الحلقات على مستوى الصومال الكبير
كانت المحاولة السابقةمجرد إشارة بسيطة عما كان يجري في جنبات العاصمة الصومالية مقديشو من الحلقات الصرفية، ولم يكن الهدف منها الحرص واستيعاب جميع الحلقات التي كانت تدرس علم الصرف في المدينة، وهذا أمر مستحيل، ولا يمكن تنفيذه، مع ذلك حاولنا أن نعرض بعض من تلك الحلقات لتكون نموذجاً حياً عن مستوى المدرسة التقليدية لدراسة العلوم الدينية والعربية في الصومال.
ولعله يأتي فيما بعد من يقوم بالسير على الدرب، ويستمر في التنقيب والتفتيش لمزيد من المعلومات.
غير أننا نحاول أيضاً وعلى شاكلة ما سبق بذكر بعض النماذج للحلقات العلمية التي كانت تدرس بعض كتب الصرففي أكثر من منطقة على مستوى ربوع بلاد الصومال الكبير.
ونعتذر سلفاً بهذا القصور وعدم إعطاء دراسة كافية لتلك الحلقات المختصة بعلم الصرف التي كانت تقام في أغلب المدن ومراكز العلمفي بلاد الصومال؛ علماً أنّ كاتب هذه السطور مقيم في المهجر الصومالي، ويصعب عليه أن يتتبع جميع الحلقات، كما يصعب عليه أن يذكر جميع القرى والمراكز العلمية للمنطقة – وما أكثرهم – ولعله يأتي من يقوم بدراسة شاملة للموضوع، ويجول أطراف البلاد.
ومن هنا نعرض بعض الحلقات العلمية المتعلقة بعلم الصرف.
بعض حلقات في جنوب البلاد:
– حلقة الشيخ: محمد معلم البيمالي نسبة إلى قبيلة البيمال الدرية القاطنة في جنوب البلاد، وكان الشيخ محمد معلم يقعد حلقات ومجالس علمية يدرس فيها علوماً متنوعةً ، ومما كان يقرأ الشيخ علم الصرف ، وخاصة كتاب حديقة التصريف للشيخ عبد الرحمن بن أحمد الديسويّالرحنوينيّ، علماً أنّ هذه الحلقة كانت في منطقة كورتُنواريKurtunwaarey في محافظة شبيلي السفلى.ومن بين طلبة العلم الذين كانوا يحرصون على هذه الحلقة لينالوا العلم وخاصة علم الصرف فضيلة الدكتور الشيخ محمد إيمان آدم “الشاطبي” القطبي،حفظه الله ورعاه، أحد الدعاة في المهجر، وخاصة في مملكة النرويج، وهو إمام وخطيب مسجد أبي بكر الصديق في درامنDrammen بالنرويج، وصاحب المؤلفات النافعة.
– حلقةالشيخ الشريف يوسف بن الشريف محمود البارطيري، كانت هذه الحلقة في مدينة بارطيرىالتابعةلمحافظة غيدُو، وكانت هذه الحلقة مزدهرة وعامرة بطلبة العلم، وذلك لمكانة الشريف يوسف محمود في بارطيرى، واتساع علمه في هذا الفن، ولشهرة هذه الحلقة كان طلبة العلم يأتون إليها من مناطق نائية ، وقد كان الشريف يوسف متقناً ومتبحراً في هذا الفن، غير أنّ حلقته كانت خارج المساجد والزوايا العلمية، بحيث كان الشريف يعقدها تحت شجرة معروفة لدى أهل بارطيرى، لكون يرفض دائماً أن تكون حلقته في المساجد. ويقال أنّ الشريف يوسف كان يتعاطىالتنباغ أو التبغفي تلك الفترة، لذلك كره أن يمكث كثيراً في بيوت الله حتى لا يبصق فيها، ومع ذلك كانت حلقة الشريف مزدهرة، ويحرص عليها طلبة العلم، ومن بين هؤلاء الذين نهلوا حلقة الشريف أحد أعلام بلادنا فضيلة الشيخ محمد الهادي قاضي محمد قاضي حبيب محمد البراوي الحاتمي- رحمه الله – ، وقد أتى من بلدته براوه الساحلية لطلب العلم. ومهما كان الأمر، فالشيخ محمد الهادي رحل إلى بلدة بارطيري الزراعية قادماً من مدينة براوه الساحلية ليس إلا لطلب العلم، وعلى الرغم من أنّ بارطيرى كانت تشتهر بحلقاتها الفقهية المتنوعة إلا أنّه إلى جانب ذلك كانت هناك أيضاً حلقات علمية أخرى يُدَّرس فيها العلوم العربية وغيرها.
ومن خلال اهتمام الشيخ محمد الهادي بحلقة شيخه الشريف يوسف كان يُدوِّن شرحه وما كان يضرب من أمثلة في تبيين وتسهيل قواعد الصرف وأبنيته، بحيث كان يدرس كتاب لامية الأفعال لابن مالك، ونتيجة لهذا الاهتمام وتدوين شرح شيخه أخرج الشيخ محمد الهادي كتاباً سماه: ” أمالي الشريف يوسف الشريف محمود الحسني في شرح لامية الأفعال” وذلك ثمرة مما دوّنه من حلقة الشريف يوسف الصرفية وملاحظاته العلمية بصياغة الشيخ محمد الهادي ولكن من منطلق شرح شيخه لكتاب لامية الأفعال لابن مالك، وهو كتاب يتناول علم الصرف من خلال فوائد مجالس الشيخ الشريف بن يوسف بن الشريف محمود الصرفية.
