القطر الشمالي
يُعتبر القطر الشمالي منطقة إستراتيجية في القرن الإفريقي، لأنه يطل على البحر الأحمر، ويشرف على البحر الأحمر، ولكونه يربط المنطقة بالعالم الخارجي قديماً وحديثاً عبر مراسي ومرافئ البحرية مثل : مواني بربرا وزيلع وبلحار وحيس وحافون وبوصاصو وغير ذلك، كما أنّ هذا القطر اشتمل على خيرات كثيرة ومتنوعة، وهذا ما مكنه من عمل علاقات تجارية واقتصادية مع العالم الخارجي منذ قديم الزمان، وبالتالي أسهمت هذه العلاقات في انتشار الإسلام، بل وأصبحت المنطقة – مثل غيرها من المناطق – تعج بالعلماء والفقهاء وكذلك طلبة العلم الذين ترددوا على مراكز العلم ومنابعه.
ويكفي أن نشير إلى ما كانت تتمتع به الزيلع من حياة علمية وثقافية في العصور الوسطى، وكذلك علاقتها مع اليمن والحجاز ومصر، ومن هنا كان بديهياً وفود العلماء وطلبة العلم إلى الزيلع وغيرها من المناطق الأخرى، وكان لهؤلاء العلماء والفقهاء دور بارز في دفاع الدُور والأهالي عند ما هاجم الأحباش النصارى على المنطقة، كما تذكر المصادر التاريخية، مثل:
- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، للعمري أبي العباس شهاب الدين أحمد بن فضل الله.
- صبح الأعشى في صناعة الإنشاء للقلقشندي أبي العباس أحمد بن علي.
- تحفة الزمان أو فتوح الحبشة، للجيزاني عرب الفقيه شهاب الدين أحمد بن عبد القادر، وغير ذلك.
وفي حالة السلم والاستقرار كان للعلماء مجالس وحلقات علمية في المراكز والأروقة العلمية في مختلف العلوم، ومعروف أن العلماء كانوا – وما زالوا – يركزون على علوم أصول الدين من التفسير والأحاديث والفقه، وبخاصة الفقه الشافعي السائد على عموم المنطقة في الوقت الحالي.
ومن هنا ليس من الغرابة انتشار الثقافة العربية الإسلامية في ميادين العلم في المنطقة، وإدراك طلبة العلم كل المعارف التي وصلت إلى المجتمعات الإسلامية عن طريق العلماء الذين اجتهدوا في نشر العلم والمعرفة على غرار العالم الإسلامي، وقد برهن على ذلك ثلة من العلماء الزيالعة الذين هاجروا إلى اليمن والحجاز ومصر، وبرزوا على الساحات العلمية في الحرمين والأزهر الشريف. وحيث إنه من الصعب استقصاء كافة جهود هولاء الأجلاء في صفحات هذا الكتاب، فإننا نشير هنا فقط إلى بعض تلك الحلقات المعاصرة، ولعله يأتي من يواصل الدرب، ويسلط الضوء بدوره على الحلقات والمجالس العلمية التي كانت موجودة في أكثر من مدينة وقرية في تلك المنطقة.
ومن هذه المجالس والحلقات في مجال علم الصرف:
– حلقة الشيخ محمود شيخ محُمُد صوفي عمر الإسحاقي، فرح سعد موسى (مكاهيل في هرجيسا وغيرها). والمتتبع للنشاط العلمي والدعوي لفضيلة الشيخ محمود شيخ مُحُمد صوفي يدرك بأن الشيخ لم تكن لديه حلقة واحدة محصورة في مكان واحد فحسب، بل كانت لديه حلقات ومجالس علمية متعددة ، والشيخ – ولله الحمد – قد شاخ في هذا العطاء العلمي المتواصل– حفظه الله وأدامه بالصحة والعافية – لدرجة أن طلبة العلم ألِفوا عليها في مشوارهم لطلب العلم حتى صارت حلقاته ومجالسه من أشهر الحلقات والمجالس العلمية في المنطقة كلها، ومن حلقاته المشهورة حلقته في هرجيسا في الجامع القديم والجامع الكبير، وفي المسجد القديم ومسجد إبراهيم طيري كذلك، كما كانت له حلقات علمية في الصومال الغربي، وفي عاصمة الصومال مقديشو؛ حيث درَّس في هذه المدن علوماً كثيرةً كالصرف والنحو والبلاغة والعروض، وبعض كتب العقيدة والفقه مثل كتاب المنهاج للإمام أبي زكريا يحي بن الشرف النووي رحمه الله.
