إن خدمة أهل الصومال لعلم الصرف ودروبه لم تتوقف يوماً من الأيام ، ويبرهن ذلك تلك الحلقات والمجالس العلمية التي خُصصت لتعليم وتطوير هذا الفنّ في مختلف ربوع بلاد الصومال.
وفي هذه السطور سوف نكمل حديثنا عن تلك الحلقات العلمية التي كانت تُعقد في عاصمة مقديشو ، والتي أشرنا بعض منها.
وكان من حلقات العاصمة الصومالية مقديشو ما يلي:
– حلقة الشيخ عبد الله أو أحمد أو علي المشهور بمعلم مدوبي الأبغالي، كان يقوم بدراسة علم الصرف ونشره في أوساط طلبة العلم، بل وكان بعض الطلبة حرصين على حلقته لشهرتها؛ لأنّ الشيخ عبد الله أو أحمد ( معلم مدوبي) يتبع بمدرسة ورشيخ الصرفية التي كان قائدها الشيخ عبد الرحمن عمر العلي الورشيخي، وخاصة الشيخ أحمد حاج عبدي الدريّ، وكذلك الشيخ حسين الشيخ محمد المعروف بـ بالشيخ حسين مكتب؛ لأنّه كانت له مكتبة للكتب، والتي كانت تقام فيها بعض الأحيان الدروس اللغوية، وكل الشيوخ قد شربوا من معين شيخهم المشهور الشيخ عبد الرحمن الشيخ عمر العلي صاحب كتاب نثر الجواهر. وقد تتلمذ معلم مدوبي أيضاً على يد الشيخ عبد الرحمن الشيخ يوسف (طوب) المشهور بالشيخ عبد الرحمن الصرفيلي الأغاديني، صاحب أشهر الحلقة الصرفية في زمانه ؛ حتى لقبوه بالشيخ عبد الرحمن الصرفيلي، لشهرة حلقته وإتقانه وتميزه.
ومن هنا فلا يستغرب أن تتجه بعض أنظار طلبة العلم إلى حلقة الشيخ عبد الله الشيخ أحمد المشهورة بحلقة معلم مدوبي الصرفية، لينهلوا من مناهلها العلمية، لاسيما إذا عرفنا بأن الشيخ معلم مدوبي كان يقوم أيضاً بتدريس أغلب فروع اللغة العربية. ويصعب أن نشير هنا إلى طلبة العلم الذين التفوا حوله ليستفيدوا من حلقاته العلمية ، غير أنّه يكفينا أن نشير بأنّه كان من طلبته فضيلة الدكتور الشيخ أبو بكر حسن مالن، صاحب الحلقات العلمية ، والمؤلفات العديدة.
– حلقة الشيخ الدكتور أبوبكر حسن مالن في أكثر من مكان في مدينة مقديشو ، وهذه الحلقة كانت مكتظة بطلبة العلم، وكان بعضهم يأتون إليها من مسافات بعيدة، بحيث لم يكن لهم هدف سوى أن يتلقوا دروس الشيخ أبو بكر حسن مالن، والحقيقة أنّه رغم أنّ دروس الشيخ كانت متنوعة وتحتوي على علوم كثيرة إلا أنّ الشيخ اشتهر بتدريس علمي النحو والصرف، بالإضافة إلى دروس الفقه وأصوله وعلوم اللغة العربية الأخرى. وكيف لا يهرول الطلاب إلى مثل هذه الحلقات التي صاحبها بارع في فن الصرف، وقد شرع في مجال التأليف، وأخرج لنا كتابه المعروف ” الغيث الهطال: شرح لامية الأفعال ” وقد تحدثنا عن ذلك من قبل.
