال”، وأنتج فيها، خاصة كيفية تكوينها وما يترتب عليه من اندماجات، وقد حصرها في حيز الشك ونطاق ضيق مقابل ما يتغناه البعض في شجرة الأنساب والتي أشكلت المجتمع وجعلته شذر مذر، بحيث يرى البرفسور إنّما ذلك وهم وافتراضات غير مبنية على اليقين .
القرن الإخبارية : شكرا سيد الدكتور محمد على كل هذه الإفادات الجميلة وإلى أن نلتقي بكم في الجزء الثاني من الحوار نترككم في أمان الله ورعايته .