ومن شيوخه الشيخ علي حاج حسن المشهور بـ حاج علي سوبني الرحويني الليساني ، فرع غبيان، في مدينة دِرِرْدَوا في الصومال الغربي، وكان الشيخ علي حاج حسن من أعمدة مدرسة الفلاح الإسلامية وعلمائها، وكان يدرّس اللغة العربية بمختلف فنونها، إلى جانب العلوم الشريعة، وقد تخرج فيها عدد كبير من طلبة العلم، الذين البعض منهم صار فيما بعد من الجهابذة في العلم، وساسة كذلك في مراكز القيادية العليا. وكان الشيخ محمود صوفي ممن تتلمذ على يد الشيخ علي حاج حسن ( الشيخ علي سوبني). ولا غرابة في أن يتوجه الشيخ محمود صوفي إلى مجالس الشيخ علي حاج حسن أحد الأعلام الذين ساهموا في الثراء المعرفي والثقافي في منطقة القرن الإفريقي ونشر الإسلام وتنوير عقول الناس.
ومن ناحية أخرى درس الشيخ محمود صوفي علم اللغة العربية على يد علماء بارعين آخرين في هذا المجال مثل: الشيخ أحمد الشيخ إبراهيم براوي القطبي، والشيخ علي عبد الرحمن والمشهور بـ بشيخ علي صوفي الأغاديني، والشيخ محمد معلم حسن، وغيرهم كثير، مما يدل على أنّ الشيخ محمود صوفي لم يقتصر نهله علم اللغة العربية وفنونها من منهل حلقات الشيخ علي حاج حسن المذكور آنفاً فحسب.
والمتتبع للجهود العلمية للشيخ محمود صوفي العامة ومجالسه الخاصة بعلم الصرف يرى أنها كانت تعم أكثر من مكان في هرجيسا وحدها، وهذا كله نامٍ من شغفه وحرصه الدؤوب على نشر العلم بين طلبة العلم؛ حيث كان يداوم على ذلك باستمرار في أكثر من مسجد وزاية مثل: مسجد الجامع الكبير في هرجيسا قرب الحكومة المحلية، وكذلك مسجد نور القديم، واستفاد منه طلاب علم كثيرون ، مثل الشيخ محمد إيمان آدم المشهور بشيخ ابن لبون القطبي، والشيخ عبد الحي موسى معلم حسن القطبي، والشيخ محمد عمر سمتر ( سمتر طيري) الإسحاقي، فرع سعد موسى، والشيخ عثمان الشيخ عبد العزيز. ومن ناحية المنهج والكتب المقررة لدى الشيخ في التدريس، فكان الشيخ يدرّس كتاب لامية الأفعال ، وحديقة التصريف للزيلعي، وغيرهما من كتب الصرف المتداولة.
– حلقة الشيخ محمد عمر سمتر المشهور بالشيخ سمتر طيري الإسحاقي ، فرع سعد موسى، وكان يدرس في مسجد علي متان في هرجيسا كتاب لامية الأفعال ، وحديقة التصريف، وفتح الخبير، ومختصر العزي ، والتطبيق الصرفي، وغير ذلك. وكان من شيوخه الشيخ محمود صوفي، والشيخ عبد القادر الشيخ يونس الإسحاقي ، فرع سعد موسى، وهو صاحب الشيخ محمد معلم حسن ، الذي أخذ منه بعض العلوم. ومن طلابه الشيخ محمود عسّ الغرغري الدري ، والشيخ عامر سعيد مُحُمد الإسحاقي ، فرع سعد موسى وغيرهما.