ومن الذين استفادوا من حلقة الشيخ أبو بكر حسن مالن أحد الكتاب المجتهدين الصامتين الدكتور حسن معلم محمود سمتر المشهور بالشيخ حسن البصري، صاحب الكتب الفريدة مثل : ” تاريخ الدعوة في قرن أفريقيا ” و ” المشكاة في منهج الدعوة والخطابة “، وهو كتاب مخصص للبنات الصوماليات الطالبات بجامعة الأحقاف اليمنية، وكتاب ” مدارس التصوف الإسلامية في الصومال ” و ” أنظمة الحكم والتدخلات الأجنبية: مآثرها ومساويها وأثرها في استقرار الصومال ” هي رسالة الدكتوراه، وغير ذلك.
– حلقة الشيخ معلم حسن أحمد الأبغالي ( أغون يري ) في مسجد في حي هرواي بمقديشو ، وكان الشيخ يلقي دروساً في اللغة العربية، وخاصة كتاب بدر الدين في علم الصرف، بالإضالة إلى كتب الأجرومية والدرة البهية والعمريظي وملحة الإعراب والكواكب الدرية ، وكتباً أخرى في الفقه الشافعي. وقد تخرج في هذه الحلقة المباركة عدد من طلبة العلم ، وكان من بينهم فضيلة الدكتور أويس حاج عبد الله محمود حسين ميهدلي، عميد كلية الشريعة الدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية في مقديشو – الصومال، علماً أنّ الدكتور أنتج بعض البحوث مثل: ” المكلف وأثر الأحكام الشرعية على تصرفاته” وبحث: ” دراسة وتحقيق لكتاب ” الأنوار الهادية لذوي العقول إلى معرفة مقاصد الكافل بنيل السؤل في علم الوصول” لشمس الدين أحمد بن يحيى بن حابس المتوفى سنة 1061ه” ، بالإضافة إلى أنّه يشرف ويناقش الرسائل العلمية في الفقه وأصوله في البلاد.
– حلقة الشيخ محمد الدري في مسجد سوق بوعْلي، ومسجد أونلايي في حي ودجر، وكان الشيخ محمد يدرس اللغة العربية ككتب الصرف والنحو، والتف حوله جمع من طلبة العلم ، وكان من بنيهم الأستاذ حسن محمد علي آدم صاحب مؤلفات عديدة مثل: ” العادات والتقاليد في مجتمع الصومال” وكذلك كتاب: ” الحرب الأهلية ومشكلات الأسرة في المجتمع الصومال” وكتابه الأخير هو عبارة عن جهد علمي ودراسة ميدانية عملها الباحث في مدينة بيدواه العاصمة المؤقتة لولاية جنوب غرب الصومال، وقد نهل الأستاذ حسن محمد من حلقات شيخه محمد الدري وخاصة دروسه في علم الصرف.
– حلقة فضيلة الشيخ آدم بن شيخ محمود التي كان يقرأ فيها علم الصرف في مدينة مقديشو، وكانت هذه الحلقة من أهم الحلقات الصرفية في وقت من الأوقات، بحيث كان من الذين يواظبون ويحرصون على حلقته فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ عمر العلي الأبغالي، صاحب المقام المحمود في هذا الفن – كما سبق ذكره – ولا شك أنّه يكفيه فخراً بأن كان من الذين استفادوا من حلقته علماء اشتهروا في هذا المجال، وأصبحوا أصحاب مؤلفات مشهورة في علم الصرف.
– حلقة فضيلة الشيخ عثمان مهذلي المرسيدي في مقديشو، وكان لفضيلته حلقة علمية يُدِّرس فيها علوم اللغة العربية مثل علم الصرف وعلم النحو، وكذلك الفقه، ولما ذاع صيت الشيخ عثمان مهذلي وخاصة حلقته اللغوية في علم الصرف التف حوله طلبة العلم مقديشو وضواحيها، ليس لهم هدف سوى أن يستفيدوا من علم الشيخ وخبرته في هذا الفنّ. الحذير بالذكر أنّ فضيلة الأستاذ الدكتور علمي طحلو غعل علسو كان ضمن طلبة العلم الذين تتلمذوا على حلقة الشيخ عثمان مهذلي ثم استفادوا من نفحات علمه.