وقد استفاد الشيخ القاضي محمد الهادي أيضاً حلقة الشيخ محمد يوسف بعض علوم اللغة العربية بما في ذلك دروسه الصرفية من كتاب لامية الأفعال. وللقاضي محمد الهادي كتاباً آخر سماه: “الإرشاد لمن يريد النطق بالضاد”.
– حلقة الشيخ حسن الشيخ علي الحسني في مدينة حُدُرْحاضرة محافظة بكُولْ، وكان يدرس فيها الشيخ فنّ الصرف من كتاب لامية الأفعال ، مع شرح في غاية الوضوح والسهولة، ومن الذين استفادوا من حلقته معالي الشريف صالح محمد علي، وزير التعليم العالي والثقافة الأسبق، وسفير الصومال في أكثر من بلد، وصاحب المؤلفات العديدة مثل:
أصول اللغة الصومالية في العربية.
المعجم الكشّاف عن جذور اللغة الصومالية في العربية)المجلد الأول(
ملحمة البرلمانيين الأحرار.
محافظة هيران:
حلقة الشيخ عبد الله حاج عبد السلطان المتمكن والماهر في فن الصرف، وله مؤلف في هذا المنحى، وهو كتابه ” روح الصرف ” – كما سبق ذكره – وكان يقرأ علم الصرف في داخل البلاد وخارجها عندما هاجر إلى شمال أروبا (السويد) وفي بلاد الصومال كان فضيلته يحرص على نشر العلم والمعرفة، لا سيما في مدينة بلدوين بإقليم هيران. ويكفي فضيلة الشيخ عبد الله حاج عبد السلطان فخراً بأن كان من طلابه المتميزين في حلقته أحد أعلام بلادنا في هذا العصر.. فضيلة الدكتور محمد شيخ أحمد شيخ مُحُمد (محمد حاج)، الفقيه الأصولي، رئيس مركز المقاصد الشريعة ، الأستاذ الجامعي، وصاحب النشاط الوافر، والمؤلفات النافعة، مثل:
مقاصد الشريعة العامة عند الإمامين: – العزبن عبد السلام والشاطبي دراسة مقارنة.
- المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية.
- مقاصد الشريعة الإسلامية وأثرها في رعاية حقوق الإنسان: دراسة تأصيلية مقارنة.
- المذهب الشافعي في الصومال: معالم وملامح من واقع التفاعل البيئي.
الجدير بالذكر أنّ فضيلة الشيخ محمد حاج تلقى فنّ الصرف وغيره في بداية حياته على يد والده شيخ أحمد مُحُمد عمر متان، وذلك قبل لقائه مع شيخه عبد الله حاج عبد السلطان، كما تلقى هذا الفنّ أيضاًعلى يد كل من الشيخ عمر شيخ أحمد دينلي – وهو والد الشيخ عبد الرحمن شيخ عمر إمام مسجد أبي بكر بمنسوتا في أمريكا- ، والشيخ يوسف شيخ محمود طقني في مدينة لوق، وكلهم من آل الحسن، مما يدل على حرصهم على العربية، وإتقانهم وتفوقهم فيهذا الفنّ.
حلقة الشيخ خليف حاج أحمد الحسنيفي بلدوين ، وكان لدى الشيخ درس في التفسير والصرف، واشتهر الشيخ بتدريسكتب العقيدةالأشعرية، بالإضافة إلى كتاب ” السّلم المٌنورق في المنطق” للشيخ عبد الرحمن الأخضري، وقد وتعلم فيحلقات الشيخ خليف حاج أحمد ومجالسه العلمية عدد كبير من طلبة العلم، وكان من بينهم فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيخ مرسل محمد الليساني، وأخذ عن شيخه تلك العلوم التي أشرنا إليها آنفاً وأولها علم الصرف الذيكان الشيخ خليف بارعاً فيه.
– حلقة الشيخ محمد يرو الدري ، من فخذ فقي عمر، في مدينة بلدوين، وكان الشيخ محمد يرو رئيس الإدارة التعليمية بمحافظة هيران في وقته، وكانت حلقة الشيخ مليئة بالنشاط والحيوية بحيث كان الشيخ يحرص دائماً على استمرارية حلقته في علم الصرف، وكذلك حلقته في التفسير، رغم مشاغله الكثيرة ومسؤوليته الكبيرة، ولشهرة هذه الحلقة كان بعض طلبة العلم يأتون إليها من مسافات بعيدة، ومن بين هؤلاء فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيخ مرسل محمد الليساني الذي أتى من منطقة الحدود الشمالية في كينيا، وخلال وجوده في المنطقة طلب العلم على أيد علمائها ، وكان مجلس الشيخ محمد يرو من تلك المجالس والحلقات التي توجه إليها طلبة العلم كالشيخ عبد الرحمن شيخ مرسل.
– حلقة الشيخ عمر أحمد ديني الحسني ، وكانتحلقات الشيخ عمر حلقة غنية ومشهورةبعلم الصرف إلى جانب علوم دينية أخرى كعلم التفسير، وقد استفاد من هذه حلقاته طلبة العلم الذين كانوا متواجدين في مدينة بلدوين وضواحيها، ومن بينهم فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيخ مرسل محمد الليساني، أحد أهل العلم والدعاة المعروفين حاليا في منطقة الحدود الشمالية في كينيا.
وللحديث بقية…