– حلقة الشيخ أحمد طاهر عبد الله علي في مدينة هرجيسا، وخاصة في مسجد الرحمة (الطابقين)، والتي كان يدرّس فيها كتاب لامية الأفعال ، وكتاب حديقة التصريف، وكتبا أخرى في اللغة العربية علومها المتنوعة في أكثر من مسجد وزاية. وكان يتجه إلى حلقته التي كان يدرس فيها علم الصرف طلبة كثيرون ليتلقوا هذا الفنّ على يديه، وكان من بين هؤلاء الطلبة الشيخ عامر سعيد مُحُمد والشيخ محمود عسّ، أحد العلماء والدعاة في البلاد.
– حلقة الشيخ محمود بن الشيخ عبد الله بن الشيخ علمي الفرضي المشهور بالشيخ محمود نحوي الإسحاقي، فرع هبر يونس في أكثر من مكان، مثل مدينة هرجيسا ، ومدينة برعو، وقد أخذ العلم عن الشيخ عبد الفتاح عبد الله علي الأكشيّ الدريّ أحد كبار العلماء في مدينة جغجغا في غرب الصومال، كما أخذ العلم عن أبيه الشيخ عبد الله الشيخ علمي ، وطلب العلم أيضاً عند الشيخ حسين إبراهيم ( طغطيري) الإسحاقي ، فرع هبر يونس.
– حلقة الشيخ محمد إسماعيل أوليو Awliyo من قبيلة سعد موسى، فرع مكاهيل، في مسجد الأزهر في حي إذاعة بمدينة هرجيسا، وكان الشيخ محمد إسماعيل يدرّس في حلقته أيضاً التفسير والفقه مما يدل على أنّه كان ملّماً بعلوم كثيرة، وهو من أقران الشيخ محمد محمود عطور الخاشع أحد العلماء الدعاة في هرجيسا، وصاحب الحلقات المباركة – حفظ الله علماء المسلمين ودعاتهم في كل مكان.
– حلقة الشيخ أحمد معلم عبد الله الملقب بالشيخ أحمد جعفر الصرفي من قبيلة هبر يونس الإسحاقية مدرس مسجد الشيخ نور محمد ، وقد أخذ هذا العلم من شيخه الشيخ حسين إبراهيم الصرفي، كانت حلقته خاصة بعلم الصرف واللغة العربية بالإضافة إلى العلوم الشرعية الأخرى مثل الفقه والتفسير.
– حلقة الشيخ حسين إبراهيم الصرفي من قبيلة هبر يونس الإسحاقية، كان يدرّس فيها العلوم العربية مثل الصرف حتى لقّب به، بالإضافة إلى العلوم الإسلامية الأخرى كالفقه ؛ حيث كان يقوم بتدريس الفقه الشافعي مثل ” كتاب المنهاج ” للإمام النووي، وما زال الشيخ حسين إبراهيم يقوم بتدريس هذا الفن حتى وقت كتابتنا لهذه السطور البسيطة عنه، ومن شيوخه الذين أخذ عنهم العلم الشيخ أحمد معلم عبد الله المذكور سابقاً، وإن كان أغلب العلوم التي تلقاها أخذها من شيخه الشيخ عبد الله يوسف شاعب، المعروف بـ عبد الله كرح، من قبيلة أكشي الدرية.
هذا، فإن الشيخ حسين انتقل إلى بادية منطقة هود المسمى مهلي Moholee التي تقع تحت سيطرة إيثوبيا حتى يومنا هذا.
– حلقة الشيخ محمد حسن أدوا Odawaa من قبيلة سعد موسى الإسحاقية ، والتي كان يدرّس فيها الصرف ، وأخذ هذا الفن عن كل من الشيخ عبد الله كرح Kirix الدري، وكذلك والشيخ محمود فريري Farayare الأبسغولي.