– حلقة فضيلة الشيخ عبد الرحمن يوسف الذي كان يقرأ في مجلسه العلمي علم الصرف من كتاب لامية الأفعال، وعلم النحو من كتاب الأجرومية والألفية لابن مالك، وكان من بين طلاب الشيخ الذين نهلوا من علومه الأستاذ أحمد موسى نور الجالجعلي صاحب كتاب “القياس وأثره في نمو اللغة العربية: دراسة وصفية تاريخية ” ، والكتاب عبارة عن بحث أكاديمي قيم نال به صاحبه درجة الماجستير في اللغة بكلية اللغة العربية بجامعة أم درمان الإسلامية.
– حلقة فضيلة الشيخ علي ديرو Deerow الدغودي Dogoodi المعروفة بعلم الصرف في مدينة مقديشو، وكان الشيخ علي ديرو يقوم بتدريس كتاب لامية الأفعال، لابن مالك ، وكذلك كتاب حديقة التصريف، لعبد الرحمن الزيلعي، وكانت هذه الحلقة تجري في مسجد التوبة في حي هول وداغ بالعاصمة الصومالية مقديشو، وقد التحق بهذه الحلقة طلبة العلم الراغبين في تحصيل علوم اللغة العربية ودروبها، ومن بين هؤلاء الذين استفادوا من هذه حلقة الأستاذ هاشم معلم حسين عسر، صاحب كتاب: ” ضعف التغيير اللغوي لدى الطلاب الصوماليين ( أسبابها وحلوله)” بحيث يقترح المؤلف هنا على تدريس اللغة العربية في جميع المراحل التعليمية في المدارس، بالإضافة إلى اعتماد منهج محلي مناسب لظروف الزمان والمكان. وأستاذ هاشم تلقى علوم اللغة العربية من النحو والصرف والأدب من الكتب المشهورة في القطر الصومالي في مقديشو، ودرس كتب العلوم العربية على يد علماء أجلاء، أمثال الشيخ عبد الرحمن الجالجعلي في أحد المساجد في سوق بكاره قرب منطقة الدواء بمقديشو، وأخذ عن شيخه كتبا من بينها المعلقات والمقصورة لابن الدريد. أما التفسير والحديث والفقه فقد تلقى على يد الشيخ محمود علي وعيس الدري Dir في مسجد علي شرين؛ مما جعل الأستاذ هاشم يعطي اهتماماً كبيراً علوم اللغة العربية والإسلامية، وهو في ريعان شبابه، ثم رحل إلى السودان والتحق إحدى جامعاتها.
– حلقة الشيخ أحمد حسن عثمان صالح، الذي يدِّرس هو الآخر كتاب لامية الأفعال لبدر الدين بن مالك، وقد نهل من هذه حلقته جمع كثير من طلبة العلم ، وكان من ضمن هؤلاء فضيلة الدكتور اللغوي فوزي محمد بارو الملقب بـ فوزان، رئيس جامعة شمس العلوم ، وصاحب مؤلفات عديدة، علماً أنّ الدكتور فوزي نال علم الصرف على أيدي علماء آخرين مثل الأستاذ الشيخ عبد الناصر محمد معلم الذي كان يقرأ كتاب شذ العرف في فنّ الصرف، وفضيلة الشيخ محمود الذي كان يقرأ في حلقته كتاب الصرف الكافي، ومن هنا فلا يستغرب إذا كان الدكتور فوزي وضع مؤلَفاً في علم الصرف، وهو كتابه: ( السائل والمجيب في فنّ الصرف)، وكيف لا، وأصبح الدكتور فوزي ماهراً في اللغة العربية وعلومها، وخاصة فنّ الصرف، بل صار شاعراً يقرض الشعر، كما أنّ له مؤلفات عديدة أغلبها في علوم اللغة العربية مثل: ( دراسة تقابلية بين اللغة العربية ولغة ماي الصومالية على المستوى الصوتي، دُرَرُ الفَصَاحَةِ فِي عِلْمِ البَلاْغَة، الألفاظ العربية المقترضة في اللغة الصومالية، ، معين الطالب، وغير ذلك. ).
وللحديث بقية…